محمد مسعود يكتب: من ينقذ المصريون من الفقر والانتحار؟

مقالات الرأي



حرب الشائعات أصابتهم باليأس فهربوا من خزى الدنيا إلى عذاب الآخرة

علماء النفس والاجتماع: المجتمع أصيب بالشلل التام وتوقف عن الإنتاج تمامًا


تزاحمت الأفكار فى رءوس أصحابها، أثقلت الهموم الصدور، وضاقت الأنفس بالظروف، ودخل البعض فى حالة من الاكتئاب المزمن جعلتهم يرون الحياة من منظور ضيق، أشبه بـ«خرم الإبرة».

حياة، أيقنوا فيها انتصار اليأس على الأمل، وشاهدوا فيها الحاضر الصعب، يكتسح المستقبل الواعد، ونالت فيها صخور الواقع من أحلام المستقبل.. فأردتها قتيلة.

على ناصية هؤلاء، ارتفعت معدلات الجريمة « القتل، السرقة، المخدرات، والدعارة»، وزادت نسب الطلاق إلى درجة مفزعة هربا من المسئولية.. ولجأ البعض إلى الانتحار، كخيار ليس له بديل، لا تتعجبوا، فماذا ننتظر من نفوس تزعم أنها تحملت ما لا طاقة لها به؟.

المؤكد، أن السطور التالية، تمثل إدانة كاملة، لمجتمع بات السوس ينخر فى عظامه، فالقيم تبدلت.. والأخلاق تدنت، وتحول المجتمع الاستهلاكى الكسول، إلى ذئاب تنهش فى لحم بعضها البعض، ما دامت تملك القدرة على القتال، أما من لم يستطع إلى القتال سبيلا، فقد لجأ إلى الانتحار، فرارا من خزى الدنيا.. إلى عذاب الآخرة.


1- مصنع الإرهاب

خاضت مصر حربا شرسة على الإرهاب، ونجحت فى تقويضه، وكسر شوكته، عن طريق جنود بواسل ضحوا بحياتهم، لنعيش دون أن يرهبنا خوف، أو يهددنا خطر، لكن الخلل الاجتماعى الذى أصابنا من المرجح أنه سينتج إرهابيين جددا، خاصة مع حروب الجيل الرابع التى تقوم على هز المعتقدات وتحويل المعلومات إلى شائعات تؤدى لتدمير الحالة النفسية للشعب، فبات منهم من يشعر بالظلم، والقهر، فأصبح سلوكه معاديا ومتعديا على مجتمعه.

ولعل واقعة الطفل محفوظ دياب الذى هرّب الملابس من جمرك بورسعيد، يكشف حالة الظلم والقهر فى قرارة نفسه، وكانت ظاهرة، وجلية فى حديثه ومفاهيمه «مبنعملش حاجة غلط.. بيسيبوا الكبار يهربوا.. وييجوا على الصغار»، لم يشعر محفوظ أنه ارتكب أى أخطاء، بينما يشعر أنه مظلوم، لكونه لا يجد عملا يدر ربحا سوى التهريب، وهنا من المؤكد أن «الظلم مصنع الإرهاب»، فهكذا يفكرون فى البداية، قبل أن يتجهوا للسرقة، أو ارتكاب الجرائم.. أو الانضمام لجماعات متطرفة.. تغسل عقولهم.

لم يكن ما قاله محفوظ دياب عجيبا، لكن العجيب فعلا هى حالة التعاطف الشديد من المجتمع مع سلوك إجرامى حتى وإن كان لطفل، فهو فى النهاية، كاذب.. خدع أهله فى صعيد مصر، وأوهمهم بسفره للتنزه بالإسكندرية، قبل أن يهرب الملابس.. فى بورسعيد!.


2- الاكتئاب وسلاح الشائعات

ليس هناك أدنى شك، فى أن المجتمع المصرى بشكل عام، يعانى من مرض الاكتئاب، لكن هل ثمة علاقة علمية بين إطلاق الشائعات، والاكتئاب، الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى قال إن تأثير الشائعات يؤدى إلى خفض الروح المعنوية لدى المصريين ومن ثم تقليل الولاء والانتماء وهى جزء من الحرب النفسية، ويؤدى تأثيرها إلى قلة الإنتاج وعدم الثقة فى القيادات مشيراً إلى أن هدف ذلك إيصال المواطنين لمرحلة الثورة على ظروفهم المعيشية.

