تفسير الشعراوي للآية 161 من سورة الأنعام

إسلاميات



{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161)}.

و(ديناً قيماً) أي تقوم عليه مسائل الحياة، وهو قائم بها، و(قيماً) مأخوذة من (القيمة) أو من (القيام) على الأمر، وقام على الأمر أي باشره مباشرة من يصلحه، كذلك جاء الدين ليصلح للناس حركة حياتهم بأن أعطاهم القيم، وهو قائم عليهم أيضاً: {دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}.

وفي كل أمر مهم له خطره ومنزلته يأتي لنا الحق بلمحة من سيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام، لأنه صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه فيه القدر المشترك الذي يجمع كفار مكة، وأهل الكتاب الذين يتمحكون فيه، فقالت اليهود: إبراهيم كان يهوديًّا، وقالت النصارى: إن إبراهيم كان نصرانيًّا، وربنا يقول لهم ولنا: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً...} [آل عمران: 67].

واليهودية والنصرانية جاءتا من بعده. أما بالنسبة للجماعة الأخرى ففي بيئتهم، وكل حركات حياتهم، وتجاربهم ونفعهم من آثار إبراهيم عليه السلام ما هو ظاهر وواضح. يقول الحق: {رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ...} [إبراهيم: 37].

فسيدنا إبراهيم هو الذي رفع القواعد من البيت الحرام، وهو الذي عمل لهم مهابة جعلت تجاربهم تذهب إلى الشمال وإلى الجنوب ولا يتعرض لها أحد، وجاءت لهم بالرزق الوفير. وحين يقول الحق: {دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} [الأنعام: 161].

المقصود هو الدين الذي تعيشون في كنف خيرات آثاره، و(الحنف) هو اعوجاج في القدم. وبطبيعة الحال لم يكن دين إبراهيم مائلاً عن الحق والصواب بل هو مائل عن الانحراف دائم الاستقامة. ونعرف أن الرسل إنما يجيئون عند طغيان الانحراف، فإذا جاء إبراهيم مائلاً عن المنحرف؛ فهو معتدل.

ويقول الحق بعد ذلك: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي...}.