من داخل عربة السيدات.. كواليس اللحظات المرعبة بعد انقطاع الشبكة الكهربائية بمترو الشهداء

تقارير وحوارات



الضجيج يعم الأرجاء، فيمينًا ويسارًا يجول البائعين بداخل العربات، لتختلط أصواتهم بعبارات الدعاية المختلفة التي يروجون بها إلى منتجاتهم البسيطة، أما على المقاعد فضحكات السيدات تتخلل أحاديثهن التي يمضي معها الوقت طوال الرحلة، هذه هي محطة مترو الشهداء محتشدة كعادتها، وحوادثها اليومية لا حصر لها، ولكن هذه المرة، كان هناك ما هو أكبر من ازدحام المحطة.

 

فمع انطلاق صافرة وصول عربة المترو الى محطة "الشهداء" منطلقة في مسارها إلى "المرج"، علت أصوات الضجيج، فتحولت إلى صرخات تبحث عن استغاثة، لم يتغلب عليها سوى صوت الأقدام تقفز وتركض هربًا من المحطة، بعدما دوى صوت مفزع أشبه بالانفجار، صاحبه وميض انطلق من المترو الذي يقف في الاتجاه المعاكس، ليظهر واضحًا أمام نوافذ عربات السيدات.

 

هذا المشهد الغير مبرر، خلق سيناريوهات مرعبة في أذهان الركاب، ظلت عالقة في ذاكرتهم لا تغيب تفاصيلها عن ناظرهم حتى بعد أن انطلقت رحلتهم إلى وجهتها بعد السيطرة على الوضع، فبالرغم من أن صوت حركة المترو على القضبان لا يعلوه صوت آخر، إلا أن صرخة موظفة أربعينية، كادت قوتها تحطم نوافذ العربة الزجاجية: "حرام اللي بيحصل في المترو ده أومال نركب إيه وإحنا مروحين".



هذه البداية التي دفعت فتاة عشرينية، لالتقاط أطراف الحديث من السيدة، لتحاول تفسير ما جرى للركاب الجدد: "المنظر كان صعب جدًا.. سمعنا صوت قوي زي انفجار.. حاجة كده شبه البرق والرعد.. حسيناه هيكسر الشباك ويدخل علينا فجرينا كلنا وصوتنا والناس نزلت جري أول ما الباب فتح".

 

وعلى أحد جانبي العربة، اتكآت مسنة، ترغرغت عيناها بالدموع، متأثرة بهول المنظر الذي كانت شاهدة على أحداثه: "بنت قد بناتي وهي نازلة من الخوف بقها اتعور جامد.. ودوها على إسعاف المحطة.. وإحنا مش عارفين نساعد حد بحاجة ولا نتحرك من الخوف وصعوبة الرؤية من الدخان اللي حوالينا".



ولم تكن الفتاة المصابة وحدها الأكثر تضررًا مما حدث، فتروي إحدى الفتيات، إنه مع تكدس الركاب الذين دفعوا بعضهم أمام أبواب المترو للحاق بالهروب من العربة، وقعت العشرات من حالات الإغماء، إلى جانب سقوط العديد من الركاب في جميع العربات رجالًا ونساءًا بعدما عجزت أقدامهم عن السير من هول الحادث.

 

وعن سبب هذا الصوت الذي صاحبه دخان كاد يخنق الركاب بحسب رواياتهم، قال أحد البائعين بالمترو، إن ماس كهربائي نشب في القطار المجاور تسبب في حدوث احتراق بأحد الأجزاء: "بس الحمد لله إن المترو التاني مكانش فيه ناس وكان لسه بيحمل.. والناس اللي واقفة جريت بعيد عنه".



ومع مرور عربة المترو كان الاتجاه المقابل فارغًا، بعدما أحدث الاحتراق الذي وقع، شللًا في حركة العربات التي تنتظر انتهاء عمليات الإصلاح والصيانة في الاتجاه لتخطي الأمر، وهو ما تسبب في تعطيل الركاب ممن وقفوا حاملين تذاكرهم الملونة التي كانت رفيقهم على الرصيف الذي أمضوا فوقه دقائقهم المرهقة بين الشكاوي والتمتمة، والجلوس عليه بعد فقدان الأمل.