رامي المتولي يكتب: "أحب بابلو وأكره إسكوبار".. معضلة محبة المجرمين فى Loving Pablo

مقالات الرأي



صعود سريع واستمرار قوى ومسيطر لمدة تقترب من العشرين عاماً أعقبه نهاية شنيعة وعنيفة لكنها ملهمة، استمراراً كـ«ملك» فى الدولة التى يحمل جنسيتها كولومبيا لا تقدر عليه الحكومة والرئيس والجيش متحديًا الدولة رقم 1 فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية التى على الرغم من من كل الإمكانيات التى تملكها لم تستطع التحفظ عليه أو كسر شوكته إلا بعد أن تلقت الدعم من حبيبته السابقة فيرجينيا فاليخو، بابلو إسكوبار تاجر المخدرات الملهم للعديد من الأعمال الفنية التى وضعت شخصيته تحت الأضواء من عدة زوايا ليأتى فيلم Loving Pablo ويتناول الزاوية الأعمق فى حياة هذا الرجل وهى المشاعر، الحكاية تروى من خلال دفعات قوية ومكثفة من المشاعر تعتمد على مذكرات الحبيبة فيرجينيا والصادرة فى كتاب بعنوان Loving Pablo، Hating Escobar.

بابلو بدأ كلص على الموتوسيكل ثم مهرب صغير نجح فى تأمين طريق المهربات من وإلى الولايات المتحدة عام 1975، وبحلول الثمانينيات كان يتحكم فى 80% من تجارة الكوكايين فى الولايات المتحدة لكنه بعد غياب الأصدقاء والحلفاء ومقتله سار فى جنازته أكثر من 25 ألف شخص فعلى الرغم من عنفه وأعدائه الذين اكتسبهم مع مرور السنين حكمه كملك للكوكايين وعلى رأسها قائدة العالم الحر الولايات المتحدة والعداء الشخصى بينه وبين الكاوبوى السابق الذى تحول لرئيس الولايات المتحدة رونالد ريجان، إلا أنه وحتى الآن ينظر له البعض كشخص خير وبطل قومى، حياة هذا الرجل تعتمد بشكل مباشر على مشاعره وانفعالاته والقرارات التى اتخذها من وقت ما كان لصًا صغيرًا وصولا بقرار مكالمة ابنه ليتلو عليه وصيته والذى كان السبب فى مقتله.

الفيلم ككل مصمم ليعبر عن هذه المشاعر ودورها فى توجيه حياة بابلو، بداية من المشهد الافتتاحى لـ «بابلو» وهو يقود موتوسيكل ضمن مجموعة يتقدم اثنان منهم بحركات بهلوانية ليفاجأوا بحصان يخرج من الزراعات على جانب الطريق ويصطدم بموتوسيكل أحدهم وينتهى الموقف بشكل تقليدى وهو رصاصة رحمة للحصان ونظرة أسى من بابلو، هذا المشهد وتصميمه بشكله يحمل النبوءة لمصير ملك الكوكايين وكيف سيصطدم وهو فى قمة مجده وسيطرته بقوى أخرى وينتهى مصيره قتلاً بالرصاص، الحصان يعبر عن القوة والشجاعة والأصالة كرمز والموقف يدلل على حماقة ورعونة الحصان فى نفس الوقت، المشهد بإسقاطاته يحمل المفاتيح لماهية بابلو وكيف سنتفاعل مع شخصيته، مخرج وسيناريست الفيلم فيرناندو ليون دى أرانوا قدم هذه المشاعر وركز على أهميتها مستخدمًا لغة سينمائية تعتمد على الصورة والتعبير رمزيًا، المشهد الافتتاحى هو أحد الأمثلة أو ما فعله للتعبير عن سطوة وقوة بابلو سواء فى مشهد المفاوضات غير الرسمية بين الحكومة الكولومبية وحليفتها الولايات المتحدة من جانب وبابلو وعصابته من جانب آخر التى صُورت وكأنها مفاوضات بين دولتين تتصارعان على النفوذ والسطوة كل منهما يملك جيشًا وساسه وحكام واقتصاد يدعمه، أو حتى فى شكل تكرار الحديث بين فيرجينا والعميل شيبرد الذى كان كل لقاء بينهما يحمل مغزى وإسقاط يعبر عن حالة بابلو وقوته ولقائهما الأول حددت فيرجينا شكل الصراع بين بابلو وشيبرد بقولها إن ما تفعله الولايات المتحدة بسبب أن هذه الأموال تذهب لخارج حدودها وأشارت لتعاملها المختلف مع أباطرة المافيا أصحاب الأصل الإيطالى الذين تتركهم الولايات المتحدة لمجرد أن استثماراتهم محلية.

لكن على الرغم من هذا التأسيس الجيد جدًا كتابة وتصويرًا إلا أن باقى عناصر الفيلم باستثناء التمثيل -من ناحية الممثلين- جاءت ضعيفة لا ترقى للمستوى المتقدم الذى حظيت به الرؤية والتصوير والسيناريو فى كثير من الأحيان، فتصميم الإنتاج والملابس والديكور والماكياج أثروا سلبًا على الشكل العام فى الفيلم وعلى أداء الممثلين، فادعاء الدقة المفرطة فى تشكيل ملامح بابلو الجسدية ولجوء المخرج للماكياج بافراط ليظهر خافيير بارديم قريب الشبه بـ«بابلو» كان العامل الرئيسى لأن تضيع جهود الممثل فى بناء الشخصية وأدائها فالاستعراض بإظهار بابلو عارى الجذع ذا بطن ضخم أو رقبة منتفخة أو حتى إظهاره عاريًا فى مشهد الغابة والتركيز على ذلك لم يقدم أى جديد فى الفيلم على العكس ظهر مزيفًا وساهم لحد كبير فى تباعد المسافة بين المشاهد والشخصية وبالتالى التفاعل معها لم يكن على المستوى المطلوب، وكذلك الحال مع الملابس التى حاولت محاكاة الحقبة الزمنية لكنها لم تكن على المستوى المطلوب، فهى بالفعل تنتمى للحقبة الزمنية لكنها لا تتماشى مع بينلوبى كروز هى أقرب للشخصية الحقيقية منها للممثلة ليظل هناك حاجز أيضًا بين ما تقدمه من أداء والجمهور بسبب الإعداد للشخصية بصريًا وتوجيه أدائها الحركى ليكون قريب الشبه من الشخصية الحقيقية وليس ناتجًا عن تفاعل بينلوبى مع الشخصية المكتوبة فى السيناريو، توجيه الممثلين ناحية تقليد الشخصيات الحقيقة هو أمر فى الواقع أضر الفيلم وبشدة وعلى العكس إطلاق بعض المساحة من الحرية لبينلوبى وخافيير وجوليث ريستريبو وبيتر سارسجارد فى الأداء كان سيمنح الشخصيات حيوية فنحن أمام فيلم روائى يحمل رؤية ووجهة نظر تضع بابلو فى منزلة الرجل المحب الرومانسى ذى النزعة القومية الراغبة فى تقدم بلده كولومبيا والمحارب للتدخل الأجنبى ولسنا أمام فيلم وثائقى تتطلب بعض مشاهده أداء تمثيليا يعيد ما حدث تاريخيًا خاصة أنه حتى هذا الاتجاه فى صناعة الفيلم الوثائقى فى طريقة للاندثار.