"الإفتاء": التنظيمات التكفيرية تطوِّر تكتيكاتها للتوغل في المجتمع عبر التجنيد العائلي

أخبار مصر



أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية في دراسة جديدة أن الضربات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ومحاولة تجفيف منابع تمويلها المالي ومصادرها البشرية سوف تدفعها إلى اللجوء إلى ما بات يعرف بـ "الإرهاب العائلي"؛ وذلك تجنبًا للإيقاع بها إذا سعت إلى دعوة أفراد جددٍ خارج إطارها، وبالتالي سوف تعمل جاهدة على محاولة الانتشار داخل الإطار العائلي. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك أسرًا تكونت بالفعل من عمليات التزاوج التي تمت في فترة سيطرة تنظيم داعش داخل سوريا والعراق.

وقال المرصد: إن عددًا من التقارير الدولية قد أكدت أن أكثر من ربع المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق كانت لهم صلات قرابة بدرجات مختلفة مع المتطرفين هناك، حيث إن صلات القرابة والصداقة من وسائل التجنيد التي تستطيع الجماعات المتطرفة استخدامها أكثر من أسباب أخرى يمكن أن تتصدر المشهد.

وحذَّرت الدراسة من صعوبة المواجهة الأمنية لظاهرة "الإرهاب العائلي" لما يحققه هذا النوع من السرية والأمان والتخفي، فضلًا عن القدرة الكبيرة في التخطيط والتنسيق في تنفيذ العمليات الإرهابية الموجعة. وأضاف المرصد أن التنظيمات الإرهابية قد طورت آلياتها للتوغل داخل البنى الاجتماعية، وربما شهدت الجماعات الإرهابية انضمام أشقاء أو أقارب بدرجة ما، لكن ما تم استحداثه في الفترة الأخيرة هو قيام أبناء الأسرة أو العائلة الواحدة بالمشاركة في تنفيذ عملية إرهابية.

وبينت الدراسة أن العمليات الإرهابية التي شهدتها إندونيسيا في مايو 2018م لم تكن الأولى من نوعها لظاهرة "الإرهاب العائلي" بقدر ما كانت الأكثر بشاعة، حيث قامت أسرة إندونيسية مكونة من ستة أفراد "أب-أم-أبناء" باستهداف ثلاثة كنائس بمدينة "سورابايا" مما تسبب في مقتل 12 شخصًا وإصابة 40 آخرين. وفي اليوم التالي للهجوم نفذت أسرة أخرى مكونة من خمسة أفراد هجومًا انتحاريًّا استهدف مقرًّا للشرطة؛ مما أوقع بعشرات الجرحى.

كما شهدت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قبل عدة سنوات عددًا من العمليات التي نفذها أبناء أسرة أو عائلة واحدة، ففي أبريل عام 2013م شهدت الولايات المتحدة تفجير ماراثون بوسطن، الذي نفذه الشقيقان جوهر؛ مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، وإصابة 264 آخرين، وشهدت فرنسا هجومًا إرهابيًّا على صحيفة "شارلي إيبدو" في يناير 2015م، حيث قاد الهجوم الأخوان كواشي؛ مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 11 آخرين.

كذلك شهد عدد من الدول العربية توجيه عدة اتهامات بالتطرف والقبض على أكثر من حالة تمثل نوعًا من أنواع "الإرهاب العائلي"، ففي يوليو 2015، أعلنت السلطات السعودية القبض على 3 أشقاء، يعتقد أنهم على صلة بالهجوم الانتحاري الذي استهدف مسجدًا للشيعة في الكويت، وأدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. أيضًا تمكنت قوات مكافحة الإرهاب بتونس في فبراير 2016 من القبض على 3 إرهابيين أشقاء (فتاة وشابين)، كان أحدهم مصابًا بطلق ناري في منطقة سجنان بولاية بنزرت شمالي البلاد، وقد كانوا على متن سيارة متجهين نحو ولاية صفاقس وبحوزتهم كمية من الأدوية.

