المستشار جميل سعيد لـ"الفجر": القضاء المصرى غير "مُسيّس".. ولا يتأثر بالرأى العام

العدد الأسبوعي



أكد أن إيمانه بالبراءة هو الشرط الوحيد لقبول الدفاع عن متهم

رفضت الدفاع عن "عز" لتعارض مصالحه مع "رشيد".. ولست "محامى رموز مبارك"

الإعلام مسئول عن "قضية تجارة الأعضاء البشرية".. والقضية لها مسمى قانوني فى أمر الإحالة

زحام محاكم الجنايات بالقضايا سبب تخصيص دوائر لـ"الإرهاب"


تاريخ طويل من المعارك القانونية خاضها المستشار جميل سعيد،51 سنة كاملة، بين أروقة النيابات والمحاكم، بداية من عمله وكيلا للنائب العام، حتى استقر به الحال إلى مهنة المحاماة. ولعل القضايا المهمة التى أوكلت إليه، وحقق فيها نتائج مدهشة، جلعت البعض يلقبه بـ« صائد البراءات»، لذا فكرنا فى إجراء حوار صحفى معه، ليفتح لنا من خلاله، خزائن ذكرياته، عن أهم القضايا التى ترافع فيها، ومعرفة رأيه القانونى فى بعض الأمور التى تعد شائكة، ومعرفة معايير رفض أو قبول مكتبه لأوراق قضية جديدة. ورغم كونه بعيدا عن الإعلام، وافق على لقائنا فى مكتبه الكائن بضاحية الزمالك، لنجرى معه هذا الحوار.


■ بداية.. ما محددات قبولك قضية ورفضك لأخرى؟

- من حق كل متهم أن يكون له محام، ولكل قضية ثلاث قراءات، أولها يخص النيابة العامة، وهى قراءة الاتهام، وثانيها قراءة الدفاع الخاصة بالمحامى، وأخيرًا قراءة الحكم، وتلك تخص القاضى.

وعندما تعرض علينا قضية نبحث عن أوجه الدفاع الموضوعية، بعدما نتأكد من سلامة الشكل القانونى، أما إذا شابه عوار، فالأصل أن الدعوى لا يمكن النظر إليها  أو الفصل فى موضوعها، إذا كان بها عوار قانونى، كل هذه الأمور يفحصها المحامى، والتى تنحصر مثلا بين إذن التفتيش  وقواعد الاختصاص وغيرها.

أما إذا كانت الدعوى سليمة من الناحية القانونية، نبدأ البحث عن الأدلة المطروحة وفقا للقانون، ونطرح وجهة نظر موكلنا ونضيف إليها خبراتنا.


■ هل يؤثر الرأى العام على الحكم فى بعض القضايا؟

- القاضى المصرى لا يبال باسم المتهم، ويحكم فى القضية وفقا للقانون، ولا يؤثر توجه الرأى العام عليه، فى إصدار أحكامه، فالأوراق ونصوص القانون هى المرجعية الوحيدة للقاضى بعد ضميره.

ومسألة أن يحكم الرأى العام على قضية تتطلب أن يكون مؤهلا للحكم ومطلعًا على كافة جوانب القضية، بالإضافة إلى الخبرة القانونية، أما أن يخرج الحكم بناءً على أخبار ومانشيتات الصحف فهذا غير مقبول، وفى النهاية الحكم هو عنوان الحقيقة.


■ ما ردك على وصف عدة قضايا بـ«المُسيّسة»؟

- القضاء المصرى مستقل ونزيه منذ نشأته، لا أحد يملى عليه حكماً، وطوال رحلتى فى ساحة العدالة، التى امتدت لنصف قرن من الزمان، تنقلت خلالها بين أروقة النيابة العامة والقضاء والمحاماة، لم أسمع هذا الوصف إلا مؤخرا.

وبصراحة، لم أعتد على ذلك التصنيف الذى يقسم حقوق الناس إلى «مُسيّس» و«غير مُسيّس»، فالقاضى يحكم طبقاً للورق وما ترسخ لديه من قناعات، بعد دراسة مستوفية لأدق تفاصيل القضية التى ينظرها، ولا يسمح لأحد بالتدخل فى ذلك، ما يعنى أن الحكم يخرج مطابقاً لما نص عليه القانون.


■ يطلق عليك البعض لقب «محامى رموز مبارك».. هل يغضبك ذلك؟

- لا، هذه أوصاف إعلامية، وأنا غير مسئول عنها، وليس لها علاقة بالقانون، والمحكمة برأت أغلب رجال نظام الرئيس الأسبق مبارك، ووجهة نظرى الشخصية، لا يصح أن نطلق ألقابا معينة على القضايا.


