سليم الهواري يكتب: الله فى خلق المرأة

ركن القراء



المرأة كالدنيا فيها تقلبات الفصول الأربعة، تفيء إليها ذات يوم فتجد الظل..والخضرة.. والعبير..والثمر، وتلجأ إليها في يوم آخر فتراها تعرت عن أوراقها، وجفت فيها الحياة، وتوقف العطاء لا ظل ولا زهر ولا ثمر.

تتداول عليها الأحوال تداول الليل والنهار والربيع والخريف والمطر والجفاف والجدب والنماء!، فإن كنت عشقت الظل والخضرة و العبير والثمر فذلك ليس وجه المرأة، فإن للمرأة كل وجوه الدنيا وهي تشرق وتغرب مثل القمر، وتطلع وتأفل مثل الشمس، وتورق و تذبل مثل الورد، فإن كان ما تنورت به عيناها ذات مساء هو ما عشقت فما عشقت وجهها، بل وجه الله الذي أشرق عليها وعليك ذات مساء.

وحيثما يشرق وجه الله تتنور المظاهر، ويورق الشجر ويتفتح الزهر، ويجود الثمر، ويبتسم الولدان، وتهفو قلوب العشاق إلى من تعلقت به النعمة و تجلى فيه الجود، وساعتها تخطئ أقدامنا العنوان و تخطئ ألسنتنا الاسم الذي تسبح له، و ننسى بارئ النعمة و ننسى أنه لا أنا ولا أنت ولاهي لنا من الأمر شيء.

كل ما حدث أن الله قال بلسان المظاهر ذات مساء في لحظة تجل..أنا موجود..أنا بديع السماوات و الأرض..تتوقف هذه العين عند اللحظة و تتجمد عند القد والخد والخصر والنهد، وتنسى مصدر الجود، فينساها صاحب الفضل ويشيح عنها بوجهه الكريم، فيذيقها الله الهجر، و هي في القرب، ويريها خيبة الأمل و هي في ذروة العمل، ويختم لها بالخذلان، وهي في غفلة الهيمان.

وتلك هي صدمة العشاق التي أفاض فيها الشعراء، وأطالوا، وهي في صميمها لفتة رحمة من الله يوقظ بها الذين أخلدوا الى الأرض، و اتبعوا الأهواء و نسوا المعشوق، والمحبوب و صاحب الفضل، والأصل كل الأصل.. الاسم الجامع لكل الكمالات.

و ذلك هو الأكل من الشجرة، ثم الاهباط بعد الأكل من الشجرة، والنزول من سماوات المعرفة الرحيبة الى سجون اللذات، وزنزانة اللحظات، تلك هي القصة التي تتكرر كل يوم منذ آدم و حواء و كلما اجتمع ابن لآدم وبنت لحواء، تتكرر الخيبة و يتكرر الخذلان، ولا يعتبر عاقل ولاجاهل، والذين أحبوا أوصدموا يعودون الى حب جديد، والى خيبة أمل جديدة، ولا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل، وكل مرة تزداد الغواشي على الحس، ويضيق مجال الرؤية، وتضيق الزنزانة على صاحبها، ويغرق أهل الصبابة في بحر الصبابة.

ولا ينجو من البحر الا من عصم ربك، إنما هو بحر الظمأ الذي يجري بين ذراعي المرأة كلما شرب منه الشارب ازداد ظمأ و كلما عب منه عبا احترق احتراقا.. يظن أنه يرتوي و يبترد.. فلا يبترد أبدا و لا يرتوي أبدا.. ولا يشبع أبدا.. ولا يسكن أبدا، إنما عنده هو السكن،و بين يديه القرار و الاستقرار، صدق أبو العتاهية في قوله "طلبت المستقر بكل أرض فلم أر لي بأرض مستقرافلا مقر لنا في هذه الأرض و لا وطن لنا فيها و انما وطننا في بيت المعاد الذي جئنا منه عند شجرة الخلد حقا و ليس عند شجرة الجوع و الظمأ التي أكل منها آدم و مازلنا نحن أولاده نأكل منها فنزداد جوعا على جوع و لا نعرف شبعا و لا راحة، إنما الحياة بجوعها، وشجرة الأنوثة بربيعها و خريفها، والزهور بتفتحها وذبولها. والشمس بطلوعها وأفولها، كلها رموز تتكلم بلسان الحال، بأنها كلها قصاصات وعينات وعبوات صغيرة تشير الى عالم آخر فيه النماذج المثلى، والكمالات، والأصول لكل هذا الذي نرى أمامنا في صندوق الدنيا.

وكأنما يضع لنا الطاهي قطرة في ملعقة و يقول لنا ذوقوا، والحكيم هو الذي يذوق و يقول الله ما أحلى الطهو يذوق فقط، ولا يفكر في أن يجلس ليأكل لأنه يعلم أن الدنيا مناسبة للتعرف، وعينات للتذوق، وعبورسريع في نفق أرضي من أنفاق المترو فيه صور، ومعروضات، وكل حظ الراكب لفتة هنا، ولفتة هناك، أما الجلوس للأكل والشروع في مباشرة الحياة الحقة فذلك لن يكون الا بعد انتهاء الرحلة و الخروج من النفق الأرضي الى السطح حيث نجد في انتظارنا نعيم الخلد و الجنة التي عرضها السماوات و الأرض و الحياة الجديرة بأن نحياها حقا.. حيث أرض الكمالات و عالم المثل، وذلك حظ من اتقى وفهم وعرف،  وكان بينه وبين الله عمار و صلة وعهد، أما من قطع حبل الاتصال، وعاش حياة الانفصال، ولم يعرف لذة الوصال، وانشغل عن الحقيقة بعالم الأوهام، وتعلقت همته بالصغار، فذلك حظه البقاء في النفق المظلم، ونصيبه البعد والهبوط من نفق مظلم الى نفق آخر أشد اظلاما و لا نهاية.