صدفة غنيم تكتب: هل يحتاج المثقفون بيرة ليبدعوا؟

مقالات الرأي



من البديهي أن يحتاج المثقفون والفنانون لقسط وافر من الهدوء والسكينة لكي يبدعوا، سواء في الكتابة أو الفن بشتى أنواعه، فدائمًا ما ينعزل هولاء غير مكترثين بشيء سوى ما يجول في خاطرهم ليترجم بشكل أدبي أو من خلال رسوماتهم التي يقف الكثير أمامها.

وكما يحتاج الفنان والمثقف لركن خاص داخل منزله أو مكان عمله، ربما تفاجئه فكرته في أى مكان، فربما يجلس أمام مشهد لساعات في الشارع ليوصفه بعناية بالغة، أو تشده إحدى البنايات القديمة فيقف أمامها ويتخيل قصص لما يدور داخلها.

ولأن المثقفون والفنانون عليهم الاندماج في العالم المحيط وقضاء يومهم كغيرهم، من الممكن أن يجلسون تاركين العنان لخيالهم في أحد المقاهي، ولأنهم يبحثون عن الهدوء كعادتهم يعتبر اختيار نوعية المقاهي من أهم أولوياتهم. 

وإذا حاول الفنانون والأدباء الاختيار بين المقاهي، فإن أول الكافيهات التي تقع عليها اختيارتهم هو "كافية ريش"، فهو أحد علامات منطقة وسط البلد، ليس لكونه يعود تأسيسه لعام 1908، ولكنه يتميز بتصميمه المختلف فهو مدار من كل الاتجاهات بالزجاج الذي يظهر للمارة المثقفون والفنانون داخله، كما تتميز واجهته المزينه بأعلام مصر والكتب والرسومات التي تعود لسنوات طوال، بالإضافة إلى أعداد من الصحف التي تزينت أغلفتها بالحديث عن الكافية.

ولكن كما يقال الشكل ليس مقياس، فمجرد الدخول لكافية ريش يصطدم زواره بما هو خلف الزجاج، فصالة المثقفون داخل الكافية لا ينحصر ما بها على الأوراق والأقلام، بل يأتي منظر مغاير تمامًا "بار داخل المقهي" .. نعم بار بكل محتوياته من زجاجات بيرة وكاسات زجاجية متراصة وكأن المشهد داخل فيلم أبيض وأسود على شاشات التليفزيون.

ويقوم العامل بالمقهي بالسير حامًلا زجاجات بيرة "ستيلا" بلونها الأخضر الذي لا يختلف عليه اثنين بل يعرفه الكثيرين، وفي ذات الوقت يرفض دخول صالة البار لغير الراغبين في تناول البيرة، كما يتحكم في وضعيات الجلوس بالصالة الآخرى، ويرفض تقديم المشروبات العادية متحججًا أن وقت الغذاء في الخامسة عصرًا وبعد انتهائه لا يمكن شرب "الشاي" على أقل تقدير إلا في الحادية عشر ونصف مساءً.. ولكن البيرة متاحة للجميع في أى وقت داخل كافية ريش.

والسؤال هنا هل يحتاج المثقفون والفنانون لتناول كاسات من البيرة حتى يخرجوا ابدعاتهم أم أننا نقوم بتلويث كل ما هو جميل، في الوقت الذي يتمنى قاطني الدول المجاروة بمقهى يضم بداخله المثقفين؟!