أحمد فشير يكتب: 48 ساعة بدون "فيسبوك".. حياة

مقالات الرأي



يحاول الإنسان دائمًا أن ينتصر لنفسه وأحيانًا على نفسه بمجاهدتها وترويضها وكبحها عن كل ما هو رديئ؛ اللهم غض بصرها عن الإسراف والترف لتشكيلها في قالب "القناعة" وذاك الكنز الذي لا يفنى. 

وفي وقت أصبح فيه "الإنترنت" مثل المياه والكهرباء، وقوة الاتصال اليومي ولا أُبالغ إن قلت "اللحظي" بمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تويتر، انستجرام، ومن على شاكلتهم.. رأيت أنني في حاجة إلى "حياة" أكثر واقعية، لا تشبوها أي افتراضية، وكان القرار الغير معد له مسبقًا والتجربة محكوم عليها بالفشل قبل أن تُنَفّذ (حسب اعتقادي)، راحة سلبية في مدتها، إيجابية جدًا من حيث النتائج، ليس مقاطعة "السوشيل ميديا" فحسب بل عدم اتصال بالانترنت تمامًا.. وهيا بنا نجني ثمار ما أقررته. 

كان النازع الحقيقي في الابتعاد المؤقت عن العالم الافتراضي، هو البحث عن ذاتي في العالم الحقيقي (الواقعي)، والكشف على "نفسي" هل حقًا أدمنت، و "فيسبوك" يقضي عليها بإشعاراته وكومنتاته وعدد لايكاته، أم أنها "أسيرة" قصة حب وهمية لمجرد عدة "رسائل" مجهولة المصدر جاءتها على تطبيق "صراحة"، كنت أخشى أنني أصبحت لا أفكر سوى في عدد المتابعين (الفلورز) وكيف أُقلص الذين أتابعهم (الفلوينج) لإثبات الشهرة ومحبة الكثيرين على "تويتر".. وكل هذا زيف.

تدفقت مزايا الحياة "بدون نت" ميزة تلو الأخرى، في "معايشة" لمدة ٤٨ ساعة فقط، يسودها الشعور بالحرية والسوية والسلامة النفسية.. وأنجزت التالي: 

- قراءة أكثر من ٥٠ صفحة في كتاب كنت بدأت قرأته منذ عامين وتركت تصفحه، مع العلم بقلة عدد الصفحات المقروءة. 

- النوم المبكر والعميق، دون قلق أو صحيان في أوقات معينة، وأتحدث ولا حرج كنت أقلق أثناء النوم في وقت محدد جدًا أشاهد ذكريات (الميموريز) على الفيس وهذا بشكل يومي. 

- التركيز .. في ما أُنجزه، في الحديث مع الأسرة والأصدقاء أثناء الجلوس معهم، وجرِّب ستجد أنك تعيش حياة طبيعية هادئة بدون أن منبهات أو محسنات ومكسبات طعم ورائحة. 

- التخلص من عدة عادات سيئة وغير صحية، وحدث ولا حرج؛ لأن الأغلبية تفعلها ومنها: وضع الموبايل أسفل "المخدة"، اصطحابه في أماكن لا يصح وجوده فيها، استخدامه لوقت طويل في الظلام مما يُضعف النظر، عدم التقيد بالجلوس عند "قبس الكهرباء" والسؤال عن "الشاحن"، وضع الهاتف أسفل "الطرحة" عند النساء، وخلافه من السلوكيات التي "تُطير العقل".

قرأت في صحيفة عربية، تحقيق عن حملة بريطانية لمقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي شهرًا، تحت عنوان "سبتمبر بلا تصفح"، وتستهدف إعادة النظر في طريقة استخدامنا مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلت الحملة إلى نتائج إحصائية مُدهشة تستدعي التوقف من بينها: ٧ من كل ١٠ أطفال يتعرضون للتنمير الإلكتروني، وواحد من ٥ أشخاص صغار يستيقظ في الليل لمتابعة الرسائل على موقع التواصل، واستندت الحملة إلى تقرير صادر عن الجمعية الملكية العام الماضي يشير إلى مجموعة من التأثيرات السيئة على رواد "السوشيل ميديا" منها: الإصابة بالقلق والاكتئاب والتصور السلبي لشكل الجسم والأرق و "fomo" وترجمته "القلق من فقدان القدرة على ملاحقة الأحداث".

آن الأوان أن نعيد النظر في تصرفاتنا، في المحافظة على "الوقت" المحسوب من أعمارنا، وإعادة الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية التي هشمتها وألقت بها عرض الحائط "وسائل التواصل".. خُض تحدي حقيقي مع نفسك لتنتصر على الطبيعة الإدمانية وشبح مواقع التواصل.