■ لماذا قبلت الدولة التصالح مع بعض رجال نظام مبارك ورفضت البعض الآخر؟

- هناك نصوص قانونية تحكم مسألة التصالحات، وجهاز الكسب غير المشروع المعنى بهذا يتكون من مستشارين على أعلى مستوى، ويترأسه مساعد وزير العدل، فإذا انطبقت شروط المصالحة على مقدم طلب التصالح تتم الموافقة، والرفض يعنى عكس ذلك، النصوص القانونية هى الفيصل الوحيد فى هذا الشأن.


■ كيف يحدد جهاز الكسب غير المشروع مبلغ التصالح؟

- القانون حدد التصالح فى محل التحقيق، وحدد النسب التى يحق للمتهم ردها للمحكمة، بالإضافة إلى مبلغ التصالح المتفق عليه، كل تلك المسائل نظمها القانون.


■ إلى أى مدى قد يدفعك تعارض المصالح بين المتهمين لرفض قضية ما؟

- التعارض بين مصالح المتهمين لا يجوز طبقا لقانون المحاماة، إذ لا يتيح للمحامى أن يتحدث بلسانين متناقضين، نحن ندافع عن وجهة نظر معينة لا يجوز أن ندافع عن وجهة النظر المعارضة لها.


■ هل كان هذا سبب رفضك الدفاع عن أحمد عز؟

- بالطبع، كان هذا سبب رفضى الدفاع عن أحمد عز، لتعارض المصالح بين قضيته وقضية رشيد محمد رشيد، خلال الفترة التى توليت فيها مسئولية الدفاع عن الثانى.


■ ما آخر تطورات قضية تجارة الأعضاء البشرية المتورط فيها 40 طبيبا وممرضة؟

- وسائل الإعلام هى من أطلقت على القضية اسم «الاتجار بالأعضاء البشرية»، لكن القضية لها مسمى قانونى آخر فى أمر الإحالة، والدعوى محجوزة للحكم، ما يعنى عدم جواز التعليق عليها إيضاحا أو بيانا، فى تلك المرحلة.


■ هل أثر الضغط الشعبى على الحكم فى قضية خطف الإعلامية ريهام سعيد؟

- المحكمة قضت ببراءة ريهام سعيد، والحكم هو عنوان الحقيقة، ولا نملك سوى احترامه.


■ كيف تعاملت مع قضية «نخنوخ» التى ادعى البعض أنها «مُسيّسة»؟

- عندما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية حرمان القاضى من استعمال المادة «17» تقدمت بالتماس للنائب العام، لإعادة محاكمته مرة أخرى، وبالفعل  تمت البراءة على هذا الأساس، وفيما يخص «التسيّس»، فقد أشرت سابقًا أنه غير صحيح، ولا يمُت للقضاء وأحكامه بصلة.


■ هل انسحبت أثناء دفاعك عن أحد المتهمين؟

- المحامى يمثل الدفاع، ولا يجوز له أن ينسحب، فهو مثل الجندى فى ميدان القتال، يموت ولا ينسحب، أما إذا لم أقتنع ببراءة موكلى منذ البداية فلن أقبل القضية من الأساس.


■ ما أصعب قضية ترافعت فيها خلال تاريخك الطويل بالمحاماة؟

- كل القضايا بالنسبة لى تعامل نفس المعاملة، الجناية مثل الجنحة والمخالفة، طالما قبلت القضية فهى بالنسبة لى أهم قضية.


■ ما رأيك فى تخصيص دوائر لنظر قضايا الإرهاب؟

- تخصيص دوائر للإرهاب مسألة يقدرها ذوو الشأن من وزارة العدل، ووجهة نظرهم تحترم، خاصة إذا عرفنا أن الهدف من هذه الدوائر هو سرعة الفصل فى تلك القضايا.

وهذا يخفف العبء نوعا ما على دوائر الجنايات، التى تنظر الدائرة الواحدة منها نحو 40 جناية  فى الجلسة الواحدة، وهذا عدد كبير جداً، فكيف تنظر هذا العدد من القضايا بالإضافة إلى قضية أو اثنتين متعلقة بالإرهاب، لذا كان تخصيص دوائر للإرهاب أمرًا ملحًا.


■ كيف استقبلت قرارات نقابة المحامين الأخيرة بتنقية جداولها؟  

- تنقية الجداول من صلاحيات النقيب، وهو صاحب وجهة نظر عليا، وأنا داعم لأى إجراء تتخذه النقابة لصالح المحامين.


