حكايات السلفيين داخل محكمة الأسرة

العدد الأسبوعي



ضرب وحرق وتعذيب

أحدهم يعذب ابنه بعدما سرق منه 3 جنيهات.. وآخر يحرق طفلا لعدم حفظ القرآن


داخل أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، استيقظ الجيران فى السادسة صباحاً على صراخ طفل لم يتجاوز من العمر 8 سنوات، بعدما انهال عليه والده ضرباً بعصا «المقشة»، راكلا بطنه بقدمه القوى، ما اضطر الأم «المنتقبة» إلى عدم الاهتمام بستر وجهها، فأطلت برأسها من شرفة المنزل تطلب الغوث من أهل الحى، على أمل إنقاذ طفلها من قبضة أبيه.



الوالد شيخ سلفى، يبلغ من العمر 36 عاماً، منضم إلى «الدعوة السلفية» عام 2012، وعضو بحزب «النور» بمحافظة الإسكندرية، يمتلك إحدى شركات الاستيراد والتصدير بمحطة الرمل، عذب نجله الأصغر عبد الله عندما أمسكه متلبساً بسرقة 3 جنيهات من جلبابه الأبيض الموجود داخل حجرة نومه.

وبعدما فشلت محاولات والدة الطفل وتدعى حنان فى إنقاذ عبد الله من يد والده، أسرعت به إلى أحد المستشفيات الخاصة بعدما انتهى «الشيخ» من تعذيبه، وهناك سألها طبيب الطوارئ بعدما خلع ملابس الطفل: «مين اللى عذب الولد بالشكل ده»، فقالت له والده، فأخبرها الطبيب بضرورة عمل أشعة مقطعية على القفص الصدرى والعمود الفقرى فوراً.

وأظهرت النتائج وجود تجلط دموى فى أغلب أنحاء جسم عبد الله، بالإضافة إلى وجود شرخ فى العمود الفقرى، يستلزم راحة تامة لمدة 4 أسابيع، مع ارتداء حزام لتثبيت الفقرات وكذلك حضور جلسات مكثفة للعلاج الطبيعى.

لم ترغب الزوجة فى العودة إلى منزلها بعد الاطمئنان على طفلها، وقررت الطلاق من زوجها، وأقامت ضده دعوى قضائية «طلاق للضرر»، حملت رقم 179 لسنة 2018، وذكرت فيها ما جاء من وقائع تعذيب طفلها على يد والده.

ثم توجهت إلى محام لتطالبه بتقديم بلاغ ضد زوجها، لمعاقبته على الجريمة التى اقترفها ضد نجله الأصغر عبد الله البالغ من العمر 8 أعوام فقط، إلا أن المحامى أخبرها أن القانون لا يحتوى على مواد رادعة لعقاب الآباء على ما يرتكبونه من عنف ضد أبنائهم، لأن هذه البلاغات تصنف «اجتماعية»، وعقوبتها تكون الغرامة فقط.

ولم يكن الحال فى مركز أطسا التابع إلى قرية تطوان بمحافظة الفيوم ببعيد، إذ وقعت نفس الجريمة على يد أحد المنتمين للجماعة الإسلامية، ويدعى سامى، كان عضوًا فى حزب البناء والتنمية المنحل، عذب طفله صدّيق البالغ من العمر 10 سنوات أثناء تعليمه القرآن الكريم.

بدأت القصة عندما ترك الأب ابنه يرتل القرآن وتوجه لتناول وجبة الغداء، وعند عودته إلى المكان الذى ترك فيه ابنه لم يجده، فأخذ يبحث ويفتش عنه داخل المنزل ولم يعثر عليه، إلى أن أخبرته ابنته الكبرى أنه نزل إلى الشارع ليلعب كرة القدم مع جيرانه.

أسرع الأب والغضب يكسو وجهه، وخرج أمام المنزل وصرخ فى الطفل لاستدعائه بالدخول، إلا أن الطفل اعترض ولم ينصاع لما طلبه والده منه، فانطلق «الشيخ» نحوه بسرعة كبيرة وانهال عليه بالضرب فى الشارع أمام أقرانه، ثم أدخله المنزل بالقوة، وفى الداخل لم يكتف بما فعله به، إذ قيده بحبل وأحضر ملعقة الطعام واسطوانة الغاز الصغيرة، وأخذ يحرقه بالملعقة فى أنحاء متفرقة من جسده، ليصبح الطفل مشوهاً تغطى علامات الحرق جسده النحيل.

وفى صباح اليوم التالى، توجه الطفل إلى مدرسته الابتدائية الموجودة فى القرية وهناك فوجئت إحدى المعلمات أثناء جلوسه بالفصل بإرهاقه الشديد وارتفاع غير مسبوق فى درجة حرارته، وطلبت من مدير المدرسة نقله إلى مستشفى أطسا العام بالفيوم، وهناك اعترف الطفل أن والده قام بتعذيبه، وشرح تفصيلا ما أقدم عليه الأب الذى افتقد الحد الأدنى من الإنسانية أثناء تعذيبه بهذه الطريقة الوحشية، التى كادت أن تقضى عليه، فتم تحرير محضر إهمال للأب، برقم 18 أحوال أطسا لعام 2017.

