من رحم المعاناة يولد الأمل.. 3 فتيات كفيفات يقهرن الظلم ويحققن أحلامهن (فيديو)



"من رحم المعاناة يولد الأمل، ومن باب الثقة يرحل الألم"، فالإصرار لم يفارق والدي التوأم الثلاث، حين صدمهم القدر بأن الفتيات حُرمن من نعمة البصر، ولن يبصرن العالم بأعينهن، فكان عليهم أن يزرعوا البصر في قلوبهن وفكرهن، ليفكون به طلاسم اليأس، ويتحدين الظروف ويقهرن المصاعب.
 

 "منار، مريم، مروة" ثلاث فتيات كفيفات، حصلن على المراكز الأولى على مستوى الجمهورية في المرحلة الثانوية لعام ٢٠١٦، ثلاثة توائم جمعهن نفس المصير، وتوحدت أحلامهن وطموحهن؛ ليواجهن الحياة بروح راضية، ويتعاملن برضا وسط المجتمع.

عجز البصر لم يكن عائقًا أمام تحقيق الأحلام:

تقول منار محمد صلاح، إحدى الشقيقات، إن الله أنعم عليها بنسبة إبصار بسيطة، تستطيع من خلالها القراءة، ولكن يصعب عليها الكتابة، إلا بطريقة "برايل"، حيث درست بـ"النور والأمل للكفيفات"، برفقة أخوتها، ورفضت الانتقال إلى مدرسة "ضعاف البصر"؛ لتأقلمها مع مدرستها، وتوليت خلال الدراسة في المرحلة الإعدادية مهمة استذكار دروس شقيقتيّها.


وعبرت "منار" عن استيائها من عدم التحاقها بأي الأقسام العملية؛ لعجزها عن البصر، ولكن طموحها لم يتوقف بعد، فقبلت الوضع بنفس راضية، وقررت الالتحاق بالقسم الأدبي، فأحبت اللغات وأتقنتها، ومن هنا قررت الالتحاق بكلية "الألسن".

وتضيف شقيقتها "مريم"، والتي التحقت بكلية الألسن برفقتها: "أريد أن أصبح مترجمة ناجحة، وأمتلك مؤسسة للترجمة برفقة إخوتي، نصل من خلاله للعالمية، ونسافر إلى إيطاليا، البلد الذي ندرس لغته، ونحقق أكبر إنجازات يخلد اسم مصر، ويؤكد نجاح المرأة في ظل الظروف الصعبة".
 
وفي السياق ذاته، تقول "مروة" الشقيقة الثالثة: "كان لدي حلم أن أكون معيدة في الكلية، ولكن بعد التحاقي بالكلية، مصاعب الدراسة تعوق تحقيقه، فمساواتي بالمبصرين ليست عادلة، على الرغم من مشاركتنا الفعالة في المجتمع، والاندماج بشكل مميز.


مجتمع غير قادر على دمج ذوي الإعاقة:

ربما كانت قسوة المجتمع بالنسبة لهن أكثر ألمًا من مرضهن، وربما لو ساعدهم لكانوا أفضل حالًا، ووضعوا أقدامهن على قارعة طريق ما حلموا به، بداية من الجامعة التي لم توفر لهن أي وسائل مساعدة، مرورًا بالصحة غير المتوافرة، انتهاءً بقانون لا يُنفذ ولا يُطبق.

وقالت منار إن الأعداد الكبيرة بالمدرجات وعدم التنظيم، كانت أكبر عائق أمام تحقيق حلم التفوق والحصول على درجات كبيرة بالكلية، مما جعل الاستيعاب صعبًا عليهن، خاصة وأنهن يعتمدن على السمع أكثر من البصر، في ظل صغر حجم القاعات والغرف.

بينما قالت شقيقتها مريم إن عدم توافر مراكز استماع بأجهزة آدمية بالكلية، أحد أكبر تلك العوائق، مؤكدة أن ذلك يًعب عملية التعلم.


جامعة عين شمس تحكم على الفتيات بـ"الظلم":

حتى أبسط حقوقهن في تطبيق القانون غير موجودة، حيث أن الفتيات الثلاث لم يحصلن على كارنيه الجامعة، وذلك نظرًا لتأخرهن في دفع المصروفات على مدار ثلاث سنوات، مما يحرمهن من الحصول على تأمين صحي، على الرغم من أن قانون ذوي الإعاقة يعفيهن من دفع مصروفات الجامعة بشكل نهائي، ويوفر لهن العلاج داخل وخارج نطاق الجامعة، إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث أبدًا.

وتقول شقيقتهم الثالثة مروة، إن صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار، أحال دون وجود تأمين صحي لهن، وأثقل كاهل الوالد، مما دفع الجامعة أيضًا لعدم إعطائهم كتبهم الدراسة، والتي من المفترض أن يتسلموهم على طريقة "برايل"، إلا أنهم تعرضوا لشتى أنواع التمييز، ولم يحصلوا حتى على تخفيض بالمركز الثقافي الإيطالي بالجامعة، مطالبين بتطبيق القانون والدستور.

الأب "بطل القصة".. أمل من دون ملل:

يعد الأب هو بطل القصة، لم يمل يومًا من توفير الدعم المعنوي والمادي للفتيات الثلاث، مؤكدًا أن بناته ولدوا فاقدين للبصر، حرمهم الله من تلك النعمة، ولكنه أعطاهم طيبة القلب والأمل، فلا كمال إلا لله وحده.

"محمد صلاح" أب لثلاثة بنات لم يروا العالم قط، رأوه فقط من خلال عينيه، التي لم تكل ولم تمل من النظر لبناته بحثًا عن لحظة رضا منهن.

ظل الأب يُجري عمليات جراحية لفتياته الثلاث منذ ولادتهن، ولكن توقف كل ذلك منذ نحو 5 سنوات، وذلك بعد تحسن وصلوا إليه واستقرار حالتهن الصحية، مشيرًا إلى أن علاج فتياته الثلاث كان بموجب كارنيه التأمين الصحي بالمدرسة، إلا أنه حال دخولهن الجامعة لم يتمتعوا بأي من حقوقهن التي كفلها لهن الدستور والقانون.

"قيمة العلاج تتخطى أحيانًا 4 و5 آلاف جنيه شهريًا، أتمنى أن أرى بناتي يرين النور مرة أخرى، وأن يحققن ما يتمنين من تقدم وتفوق، وأن يقف بجوارهم المجتمع"، بهذه الكلمات أنهى الأب البطل كلماته، بعينين يلمعان بالأمل وتفيض منهما ابتسامة الصبر.