مينا صلاح يكتب: العشق في الشقة المهجورة

مقالات الرأي

مينا صلاح
مينا صلاح


قابلته تائها بين الأزقة، حائرًا، يسأل القاصي والداني، عن حل لأزمته، التي رافقته منذ سنوات، لا يجد لها طبيبًا، ولم يطرحها على شيخًا أو قسيسًا، فرافقها في حنو الأب، ومخافة الأخ، ومحبة العاشق، وأخذ يلاطفها رويدًا رويدًا، حتى سقط في المأزق.

يقول الراوي، إن هناك شابًا، آتي من بلاد الحجاز، ورافق أهل العجم وأهل الهند والسند والأعراب، تفاجئ بشيطانة، سكنت شقته المهجورة، وأخذت تتردد عليها، فقرر الكتمان يا ولدي، وعدم البوح، مدعيًا قدرته على إبرام اتفاقًا، معها وأن تظل العلاقة في سعادة وهناءً.

ولكن يا ولدي، لم تكن مجرد شيطانة، فكانت آخر أحفاد إبليس، شاردة من ممالك بني الجان، إلى ممالك الإنسان، لتفسد كل ما هو جميل، وليقبح كل من لامس طرف ثوبها، ويعاقب بذنبها، فتجسدت في هيئة صبية مدللة، وصوبت خيارها، على من تعطش لروؤيتها، ليقع خيارها على من يختلس نظرة عابرة من فوق نهديها، ويلامس أطراف كفيها، فوهبته الملذات، وجذبها بالمغريات.

وظنت الشيطانة يا ولدي، أنها أذكي من بني الإنسان، فأخفت أفعالها عن الجميع، وسيطرت على متاريس أفكاره، وكبلت قراراته ليصبح رهن إشارتها، فالخطوات محسوبة، ولكل خطوة حساب، حتى وقعت الشيطانة في أخطاء عدة، ولم تعد ترافقه في الخفاء المعتاد، ولكن مذلة العشق، دفعتها إلى الظهور في العلن، وهنا يا بني، سقطت في فخ بني البشر، التي نصبته لنفسها.

ولأول مرة في تاريخ ممالك الجان، يا ولدي، أرى أحفادهم بهذا الغباء، كيف لها أن تسقط في فخاخ البشر، وكيف لبني أدم المؤمن أن يسقط بتلك السهولة، وسرعان ما جاءت لي الشيطانة باكية، ذات يوم، شاكية، من سلوك عشقها لبني البشر، فتوجست في نفسي، هل للشيطان قلب أن يعشق بشر، وقبل أن أقدم لها النصيحة، نظرت حولي فلم أجدها، فبحثت مرارا وتكرار عن تلك الشقة اللعينة المهجورة، التي اعتاد اللقاء أن يجمعهما فيها، وقت أن تدق ساعات العشق، فوجدهما محترقين يا ولدي، وهنا يا ولدي، أيقنت أن الشابة وحدها لم تكن شيطانة، وأن الشاب، هو كبير الجان، ورأيت مسوخًا، على وجهيهما، ورمادًا عجيبًا ذو لونًا، مميتًا، فشميت رائحة الموت في كافة الأركان.

ورأيت جثثا وجماجم، ملقاه إلى جوارهما، فتأكد أنها لم تكن أولى من سكنت تلك الشقة المهجورة، ولم تكن هي الوحيدة التي كويت بعشقها، ومات الجميع وبقت نصائحي.