طارق الشناوي يكتب: "أغانى أم كلثوم العاطفية ورؤية صوفية"

الفجر الفني



قال لى أحد الأصدقاء استمعت السبت إلى تسجيل إذاعى نادر للشاعر الكبير عبد الفتاح مصطفى، وهو صاحب الرصيد الأكبر من الأغنيات الدينية، وعدد لا بأس به أيضا من العاطفية، مثل أغنية أم كلثوم (ليلى ونهارى)، يؤكد الشاعر أنه كتبها مناجاة لله (ليلى ونهارى فكرى بيك مشغول مشغول/ وحياتى لك وحدك ولك على طول)، وهو أيضا ما شعرت به أم كلثوم.

أجبته والمقطع الثانى للأغنية ماذا تقول عنه (ولسه بتصدق حسود وعزول)، هل يليق أن تخاطب الله بتلك الكلمات؟، إنه فى كل الأحوال ليس الشاعر الكبير الوحيد الذى استمعت إليه وهو يعيد تفسير أغانيه العاطفية بقراءة وزاوية صوفية، أتصور أن الدافع الحقيقى أن الإنسان فى مرحلة عمرية متقدمة قد يرى أن الحديث عن الحب لامرأة لا يليق.

لدينا أيضا شاعر كبير اقتربت منه كثيرا، أحمد شفيق كامل، الذى يحلو للبعض على سبيل الاستسهال أن يطلق عليه لقب شاعر «أنت عمرى»، على اعتبار أنها أشهر وأول أغنية وأصبحت معروفة باسم «لقاء السحاب».. لأنها جمعت لأول مرة بين ألحان محمد عبد الوهاب وصوت أم كلثوم، الحقيقة أن «أنت عمرى» كانت فقط الأشهر لأن أشعار شفيق كامل تتنافس فى جمالها مع «أنت عمرى».. وأغنياته الوطنية مثل «السد - قلنا ح نبنى وآدى إحنا بنينا السد العالى» و«مطالب شعب» و«يا نسمة الحرية» و«وطنى حبيبى الوطن الأكبر».. كل هذه الأغنيات وغيرها شهادات تضعه بالفعل فوق السحاب!!.

قبل نحو عشرين عاما استطاع الكاتب الكبير الراحل «خيرى شلبى» أن يقنع «أحمد شفيق كامل» بأن يطبع أغنياته بين دفتى كتاب، وبعد جهد أتصور أنه مضنٍ وافق أحمد شفيق كامل.. شاعرنا الكبير تبلغ رقته وتواضعه حدوداً لا يمكن لأحد أن يتصورها، ومن المؤكد أنه ظل رافضاً الفكرة لإحساسه بأن كلماته لا تستحق أن توثق فى كتاب، رغم أنك بالفعل عندما تستمع إليها تكتشف إلى أى مدى أن الكلمة بعيداً حتى عن النغمة والأداء.. ثرية ومفعمة بكل الأحاسيس (ابتديت دلوقتى بس أحب عمرى /ابتديت دلوقتى أخاف لا العمر يجرى).

تعددت الأشعار التى يبدعها أحمد شفيق فى الحب والهيام، يكفى أن أقول لكم إنه فى «أمل حياتى»، اللقاء الثالث بين عبد الوهاب وأم كلثوم، كتب (أنام وأصحى على شفايفك بتقولى عيش)، أم كلثوم خافت من (شفايفك) طلبت تغييرها حتى لا تُغضب المتشددين، فأصبحت (ابتسامتك)، الغريب إنها عندما اندمجت فى اللحن أعادتها أكثر من مرة (شفايفك). سعدت قطعا بالدراسة التى كتبها خيرى شلبى كمقدمة لكتاب أحمد شفيق كامل (أنت عمرى)، إلا أننى اختلفت معه فى تحليل أغنياته العاطفية، يقول خيرى شلبى: حقيقة الأمر أن أحمد شفيق كامل شاعر صوفى صرف.. وجميع أغنيات الحب التى غنتها أم كلثوم من تأليفه، سواء من تلحين عبد الوهاب أو بليغ حمدى، إنما هى أغنيات عشق صوفية، وما الحبيب فيها سوى الله سبحانه وتعالى.

انتهت كلمات خيرى شلبى وأعدت الاستماع إلى كلمات أغانى شاعرنا وقرأتها عشرات المرات وتأكدت بما لا يدع مجالاً لأى تفسير آخر أنها ليس من الممكن أن تحمل أى معانٍ صوفية، وأجمل ما فى «أنت عمرى» أن شفيق كامل تغزل فى محبوبته (صالحت بيك أيامى سامحت بيك الزمن/ نسيتنى بيك آلامى ونسيت معاك الشجن).

وننتقل الآن إلى عبد الفتاح مصطفى وهو يُكمل فى (ليلى ونهارى) لأم كلثوم، (الهجر أهون من عذابى فى حبك/ ولا أشفوش يوم أندم عليه وأنا جنبك)، هل لا يزال هناك متسع لتفسير الكلمات بأنها مناجاة للذات الإلهية؟!!.

المقال نقلا عن المصري اليوم