■ هل تؤيد مقترح زيادة الرسوم القضائية للتصدى للدعاوى الكيدية؟

- لم أسمع من قبل بمقترح قانون زيادة الرسوم القضائية، وإن صح فلن يصدر سوى بعد طرحه أمام مجلس النواب للتصويت عليه، أما إذا اتخذ الشكل القانونى بعد عرضه على مجلس الدولة ومناقشته، فهذا أمر منتهى ولا يجوز التعليق عليه.


■ ما علاج ظاهرة «محامى الشهرة»؟ 

- على المتضرر اللجوء إلى نقابة المحامين، وهى لديها من اللوائح والقوانين الداخلية ما يمنع مثل هذه الظواهر التى تضر بالمهنة ورموزها.


■ لماذا غاب المنافس القوى لسامح عاشور على مقعد النقيب؟

- سامح عاشور هو نقيب المحامين الحالى، وبالتالى يحظى بتقديرى، وعلى من يرغب فى منافسته أن يقدم ما لديه، ليقنع جموع المحامين بأحقيته على مزاحمة «عاشور».


■ هل هناك ضرورة لتشريعات قانونية لسرعة الفصل فى القضايا؟

- قد يلجأ البعض إلى مد أمد التقاضى، لتعطيل سير القضية، والأمر برمته لا يعتمد على سرعة الفصل وإنما على الوصول إلى الحقيقة.  


■ من أساتذتك؟

- أستاذى الأول هو المرحوم المستشار محمود طه زكى، تتلمذت على يديه منذ التحاقى بالنيابة العامة، ثم عملت تحت رئاسة المستشار الراحل أحمد شوقى المليجى، الذى أعتز بأستاذيته كثيرا.

وعندما التحقت بالقضاء بعد فترة خدمتى بالنيابة العامة، استقبلنى معالى المستشار يحيى إسماعيل، الذى كان رئيسا للدائرة التى أعمل بها، وعندما عملت بالمحاماة كان مثلى الأعلى فيها شيخ القضاة والمحامين عبد العزيز باشا فهمى، رحمة الله عليه.


■ ماذا تعلمت منهم؟

- أهم ما تعلمته خلال مشوار عملى، سواء فى النيابة العامة أو القضاء أو المحاماة، هو أن البحث عن الحقيقة والوصول إليها هو الغاية التى يسعى إليها كل من يسير على درب العدالة، على أن يكون ذلك فى إطار عام من الرؤية والتأنى، بغير جور أو قناعات مسبقة.


■ يلقبك البعض بـ«محامى الأثرياء» بسبب ارتفاع قيمة أتعابك.. ما تعليقك؟

- أنا محامى الفقراء قبل الأثرياء، وتشرفت دائما بأن أدافع عن كل من طلب منى أن أتولى مهمة الدفاع عنه، فأنا مؤمن بأن مهمة رجل القانون هى البحث عن العدالة والسعى وراء الحقيقة، ومسألة الأتعاب لا تشغلنى إطلاقاً. 


■ هل يعنى هذا أنك قد تدافع عن برىء رغم عدم قدرته على دفع أتعابك؟

- طبعًا، إذا أتانى هذا الشخص  فلن أتوانى عن الدفاع عنه.


■ هل ترفض أنواعا معينة من القضايا؟

- القضايا لا تصنف، وإنما نقبلها ونرفضها لمحتواها وأدلتها، فإذا ما صادفت أوراقها قناعة المحامى وجب عليه أن يتصدى للدفاع فيها.


■ حدثنا عن أبرز مواقفك مع القضاة داخل المحاكم؟

- القضاة هم رموز العدالة، وعندما نقف أمامهم فإنما نقف أمام من اختاره «العدل» سبحانه وتعالى ليقضى بين الناس، وما علينا سوى التوقير والاحترام  لكل قاض، لصفته ومنصته، والنبى صلوات الله عليه قال: «من أراد أن يرانى فلينظر إلى وجه قاض عادل».

وخلال العمل فى المحاكم نتعرض للعديد من المواقف الطريفة والغريبة، لكنها تمر لأن الغاية ليست الوقوف عليها، وإنما الوصول إلى الحقيقة.


■ هل تباشر القضايا المعروضة عليك أم توكل الصغيرة منها للمحامين العاملين لديك؟

- أباشر كل القضايا بنفسى، ولا يوجد ما يسمى قضية كبيرة وصغيرة.