ربيع جودة يكتب: عروسة من المكسيك

ركن القراء



في مباراة السويد والمكسيك.. لا يدري لماذا ساقته الأقدار إلى ملعب المباراة..  وقد خرج منتخبه البائس يتصبب عرقاً..  لكنه لا يريد أن يرجع الي بلده يحمل كل هذا الحزن. فقرر البقاء لفترة..  يحضر بعض المباريات..  وكانت منها تلك المباراة التي بدأت لتوها .. وعلا ضجيجها .. وهو جالس في مقعده.   لا يحمل علماً..  لا يرسم وشماً .. لا يقفز فرحاً.. لم تعلو أنفاسه لتحية العلم..  ولم تدمع عيناه يترقب الأمل  .. فقط يجلس صامتاً في مكانه..  حتي رأي ما رأي.. تلك الفتاة التي تشبه الجنة..  تقاسم ذرات الثلج بياضه .. حتي إذا تساقط علي أكتافها مهزوماً .  سال يتكفأ خجلاً..  تذوب أوصاله من حرارة اللذة.. أما هي فلا تبالي..  ترقص فيتبدد الألم..  وتصيح فكأنما تغرد.. وفي هذه اللحظة بدا له حلم جديد..  يفوق بالنسبة له حلم الكأس التي ضاعت.. فلم يطفئ عينه عنها..  وينعزل عن الكون إلا منها.. ويُفَصّـل  حركاتها..  كأن عيناه عدسات تصوير عالية الدقة.. وكأي مصري يمتلك الحيلة ولا يكترث لنظرة الغير.   دافع الجميع ليقترب منها .. واختطف لنفسه علماً من أحد مجانين الكرة.   

وصاح يشجع في حماس مكسيكو مكسيكو.. وبادره الجميع بالصياح والتشجيع..  حتي دنا منها..  فنظرت إليه بضحكة .. جعلت صوته ينخفض.. ولسانه يخطئ النطق في كلمة مكسيكو .. وكأي مصري منحوس أيضا ..  يحرز السويد هدف في مرمي المكسيك..  فتجلس الفتاة مصدومة..  شاردة..  وسكت الجميع من حوله.. لكنه أعاد فيهم الأمل وهو مستمر في  صياحه..  مكسيكو مكسيكو .. لكن الفريق تلقي الهدف الثاني..  لم تستطع الفتاة التحمل فسقطت مغشياً عليها .. ليحملها الفتيان الي سيارة الإسعاف.. ومعهم المصري صاحب الشهامة.. الي أن دخلت إحدى المستشفيات.. وقاموا باللازم نحوها..  حتي أفاقوها لتجده أمامها.. ينظر إليها بكل جوارحه فيراها ملكة حين تغمض.. وحورية حين تقوم.. مدت يديها لتحتضنه.. فقام يتوهج قلبه..  وتجحظ عينه.. حتي إذا هم بها..  فإذا بفتي آخر كان بالجوار..  يقترب منها ليحتضنها برفق..  ويخاطبها برفق..  ويتمعن في عينيها برفق..  فأعاد اليها نضرتها.. وأعادت إليه الحياة..  فقام المصري يجر أذياله..  فكيف لهذه الدرة ألا يحملها ثري.. ترك العلم فلم تعد المكسيك بلده.. وسار يندب حظه.. ليجد زوجته عند باب الغرفة تصيح في وجهة..  انتا هتفضل ليل نهار مشغل التلفزيون ده.. خلاص مش خرجنا.. والفرق العربيه كلها خرجت.. هنفضل في الوش ده كتير.

التفت إليها مفزوعاً .. تحزم شعرها كحزمة الجرجير ..  وتحمل طفلها كحامل العرق سوس.. ثم نظر الي شاشة التلفزيون ليجد المكسيكية الشقراء يفوح عطرها من روسيا الي مصر ..  فأدرك بعد المسافات.. وجم الاختلافات  .. ولم يعد يألمه الخروج من البطولة.. وقد علم أن الاحلام وحدها لا تكفي سوي العاجزين.