د. نصار عبدالله يكتب: رد الاعتبار إلى الحمار"2"

مقالات الرأي



عالميا.. بدأت محاولة الانتصاف للحمار ورد الاعتبار إليه باعتباره مخلوقا شديد الذكاء والوفاء، حتى إن وصفه أولئك البشر الظالمون بالغباء وجعلوا من مصطلح «الحمورية» مرادفا لمصطلح «الغباوة»، بدأت تلك المحاولة فى بدايات القرن العشرين، تحديدا فى عام 1911عندما تأسست فى فرنسا: «جمعية الحمير العالمية» التى انضم إلى عضويتها عدد كبير من رجال الفكر والفن ونجوم المجتمع، وأما فى مصر فقد تأسست جمعية مماثلة فى عام 1932 على يد الفنان المسرحى المعروف : زكى طليمات، وقد انضم إليها عدد كبير من رجال الفكر والفن والأدب على رأسهم عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم الذى كتب عملين يحتل فيهما الحمار دور الشخصية الرئيسية وهما: «حمار الحكيم»: «حمارى قال لى»، فضلا عن الصورة الجذابة الآسرة التى ظهر فيها الحمار فى عدد من أعماله الأخرى مثل رواية «يوميات نائب فى الأرياف» التى نرى فيها الحمار أكثر شجاعة من وكيل النيابة الذى يمتطى ظهره، فالحمار يمضى بثبات فوق جذع نخلة مستخدم كجسر يربط بين ضفتى قناة بينما وكيل النيابة يمتلئ بالهلع خشية أن يسقط!، وبالإضافة إلى الأسماء السابقة فقدانضمت إلى الجمعية شخصيات أخرى شهيرة من بينها النجمة السينمائية: «نادية لطفي»، والفنان التشكيلى: «سيف وانلي»، والممثل والمخرج: «سيد بدير»، و«شكرى راغب» أول مدير فى دار الأوبرا المصرية، كما انضم إلى الجمعية كذلك وزير الصحة السابق د. محمود محفوظ الذى أصبح على مدى فترة طويلة رئيس شرف الجمعية، وطبقا للتحقيق الصحفى الذى نشرته جريدة الشعب المصرية فى 18 أغسطس 1987 فقد تجاوز عدد أعضاء الجمعية ثلاثين ألف عضو ويلاحظ أن الأعضاء طبقا لما ورد فى التحقيق ليسوا جميعا فى مستوى واحد من العضوية فعند انضمام عضو جديد إلى الجمعية فإنه يقبل فى البداية بدرجة (حرحور) ثم يترقى إلى درجة (جحش) ويحظى بلقب (حامل اللجام) ثم يترقى بعد ذلك إلى درجة (حمار) ويحظى بلقب (حامل البردعة) وهى الدرجة التى لم يصل إليها إلا مائتان فقط من بين الثلاثين ألف عضو، أخيرا يصل العضو إلى أعلى الدرجات ويحظى بأرفع الألقاب ألا وهو لقب (حامل الحدوة) وهو ذلك اللقب الذى لم يحصل عليه إلا ثلاثة فقط حسب تحقيق صحيفة الشعب، وتكون الترقية من درجة إلى درجة بحسب التفانى فى خدمة أهداف الجمعية، والدعاية لها، وإقناع أعضاء جدد بالانضمام إليها: أما الطلب الذى يكتبه طالب العضوية إلى الرئيس فإنه يكون عادة بالصيغة الآتية : معالى حامل الحدوة...بعد النهيق..فإننى من موقع إيمانى بالجمعية واستعدادى لبذل كل جهد ممكن لتحقيق أهدافها أرجو التكرم بقبولى بها مع خالص الشكر والنهيق!!.. ومن مصر بدأت الفكرة تنتشر إلى مختلف أرجاء العالم العربى فبدأت تتألف تباعا جمعيات للحمير فى مختلف الدول العربية، بعضها كان يتألف باعتباره فرعا للجمعية العالمية للحمير، فى حين كان البعض الآخر يحرص على تأكيد صفته العربية المستقلة عن أى تنظيم عالمى، أما الدافع إلى هذا الحرص فيتمثل فى أن الجمعية العالمية للحمير قد أحاطتها فى مراحل معينة من تاريخها شبهات قوية فى أنها تستهدف بشكل مستتر نشر ثقافة التطبيع مع الكيان الإسرائيلى الغاصب من خلال التعاون والعمل المشترك الذى تسوده روح الأخوة والتعاون بين كل الجمعيات المنتمية إلى جمعية الحمير العالمية بما فى ذلك جمعية الحمير الإسرائيلية التى تؤكد دائما أنها وسواها جزء من تنظيم واحد لا تفرق بين أعضائه عوامل الفرقة السياسية أيا ما كانت أسبابها، وهنا تكمن المغالطة الإسرائيلية التى تجعل من التأكيد على الطابع القومى للجمعيات العربية أمرا منطقيا ومطلوبا، فعلاقات الأخوة والمودة لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون خالصة بين أطرافها، إذا كان من بين هؤلاء الأطراف من هو مغتصب لحق الآخر، حيث المودة الخالصة فى مثل هذه الحالة تعنى تسليما بحق المغتصب فى الاغتصاب وإضفاء لنوع ما من الشرعية عليه، بحيث لا يكون اغتصاب الحق فى هذه الحالة حائلا دون إقامة علاقات من المودة والمساواة، ربما فى المستقبل إذا جاء اليوم الذى تعترف فيه إسرائيل سواء من موقع الاقتناع والحوار أومن موقع الإجبار بأن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا باعتراف كل طرف بحق الآخر فى الوجود.. ربما إذا جاء مثل هذا اليوم فإن أنصار الحمير العربية والإسرائيلية، بل إن أنصار الحمير فى كل مكان من العالم يمكن يومها أن يتحدوا.