منال لاشين تكتب: سوق العقارات على صفيح ساخن

مقالات الرأي



من المركزى للحكومة

طارق عامر لمديرى المخاطر: خلوا بالكم من قروض العقارات

دراسة بنكية: شهادات الـ20% لم تذهب للعقارات وارتفاع الأسعار محل شك

رئيس الحكومة يجتمع مع كبار المطورين لإيجاد شقق للطبقة المتوسطة بـ400 ألف جنيه


عندما كنا عشاقا مراهقين عاطفيا كانت الشقة بالنسبة لنا عش العصفورة وبلكونة حبنا، ولكن الواقع شىء آخر.. الشقة أو العقارات محل اهتمام الجميع اقتصاديين ومواطن يبحث عن شقة، ومطورين عقاريين فى ورطة، وبنوك تعانى من شكوك، وحكومة تبحث عن شقة لمواطنيها على قد الإيد.


ولكن الأسبوع الماضى كان أسبوعا مختلفا وساخنا جدا بالنسبة لسوق العقارات فى مصر، والأسئلة كانت أكثر من الأجوبة والشكوك تغطى على الواقع.. الأسبوع الماضى كان أسبوع العقارات بدون شك وبلا أدنى منازع.. من الحكومة للبنك المركزى لمطورى العقارات ورجال الأعمال.. الجميع يبحث عن مستقبل العقار فى مصر والإجابات عن الأسئلة تهم كل مواطن يبحث عن شقة للسكن أو الاستثمار.

كلنا نريد أن نعرف هل ستعانى مصر من فقاعة عقارية؟ وهل أسعار العقارات مرشحة للارتفاع وهل تصدير العقار سينقذ سوق العقارات أم لا؟

وماذا ستفعل الحكومة للطبقة المتوسطة للحصول على شقة على قد الإيد؟


1- المركزى يحذر

الأسبوع الماضى عقد محافظ البنك المركزى طارق عامر اجتماعا على مستوى عال من الأهمية. الاجتماع غير المعلن عنه كان مع مديرى إدارات المخاطر فى كل بنوك مصر.الاجتماع جرى خلاله أحاديث كثيرة من جانب المحافظ بالطبع، ولكن استوقفنى وكل رؤساء البنوك ما قاله طارق عامر لمديرى إدارات المخاطر فى البنوك حول العقارات. قال محافظ البنك المركزى ناصحا ومحذرا: خلو بالكو كويس من قروض العقارات الآن، احنا مش عايزين فقاعة عقارية تؤثر على البنوك ومراكزها وقوتها.

خلال الاجتماع السرى تناول محافظ البنك المركزى بعض الحالات فى التمويل والتطوير العقارى بالاسم. وبدا المحافظ غاضبا حينما قال لمديرى إدارات المخاطر: «عيب لما تروحوا لحد رجال أعمال (سوابق) لسه خارجين من السجن» وكانت هذه الإشارة أقوى ما قاله محافظ البنك المركزى فى الاجتماع.بالطبع ما أن انتهى الاجتماع حتى ارتفعت حرارة كل البنوك وليس إدارات المخاطر بها. الكل يبحث عن تفسير لما قاله طارق عامر، والكل يشعر باضطراب وارتباك داخل البنوك. البعض يرى أن ما قاله طارق يؤدى عمليا إلى وقف تمويل المطورين العقاريين. ويضر أبلغ الضرر بالعاصمة الإدارية الجديدة فى مقتل. وآخرون اعتبروا أن كلام المحافظ طارق عامر يأتى فى إطار النصائح أو وجهات النظر الشخصية، وأن البنوك ملزمة فقط بالتعليمات المكتوبة من محافظ البنك المركزى أو نائبه فقط.

وبعد ازدياد اللغط والمخاوف فى القطاع المصرفى تدخل نائب المحافظ جمال نجم وأدلى بتصريحات صحفية نفى فيها أن المركزى أصدر تعليمات بوقف تمويل التطوير العقارى. كما طمأن النائب نجم المواطنين بأن حجم القروض العقارية لا تتعدى 2% من حجم القروض.

2- دراسات مهمة

بعيدا عن عاصفة اجتماع المحافظ طارق، فإن البنوك أو بالأحرى خبراء العقار فى البنوك الكبرى لديهم تحفظات على سوق المطورين العقاريين فى مصر، أو بالأحرى على تصرفات بعض كبار المطورين العقاريين.. أول اعتراض كان بخصوص مزاعم كبار المطورين أن أموال شهادات الـ20% ستذهب إلى سوق العقارات بعد انتهاء الشهادات. وهو الأمر الذى لم يحدث وخسر الكبار الرهان. المشكلة الأخرى هى مزاعم أو أحلام المطورين العقاريين بأن الأسعار سترتفع بنسبة تتراوح ما بين 30% و35%. وهو الأمر الذى يرفضه خبراء العقارات بالبنوك. وبالنسبة لبعضهم فإن ارتفاع الأسعار يتنافى مع منطق نظرية العرض والطلب، فبعد نقل الهيئات والوزارات الحكومية للعاصمة الإدارية الجديدة سيدخل سوق العقارات العشرات ومئات بل آلاف الأفدنة فى أجمل المواقع بالقاهرة الكبرى.. على النيل وأمام الهرم. ولذلك فإن توقعات ارتفاعات الأسعار غير منطقية ومجرد شائعات يطلقها بعض كبار المطورين لحث المواطنين على سرعة الشراء.

