عبدالحفيظ سعد يكتب: الضباط الملتحون فى زمن تجديد الخطاب!

مقالات الرأي



أعاد حكم المحكمة الإدارية العليا بعودة «ضباط الشرطة الملتحين»، لعملهم، الأسبوع الماضى، تلك القضية للنقاش مرة أخرى، خاصة أنها استحوذت على اهتمام الرأى العام منذ أن تفجرت فى مارس 2012، عقب صدور قرار من وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم الدسوقى، بإحالة 18 ضابطا للمحكمة التأديبية، وبعدها صدر قرار بوقفهم على العمل وإحالتهم للتقاعد، وظلت القضية متداولة فى الرأى العام خاصة فى فترة حكم المعزول مرسى، وأيضا فى ساحات القضاء.

وبعيدا عن حكم الإدارية العليا، وكلمة القضاء فى الأمر، وكيف تًحل وزارة الداخلية معضلة تنفيذ الحكم، إلا أن هناك جوانب مهمة فى تلك القضية، وهى «مدنية الدولة»، والعمل على تدعيم الدعوات المستمرة بتجديد الخطاب الدينى، وألا يقتصر ذلك على كلمات المؤتمرات والجلسات الحوارية، بل العمل على وضع هذه القضية موضع التنفيذ الفعلى، وذلك بإحداث تغييرات فى القوانين لتتلاءم مع أية عملية فعلية لتغيير الخطاب الدينى، خاصة أن حكم المحكمة الأخير، استند فى منطوقه وحيثياته إلى أمور شرعية، وأنهم لم يرتكبوا مخالفة للوائح والقوانين، كما جاء فى نصه..!

وحتى لا يتحول الأمر، إلى ادعاء بأن القضية تعد من الحريات الشخصية فى المظهر، علينا أن نعود بأحداثها منذ البداية، وأنها بدأت مع بداية صعود التيار الدينى بقيادة الإخوان عقب ثورة 25 يناير. وقام مجموعة من الضباط، بإطلاق لحاهم، وهو يخالف القواعد الشرطية فى مظهر وزى ضباط الشرطة.

ويظهر من توقيت إثارة القضية قبل 7 سنوات، أنها ارتبطت بعوامل سياسية، وليست مسألة حرية شخصية أو حتى قناعات دينية، خاصة أن أحد الضباط الذى تزعم عملية إطلاق اللحى بين زملائه كان برتبة عقيد، وأمضى فى الخدمة ما يزيد على 18 عاما، وظل طوال سنوات الخدمة غير ملتحى ويلتزم بالقواعد والمظهر الذى حددته وزارة الداخلية.

ولذلك ربط البعض بأن إثارة قضية، قيام بعض من ضباط الشرطة بإطلاق لحاهم بأنه محاولة منهم للركوب على موجة صعود الإخوان للحكم، وأن القضية كانت لأسباب سياسية، سواء الإخوان أو السلفيين، والذى سخروا إمكانياتهم فى تلك الفترة للحشد والضغط على الداخلية من أجل قبول مبدأ حرية إطلاق ضباط الشرطة لحاهم.

ولعل ذلك ما أشار إليه فيما بعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم يوسف فى أحد حواراته التليفزيونية، والذى ذكر فيه أن قضية الضباط الملتحين، كانت أحد الخلافات بينه وبين مرسى وأنه مارس عليه ضغوطا لعودتهم للعمل، كما أن السلفيين نظموا عدة مؤتمرات قبل 30 يونيو بقيادة محمد حسان وأبو إسحق الحوينى، وياسر برهامى، لتدعيم الضباط، فى العودة للعمل، كما شارك عدد من الضباط الملتحين (ليس كلهم) فى اعتصامات رابعة والنهضة، بشكل علنى، ليعبروا بذلك عن توجههم الفكرى وأنهم جزء من أدوات الإخوان.

ولذلك لابد، أن نفصل بين قضية السماح لضباط الشرطة بإطلاق لحاهم، والمعركة الفكرية والسياسية التى تقودها التنظيمات الدينية، فى فرض توجهها على المجتمع، ومحاولة الوقوف فى وجه أى مشروع تنويرى يسعى إلى تبنى فكر الدولة المدنية، ومحاولة القفز على التدين الظاهرى، والذى ظل الإخوان والتنظيمات السلفية يدعمونه، لتحقيق أهدافهم السياسية، وتحويل عدة أمور لصالحهم مثل قضية النقاب وزى المرأة بصفة عامة، فى أن تتحول لذخيرة، ووقود يتم استعمالها فى معاركهم السياسية، خاصة أن المعركة الفكرية مع تلك التنظيمات لم تنته بعد، وهو ما يجعلنا أن نكون جادين فى قضية تجديد الخطاب الدينى، على قاعدة مدنية، يكون عمادها تبنى خطاب الدولة المدنية الحديثة بدون ذلك سيعود هؤلاء، مرة أخرى سواء بوجوه مختلفة أو تنظيمات جديدة، طالما تمكنوا من بث أفكارهم، وعطلوا أى أفكار حقيقية للتجديد.