واقعة أخرى تؤكد وحشية «الشيوخ» فى التعامل مع أطفالهم، جرت داخل مطبعة صغيرة للورق والكرتون، عندما جلس الطفل محمد مصطفى بجوار والده السلفى، لمساعدته فى أعمال الورشة ولتعليم أساسيات الصنعة منه، إلا أن القسوة كانت جزءاً لا يتجزأ من تربية الأب لأبنائه، علاوة على أن العنف تجاه زوجته كان السمة الأساسية الطاغية على العيش معها.

إذا عاد الوالد إلى المنزل ولم يجد الطعام يستخدم يده ضربًا على وجه زوجته، «خرطوم الكهرباء» لا يفارق يده الغليظة، لضرب أطفاله الصغار إذا فكر أحدهم فى ارتكاب أى خطأ.

استيقظ «الشيخ» الأربعينى من نومه مبكراً كعادته، وطلب من نجله محمد صاحب الـ9 سنوات التوجه إلى مطبعته لفتح أبوابها، فتوجه الطفل مباشرة إلى هناك ونفذ أمر والده، إلا أنه رغب فى قضاء بعض الوقت للعب مع أصحابه أمام الورشة، يلعب بالكرة.

شيئا فشيئا دخل أصحابه إلى الورشة وبدأوا فى اللعب بخامات الورق، حتى أشعل الأطفال النار فى الورق، وكادت أن تقع كارثة، عندما زادت النار حتى أوشكت على التهام المطبعة بكافة محتوياتها، إلا أن الجيران تداركوا الموقف وأنقذوا الأطفال وأخمدوا الحريق.

وأبلغ الجيران الشيخ مصطفى بما حدث، فتوجه مسرعاً إلى مطبعته، وعندما رأى ابنه أمامه اصطحبه إلى المنزل، وهناك انهال عليه ضربًا بـ«خرطوم الكهرباء»، ما تسبب له فى العديد من الكدمات فى أنحاء متفرقة من جسده، حتى أفقده الوعى، وعلى الفور اتصلت الزوجة مباشرة بالإسعاف لنجدة طفلها محمد.

وبعد وصول الإسعاف توجهت به إلى مستشفى سيد جلال الجامعى، وتم عمل الإسعافات الأولية له، وبعد اطمئنان الأم على طفلها قررت عدم العودة مرة ثانية إلى بيت الزوجية، وطلبت الطلاق صراحة من «الشيخ» السلفى.

وقالت الأم التى تدعى ألفت لـ«الفجر»: عندما وجدت ابنى فى هذه الحالة وشعرت بوفاته فى أى لحظة طلبت الطلاق وأنا فى المستشفى، لكنه لم يتردد كثيراً فى الأمر «ورمى على يمين الطلاق» أمام المرضى والممرضين والأطباء، وعندما توجهت الشرطة إلى مكان الطوارئ حررت ضده محضر إهمال بسبب ما ارتكبه ضد ابنى.

وتابعت: «فى لحظة خروجى من المستشفى مر أمام عينى شريط ذكريات العذاب الذى عشته مع عقلية رجعية مثله، يظن الدين ترهيب، وفيه الصلاح إذا تم تطبيقه على هذا النحو، لكن قرار طلاقى منه سببه الحفاظ على أولادى من بطشه، ولحرصى على تربيتهم تربية سوية، حتى لا يكونوا مثله فى يوم من الأيام».

الوقائع التى رصدتها «الفجر» فتحت أبواب التساؤل حول استناد هؤلاء المتطرفين لأحكام فقهية فى تعذيب أطفالهم، وردًا على ذلك يقول الشيخ على محمد الأزهرى، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إن الذى يعتدى على ولده إنسان قاسى القلب، والنبى صلى الله عليه وسلم عاب وغضب من الصحابى الذى أخبره بأن لديه عشرة من الأولاد لم يقبّل واحدًا منهم قط، فقال حديثه الشهير «من لا يرحم لا يُرحم».

وأكدت إكرام خليل، رئيسة إحدى المؤسسات المناهضة للعنف ضد الطفل، أن هؤلاء المتطرفين يعذبون أولادهم بطرق وحشية، نتيجة تعرضهم لإيذاءات نفسية فى صغرهم، وهؤلاء الشيوخ فعلوا هذه الوقائع بأطفالهم نتيجة فقدانهم للهوية النفسية، فضلاً عن فقدانهم لشخصيتهم أمام الجميع، لذلك يسعون إلى إخراج إحساسهم بالنقص على أهل بيتهم.