من ناحية أخرى، لاحظ خبراء البنوك بعض التصرفات الخاطئة فى سوق المطورين العقاريين.. البعض يبدأ فى بناء منتجعات جديدة، وذلك على الرغم من عدم تمكنه من بيع معظم وحدات منتجعه الأول الذى بناه، ولذلك ترفض البنوك فى هذه الحالة منحهم قروضا جديدة. وذلك طبقا للقاعدة المصرفية التى أرساها محافظ البنك المركزى السابق والأهم الدكتور فاروق العقدة.

وكان كل من وزير الإسكان السابق المهندس أحمد المغربى ووزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى يقودان اتجاها خطيرا ويؤثر على أموال المودعين أو بالأحرى يهدد بضياع أموال البنوك. وخلال اجتماع ثلاثى ضم العقدة وغالى والمغربى تم التوافق على العمل بالنظام العالمى المتعارف عليه فى التمويل العقارى. وبناء على هذا الاتفاق تعمل البنوك الآن بنفس النظام حتى الآن.فالقرض العقارى تحصل عليه شركة التطوير العقارى وليس المشترى، وعندما تنتهى الشركة من الوحدات أو الشقق وتسلمها للمشترى يتم نقل قرض الشقة إلى المشترى. ولذلك رفضت بعض البنوك الكبرى منح بعض شركات التطوير العقارى قروضا لأنها لم تبع نسبة كبيرة من وحدتها وعليها مديونة بمبالغ كبرى للبنوك. إذن الرفض ليس عاما أو توجها أو تعليمات.


3- فقاعة أم خلل

كان الكاتب البريطانى الساخر برنارد شو يسخر من الرأسمالية بتشبيهها بشعره.فقد كان شو أصلع وذا لحية كثيفة، وذلك كان يقول إن الرأسمالية مثل شعرى غزارة فى الإنتاج وسوء فى التوزيع.

ويمكن بمنتهى السهولة أن ننقل هذا التشبيه العبقرى على سوق المطورين العقاريين..هناك غزارة فى الإنتاج وسوء توزيع بالغ. فالكل يتجه إلى الفيللات والشقق الفاخرة وفوق الفاخرة. وهذا النوع يلبى احتياج الأثرياء. والدولة تأخذ على عاتقها البناء لطبقة محدودى الدخل والفقراء. ووسط وفرة الإسكان الفاخر واستمرار إسكان الفقراء يوجد نقص فادح وفاجر لإسكان الطبقة المتوسطة، ومع وفرة الفيللات والقصور أصبح سوق المطورين العقاريين يشعر بالخوف من المستقبل، خاصة أن مشتريات العرب للفيللات والقصور لم تكن بالغزازة التى توقعها المطورون العقاريون المصريون. وذلك على الرغم من إجراءات عديدة اتخذتها الدولة لمساعدة تصدير العقارات وعلى رأسها منح الإقامة لكل من يشترى عقارا بشروط. ولذلك أصبح لدى أطراف عديدة مصلحة فى إصلاح الخلل فى سوق العقارات.


4- حلم مدبولى

من هنا يمكن تفهم حالة الهرولة لكبار شركات التطوير العقارى لحضور اجتماع مع رئيس الحكومة ووزير الإسكان مصطفى مدبولى مع كبار المطورين العقاريين. وهو الاجتماع الذى انفردت الزميلة جريدة «المال» بنشر تفاصيله.هدف الاجتماع هو دراسة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لتوفير شقق للطبقة المتوسطة. وهذا اتجاه وتصرف محمود من جانب رئيس الحكومة. فعلى الرغم من كثرة المعروض من ناحية ومن وجود مبادرة البنك المركزى للتمويل العقارى من ناحية أخرى التى بدأها محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز. على الرغم من هذا وذاك فإن الطبقة المتوسطة لا تستطيع أن تجد سكنا يناسب إمكانياتها أو أموالها.

وخلال الاجتماع تراوحت أسعار المتر المقترحة من جانب كبار مطورى العقارات فى مصر، ومن وجهة نظر المطور العقارى هشام طلعت مصطفى فإن سعر المتر بالأرض قد يصل إلى 9500 جنيه، المطور العقارى الكبير حسين صبور يرى أن سعر المتر بدون الأرض يصل إلى 4200 جنيه. بينما رأى بعض المطورين أن سعر المتر يصل إلى 7000 آلاف جنيه. ولكن هناك اتفاقا على أهمية مشروع الشراكة لتوفير شقة لمتوسطى الدخل تتراوح مساحتها بحسب هشام طلعت مصطفى من 100 إلى 120 مترا كاملة التشطيب.. وتتوافق مع مبادرة البنك المركزى للتطوير العقارى حتى يستفيد المواطن من هذه المبادرة المهمة للحصول على شقة فى حدود إمكانيات الطبقة المتوسطة. هذا التوجه يصلح الخلل فى سوق العقارات من ناحية والأهم أنه سيوفر فرصة حقيقية للمواطنين من أبناء الطبقة المتوسطة للحصول على شقة. خاصة أن البنك الدولى وفر تمويلا بـ500 مليون دولار لحل أزمة إسكان متوسطى ومحدودى الدخل مع الشراكة مع القطاع الخاص.

ولهذا يجب أن يحرص رئيس الحكومة على مواصلة الاجتماعات مع المطورين العقاريين والوصول إلى تصور واقعى لشقة الطبقة المتوسطة كاملة التشطيب بنحو 100 متر وبسعر لا يتجاوز 400 ألف جنيه وتتوافق مع مبادرة التمويل العقارى للبنك المركزى لأن هذا هو الحل الوحيد لحصول الطبقة المتوسطة على شقة وللخروج من أزمة تكدس القصور والفيللات التى تبحث عن مشتر من ناحية أخرى.