20 ألف جنيه "تسعيرة الولادة" لمريضات فيروسات الدم

العدد الأسبوعي



المستشفيات الحكومية تطردهن بـ"حجة نقص الإمكانيات"

صفية: "الدكتورة خدت منى 7000 جنيه لأنها سترمى المعدات فى الشارع بعد العملية"


تهرب بعض الأطباء من إجراء عملية الولادة للمصابات بالفيروسات المعدية التى تنتقل عن طريق الدم، خلق «بيزنس» جديداً، يستغل فيه ضعاف النفوس من الأطباء هؤلاء السيدات ماديًا، لكن الغريب، أنه وحتى الآن، لم تتحدد تسعيرة ثابتة لتلك العمليات.

ترددنا على عدد من المستشفيات والعيادات الخاصة، للتحقق من «بيزنس» الأطباء الجديد، وكشف تسعيرة عمليات الولادة، للسيدات المصابات بفيروسات الدم المعدية.

بدأت جولتنا من مستشفى الجزيرة الخاص، الموجود فى منطقة فيصل، وهناك قابلنا الطبيب محمد عز الدين، الذى استقبلنا بحفاوة شديدة عندما أبلغناه بأن سيدة من عائلتنا مريضة بفيروس «التهاب الكبد ب»، وأنها حامل فى الشهر التاسع، ونبحث عن مستشفى يقبل حالتها بعدما اعترض بعض الأطباء على إجراء عملية الولادة لها.

اصطحبنا إلى حجرة مغلقة، وأخبرنا أن المستشفى يقبل مثل تلك الحالات، وطلب أن تجرى السيدة بعض التحاليل والفحوصات، وأن تذهب له فى عيادته الخاصة، الكائنة فى مجمع عيادات كوين بشارع الهرم فى اليوم التالى، حتى يبلغنا بموعد الولادة، التى أكد أنها سوف تكون بالمستشفى.

وعندما سألناه عن تكاليف الولادة، قال إن تكاليف العملية تتراوح بين 15 و20 ألف جنيه، وفسر ضخامة المبلغ بأن العملية خطيرة، بسبب الفيروس الذى ينتقل عن طريق الدم، وأنه سوف يقدم على مخاطرة كبيرة بموافقته على استقبال الحالة وإجراء عملية الولادة لها.

انتقلنا إلى مستشفى الحكمة الخاص الموجود بشارع قصر العينى، وهناك قابلنا أحد الأطباء وسردنا له نفس القصة، ورد علينا بموافقة المستشفى على استقبال حالتها، ولكنه أكد أن سعر العملية سيكون أكثر من سعر الولادة للسيدة السليمة، ما يعنى أن عملية الولادة للحالة الخاصة بنا ستبدأ من 5000 جنيه، موضحا أن التكاليف ليست ثابتة لأن الطبيب وقت العملية سيحتاج لبعض المستلزمات علينا شراءها، وبسؤالنا عن سبب ارتفاع التكاليف قال: «ده وضع طبيعى لأنها مريضة بفيروس ولها وضع خاص».

ومن المستشفيات الخاصة إلى الحكومية استكملنا رحلتنا، وسألنا هناك عن مدى قبول حالة مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة «إيدز»، فكان الرفض هو الإجابة الوحيدة التى نتلقاها، ليس ذلك فحسب، بل إن الطرد كان مصيرنا بمجرد سماع اسم «إيدز»، بداعى أن المستشفى لا يقبل حالات مصابة بهذا الفيروس الخطير.

وفى المستشفيات الحكومية، مثل قصر العينى والدمرداش، برر أطباء الاستقبال رفضهم لنا بأن إمكانيات المستشفى لا تسمح باستقبال تلك الحالات، أما فى العيادات الخاصة، فكان الرفض بداعى أن أوامر وزارة الصحة تمنع إجراء عمليات ولادة لأى سيدة مصابة بفيروس معد، وطبعًا «الإيدز» من ضمن تلك الفيروسات.

«الفجر» التقت عدداً من السيدات المصابات بفيروسات معدية مختلفة، واللائى وقعن فريسة بيزنس الأطباء الجديد، بسبب مرضهن، كانت البداية مع صفية عبدالنعيم، سيدة أربعينية، أم لأسرة صغيرة، تتكون من شاب وطفلة وزوج، مصابة بـ«التهاب الكبد الوبائى ب».

قالت: «وقت حملى فى طفلتى الثانية منذ عامين، كان الأمر فى غاية الخطورة لشدة مرضها، لذا قررت اللجوء لعيادة طبيبة خاصة فى محافظة الجيزة، وأخبرتها بحقيقة مرضى، وتابعت حملى فى عيادتها حتى جاء موعد الولادة، دفعنا 7000 جنيه، لأن الطبيبة لا تمتلك آلية لتعقيم المعدات فى عيادتها الخاصة -مكان إجراء العملية-، وسترمى المعدات اللى ولدتها بها فى الشارع فور الانتهاء منها». لم يكن أمام صفية، حل آخر، فاضطرت إلى قبول طلب الطبيبة، التى ظلت تشرح لها أن مرضها غاية فى الخطور، وأنها تضحى بحياتها من أجل إتمام الولادة لها، مؤكدة: «أنا أرخص دكتورة هتولدك وأنت مريضة بالمرض ده، كلهم هيخافوا منك، واللى مش هيخاف هيقولك العملية بأضعاف السعر بتاعى».

لم تكن صفية السيدة الوحيدة التى وقعت فريسة «سبوبة الولادات»، ففى محافظة البحيرة، استغل مستشفى الصفوة التخصصى بالرحمانية، إصابة حنان أحمد، بالتهاب الكبد الوبائى سى، وساومها على تقديم الخدمة العلاجية لها مقابل أضعاف ثمن الولادة.

وفى العياط، عانت سناء السيد، من نفس الأمر، لأنها مريضة بفيروس خطير فى الدم، ورفض عدد من أطباء العيادات إجراء عملية الولادة لها، وبعد رحلة بحث طويلة تمكنت من إقناع أحد الأطباء بتوليدها مقابل 10 آلاف جنيه فى أحد المستشفيات الخاصة.

وفى أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة الجيزة، استغل أحد الأطباء إصابة عزة «اسم مستعار»، بفيروس نقص المناعة المكتسبة «إيدز»، وأجرى عملية الولادة لها مقابل 20 ألف جنيه، بعدما بحثت كثيرا عن مستشفى ينقذها وينقذ جنينها من الموت المحقق.

بعيون منكسرة تبكى عزة، متذكرة عدد المستشفيات التى ترددت عليها حتى يقبلوا حالتها، قائلة: «كنت مستعدة أدفع 20 ألف جنيه، لأنى ما صدقت لقيت دكتور يوافق يولدنى، وبالفعل أبرمت اتفاقا مع أحد الأطباء، على أن أدفع للمستشفى 5000 جنيه، وأعطيه 15 ألف جنيه، بشرط ألا أبلغ أى شخص غيره بحقيقة مرضى».

وتعقيبا على ذلك، قال رئيس إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، الدكتور على محروس، عن دور الوزارة حال رفض أى مستشفى تقديم الخدمة الطبية لأى مريض: «هاتوا حالة واحدة تثبت الكلام ده»، وعندما روينا له ما تأكد لدينا أوضح: «دى تبقى مخالفة مالية للمستشفى ستعرضها للغلق، قدموا شكوى وهننظر فيها، ولو ثبتت المخالفة هنقفلها».