تثير عمليات "الإرهاب العائلي" العديد من التساؤلات حول أسباب انتشار هذه الظاهرة، هل هي مجرد اهتمام شخص ما –على درجة قرابة أو صداقة- بالأفكار الإرهابية مع إمكانية أن يقود ذلك أشخاصًا آخرين إلى الاهتمام بهذه الأفكار عينها؟ وهل يعني انتشار هذه الأفكار إيمان كل أفراد العائلة والأسرة بها وبنفس الدرجة؟ ولماذا تلجأ الجماعات الإرهابية إلى هذا النوع من التجنيد؟

ولفتت الدراسة النظر إلى أن تفسير تصاعد ظاهرة "الإرهاب العائلي" خلال الفترة الأخيرة يمكن أن يعود إلى الاعتبارات الاجتماعية والسياسية والأمنية، فيمكن القول إن السياسات العنصرية والتمييز وعدم الاندماج والتهميش داخل المجتمع تدفع ببعض الأفراد للالتحاق بالجماعات المتطرفة، فالحاجة إلى حاضنة سياسية اجتماعية عادلة هي التي تدفع بهؤلاء إلى الارتماء في أحضان تلك الجماعات كنوع من أنواع الحماية، فضلًا عن طموحهم إلى إمكانيات الصعود والترقي.

واوضح أن العنصر الأمني يكون حاضرًا وبقوة في هذا السياق، فالتنظيمات الإرهابية من خلال تجنيد عائلات متطرفة بأكملها يمكنها التحايل على القيود المشددة التي تفرضها أجهزة الأمن في الدول المختلفة، باعتبار أن ارتباط الإرهابيين بِصلات قرابة يسهِّل من عملية التنسيق فيما بينهم، لا سيما في حالة ما إذا اتجهوا إلى تنفيذ عملية إرهابية، ويصعب من عمليات رصد تحركاتهم من جانب أجهزة الأمن.

إضافة إلى إمكانية أن يساعد الإرهابيون الذين انضموا إليها في عمليات التجنيد، من خلال إقناع أقاربهم بجدوى الانضمام لتلك التنظيمات وتنفيذ عمليات إرهابية، حيث تسعى إلى استخدام ما يمكن تسميته بـ"تأثير الرابطة العاطفية" أو "التنشئة الاجتماعية" التي تساعد في تكوين تصورات ومعتقدات الأفراد، من أجل دعم قدرتها على زيادة عدد الإرهابيين المنضمين إليها بشكل كبير، ومن هنا يمكن أن تفسر بعض الاتجاهات أسباب حرص هذه التنظيمات على تجنيد عدد كبير من النساء، باعتبار أن النساء يمارسن دورًا بارزًا في عمليات التنشئة ويستطعن التأثير بقوة على أفكار وتوجهات أبنائهن.

ونوَّعت التنظيمات الإرهابية وسائل التجنيد العائلي، ففي بعض الأحيان تتبنى تلك التنظيمات خطابًا عاطفيًّا يرتكز على مقولة أن العالم في حاجة إلى "العائلة" كنواة لبناء المجتمع النقي الذي يسود العالم بالفهم الصحيح للدين، كما تسعى هذه التنظيمات لتكثيف خطاب آلتها الإعلامية لخلق وَهمٍ لدى عناصر الأسرة أو العائلة المستهدف تجنيدها لحجب الوضع القائم وخلق واقع افتراضي من صنع التنظيم.

 يضاف إلى ذلك عمل التنظيمات التكفيرية على تصعيد العناصر المستهدف تجنيد عائلتها وضمها إلى صفوف التنظيم في المواقع المتقدمة، ولو شكليًّا داخل التنظيم لإغراء باقي أفراد العائلة، هذا بالإضافة إلى استخدام أساليب الإغراء المالي والمادي، بجانب تجنيد النساء بشكل كثيف، لتأثيرهن الفعال داخل الأسرة والعائلة.