لكن إلى أى مدى قد يتأثر الشعب المصرى بالشائعات، وعلاقة ذلك بالاكتئاب وحالة الإحباط التى ضربت الكثيرين، وهنا وبحسب تأكيد الدكتور محمد على، إخصائى الطب النفسى، فالشائعات لها تأثير سلبى على أى مجتمع، عن طريق ترهيبه، أو ترغيبه، فى شىء ما، مما ينتج عنه مجتمع غير واثق فى قراراته وينتج عن هذه الشائعات شلل لحركته وإصابته بحالة عامة من الإحباط ولا تؤدى إلى إنتاج أو استقرار.

انتهى كلام الدكتور محمد على، وهنا يبقى تساؤل فى غاية الأهمية، كيف تواجه الدولة الشائعات الكثيرة التى وصلت لـ21 ألف شائعة خلال شهور قليلة -بحسب كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى-؟.. المؤكد أن الدولة يقع عليها مسئولية كبيرة فى مكافحة الشائعات، وهذا ما أشار إليه الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر الذى قال: «الدولة المصرية تحتاج لوجود مجلس لإدارة الأزمات وتفعيل دوره عن طريق توقع ما لا يمكن توقعه، بعد إصدار الدولة لقرارات معينة وبالتالى عمل خطة للوقاية مما يمكن أن يقال والمحتمل أن يقال، ولكن يحدث العكس بعد انتشار الشائعة ننتبه ونقوم بنفيها».


3- الوصمة

لكن.. هل كان لهذا الإحباط، والاكتئاب المزمن علاقة بارتفاع معدلات الطلاق المفزعة؟.. التى وصلت وفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، إلى طلاق واحدة كل 4 دقائق، ومجمل الحالات على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، وطبقاً لآخر إحصائية للأمم المتحدة ارتفعت نسبة حالات الطلاق من 7% إلى 40%.

ولأن هذا الارتفاع المخيف، يجب دراسته، وتحليله، وربطه بحروب الجيل الرابع، سألنا الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فقالت: «ارتفاع النسبة يرجع إلى أن آخر جيلين تربوا على الأنانية وعدم تحمل المسئولية، بالإضافة لكون المرأة أصبحت قادرة على إعالة نفسها اقتصادياً، وبالتالى لم تعد بنفس الحاجة إلى رجل للإنفاق عليها فضلاً عن أن النظرة للمرأة المطلقة تغيرت ولم تعد موصومة».

الدكتور جمال فرويز قال بدوره إن زيادة حالات الطلاق ليس له علاقة بالضغوط الاقتصادية بالأساس، ولكن لغياب الأخلاق والتوتر فى العلاقات داخل الأسرة ووجود مظاهر التدين الشكلى فقط، مستشهداً فى ذلك بالعائلات كبيرة العدد التى كانت تسكن داخل منزل بسيط دون وجود الأزمات التى تؤدى للطلاق، ومن ثم فإن سبب الظاهرة ليس اقتصادياً فقط، وإنما غياب الحوار داخل الأسرة والترابط الذى نفتقده فى الفترة الأخيرة بالإضافة إلى قلة الوعى الذى يؤدى إلى اللجوء لفكرة الطلاق.

ومن جانبه قال الدكتور محمد على أن الاكتئاب والإحباط يؤثران على الطرفين ويمنعهما من عدم التركيز على علاقتهما والتواصل بشكل كبير ومن ثم يقع الطلاق.


4- الجريمة

بتناسب طردى، ارتفعت معدلات ارتكاب الجرائم مع معدلات الطلاق، وطبقاً لآخر إحصائية لوزارة الداخلية لعام 2017 ارتفعت جرائم هتك العرض إلى 97% مقارنة بعام 2014 حيث كانت نسبتها 93% بالإضافة إلى تزايد جرائم الحريق العمد بنسبة 90% مقابل 61% لعام 2014 أيضا.

ارتفاع نسبة الجرائم، والعنف المجتمعى، من المؤكد أن له أسبابه، عددتها الدكتورة سوسن فايد، قائلة إن ارتفاع نسبة الجريمة يرجع لتزايد حالات الإدمان ووجود تطلعات بين الشباب صغير السن عن طريق ما يشاهدونه فى وسائل الإعلام التى تحرك لديهم تطلعات أكبر من إمكانياتهم وبالتالى يلجأون لارتكاب الجريمة.

