الأولى على الثانوية مكفوفين لـ"الفجر": تحديت الظروف التي أفقدتني بصري.. والترجمة حلمي

تقارير وحوارات



"مفيش حاجة صعبة على حد".. بهذا الشعار رسمت طريقًا لها نحو النجاح، فبقدميها دهست على كل الظروف غير المتوقعة التي غيرت مسار حياتها، وبعزيمتها وقوة طموحها تسلحت ضد اليأس، فظهر نصب عينيها وسط الظلام ضوءًا يرشدها نحو مستقبل أفضل، فتمكنت من المضي بثقة تثبت بها أنها لاتزال تملك روحًا حية، لم ينطفئ حماسها رغم الألم.

 

فبين الحماس والقلق؛ قضت ابنة الإسكندرية، منة خميس، صباح اليوم الأربعاء، تنتظر بخوف مكالمة وزير التربية والتعليم، منذ أن علمت أنه سيتصل لتهنئة أوائل الثانوية العامة، لا تدري هل تصدق توقعات أسرتها أم ستخيب ظنونهم: "كل عيلتي كانت متوقعة إني هبقى من الأوائل السنة دي"، حتى جاءها والدها بالبشرى، فور عودته من العمل، ليخبرها أن الوزير اتصل به يهنئه على نجاح ابنته بمجموع "406"، لتصبح بذلك الأولى على الثانوية مكفوفين

 

لاطالما انتظرت "خميس" هذه اللحظة التي تعوضها عن ألم حفر بقلبها، منذ أن فقدت بصرها في حادث مفجع منذ 4 سنوات، فمع دموع الفرح التي انهالت على وجنتيها، كان شريطًا من الذكريات يمر سريعًا أمام عينيها، حينما واجهت في البداية صعوبة التأقلم مع هذا الوضع، خاصة بعد التحاقها بمدرسة للمكفوفين بعيدًا عن أقرانها الذين اعتادت رؤية وجوههم كل صباح.

 

ولكن مع إصرارها على التفوق، لم تتراجع الأولى على الثانوية مكفوفين، عن استكمال دراستها ومواصلة نجاحها الأكاديمي: "وقتها والدي جابلي مدرس برايفت البيت يعلمني طريقة برايل وفي أسبوعين كنت متعودة عليها"، حتى تمكنت منذ عامها الأول بالمدرسة أن تصنف ضمن الأوائل.

 

ومع دخول ماراثون الثانوية العامة، كان خوفًا أكبر يلازم هذه الطالبة النجيبة، خاصة مع مواجهتها للعديد من الصعوبات في التنقل بين منزلها ومراكز الدروس، والتي كانت تستغرق ساعات طويلة من الوقت نظرًا لظروفها: "كنت بضيع وقت كبير كان بيعطلني عن المذاكرة"، وبالرغم من ذلك لم تيأس "منة" التي كان والديها مصدر تشجيعها الرئيسي، خاصة والدتها التي حرصت على مساعدتها في الاستذكار ومشاركتها الساعات الطويلة التي تقضيها في السهر للدراسة.

 

بالرغم من أن منة خميس، تمكنت من حصد المركز الأول على ثانوية المكفوفين، إلا أنها لم تستكمل تحقيق حلمها بعد، حيث تتمنى الالتحاق بأكاديمية المكفوفين المجاورة لمنزلها بمنطقة سيدي بشر، والانضمام إلى تخصص "الترجمة"، لتعويض حلمها المستحيل بالانضمام إلى كلية الألسن، والتي تقع بمحافظة القاهرة: "وأنا حالتي متسمحش أروح هناك.. ومفيش كليات كتير مفتوحة لينا غير تربية وخدمة اجتماعية ومش حباهم".

 

فبين الظلام المحيط بها، ترسم "منة" حلمًا يراودها منذ سنوات بالحصول على المنحة المجانية بالأكاديمية، لتوفر على والدها مصروفات الالتحاق المرتفعة، وتحقق طموحها الذي حاربت أعوامًا للوصول إليه، وهو أن تصبح مترجمة ناجحة.