أما الدكتور هاشم بحرى فيرى الجريمة بشكل عام سببها الضغط الاجتماعى، ووجود ثقافة «الفهلوة « والتربية على التحايل على القوانين وبالتالى يكبر الطفل على الاستغلال (حالة محفوظ دياب الذى قد يؤدى إلى ارتكاب جريمة).


5- الانتحار

لم تعد أخبار الانتحار غريبة عن صفحات الحوادث بالصحف اليومية، مرة شاب يشنق نفسه، وأخرى يقتل أسرته ثم يقتل نفسه، وثلاثة أشخاص يرمون بأنفسهم تحت عجلات المترو وأحيانا القطار، لماذا هانت حياة المصريين على أنفسهم، وبات قرار «الخلاص من الدنيا» هو الأسهل، وأصبح السؤال الأهم.. لماذا يقتل المصريون أنفسهم؟.. هل لحالة الإحباط والاكتئاب؟.. أم لظروفهم المعيشية المرتبطة بغلاء الأسعار؟..

التفسير العلمى، وجدناه لدى الدكتور هاشم بحرى الذى يقول:«حدوث حالة انتحار واحدة تهز المجتمع كل مرة، كون المجتمع غير معتاد على الانتحار، وهى حالات لو تمت بمعدل حالة كل يوم فلا تعد ظاهرة، لأن معظم حالات الانتحار تكون بين مرضى عقليين، والمريض العقلى يكون معرضا للانتحار بنسبة تزيد على الإنسان العادى بنحو 15 إلى 20% غير أن الإنسان الطبيعى ينتحر بنسبة أقل بكثير، وأسباب الاكتئاب يرجع إلى مرض عقلى، أو اكتئاب اليأس، والضغوط، ويصل لمرحلة اليأس ومن ثم الانتحار مشيراً إلى أنه لعلاج حالات الانتحار لابد من العودة للعلاج النفسى والمشكلة أن حالات نادرة هى من تلجأ للعلاج النفسى.

الدكتور جمال فرويز أرجع زيادة نسبة الانتحار إلى الظروف النفسية فى مرحلة المراهقة وأنها تتعلق بشريحة عمرية معينة وهى المراهقين الذين يفكرون فى الانتحار مع أية أزمة يتعرضون لها كالفشل أو الإحباط ويكون هو الحل الأمثل بالنسبة لهم ومن ثم يبحثون عن أية  تجربة للانتحار نجحت ومن بينها الانتحار تحت عربات المترو لتكرار هذا النموذج أمامهم ومن ثم تقليده.

وبدورها أكدت الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية   أن حالات الانتحار المنتشرة ترجعها أسبابها لأسباب نفسية كالهواجس وانخفاض الأنا وتقدير الذات لدى المنتحر، وبالتالى يكون التخلص من حياته قرارا سهلا بالنسبة له خاصة بين المرضى العقليين، مضيفة أن كل هذه العوامل تؤدى لوجود حالة من الاكتئاب والجو النفسى غير الصحى بين المجتمع المصرى، لافتة إلى أن التغلب على هذه الحالة وخروج المصريين من حالة الاكتئاب يستدعى تضافر كافة المؤسسات المعنية كالتعليم والإعلام والمؤسسات الدينية لخلق جو صحى للتغلب على حالة الاكتئاب التى أصابت المصريين، فضلاً عن الاهتمام بالمرض النفسى ومعالجته وهى ثقافة ما زالت غير موجودة بالمجتمع، ولابد من التوعية بنشر الوعى النفسى للتغلب على هذه الظواهر السلبية التى أصابت المجتمع بالإحباط.


6- الخروج من المحنة

للخروج من المحنة على الإعلام التركيز فى الفترة المقبلة على مواجهة الإحباط، بنشر حالة من الأمل، باستعراض المشروعات القومية واستيعاب الشباب وتعليمهم العمل فى مشروعات صغيرة، وكيف يبدأون حياتهم الجديدة، فلا مجال للخروج من الأزمة سوى بالطرح الإعلامى والدراما الهادفة التى كانت تمثل قوة ناعمة قبل دخول مسلسلات «حبيشة والأسطورة» وأفلام الألمانى وأفلام السبكى وغيرها من تلك التى دمرت العقول وجعلت من أشخاص يحملون لواء البلطجة، أبطالا فى عيون البسطاء والمهمشين.