طارق أبوزينب يكتب: تحرير "الحديدة" بداية الهزيمة الإيرانية

ركن القراء



أول ما يقوله تحرير ميناء الحديدة هو ان على إيران البدء بتعديل خطابها الفوقي عن سقوط اربع عواصم عربية. فالتحرير الذهبي لمطار الحديدة ومينائها على طريق تحرير المدينة بأكملها يعني ان زمن الهيمنة الفارسية بدأ خساراته القاسية؟، وان الأمن القومي العربي ليسس مادة تفاوضية ، ولا هو من "البازارات" الإيرانية بشيء.

"النصر الذهبي " وبكل ما تعني الكلمة من معنى لكون العملية العسكرية راعت كل مندرجات القانون الدولي لجهة تحييد المدنيين وخوض عملية التحرير بأفق سياسي تنموي إنساني كان هدفه عدم الدخول على أرض محروقة، انما الحفاظ على الميناء كشريان حيوي واساسي يمد اليمن العربي بكل مقومات الغذاء والطبابة ، هذا النصر كشف ان " أهل الحزم " لم يكونوا ـ ولن يكونوا ـ بصدد أي مناورة في شأن هزيمة المشروع الإيراني الممتد من صنعاء حتى بيروت مرورا ببغداد ودمشق ، وان اختلفت الظروف والمعايير بحسب كل دولة ووقائعها السياسية والاستراتيجية.

كل الهذر والهذيان السياسيين عن ان ميناء الحديدة لن يُستعاد سقط بعملية عسكرية أظهرت حرفية جيوش التحالف العربي خصوصاً السعودي والإماراتي . لقد نسي الإيرانيون وعصابتهم أنّ ميناء عدن كان في يد الحوثيين أيضا، كذلك ميناء المخا  الذي يتحكّم بمضيق باب المندب. الآن استعيدت الموانىء الثلاثة واهمها الحديدة الذي يعد متنفساً حقيقياً لميليشيا الحوثي الإيرانية. هكذا لم يعد أمام إيران إلا الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي بعد خسران منفذ أساسي.

لقد استغلت ميليشيات الحوثي منذ العام 2014 هذا الميناء الذي كانت تمر عبره المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة والجمعيات الإنسانية للشعب اليمني وتمت السيطرة عليه لحرمان الشعب اليمني منها وبيعها بالسوق السوداء، واستغلال هذه العمليات لتهريب الأسلحة من إيران التي لا تصدق ان زمن الامبراطوريات ما عاد موجوداً إلا بكتب التاريخ ومكتبات الأرشيف. بهذا المعنى فان التحرير قد منع من الآن وصاعداً تهريب الأسلحة ، ولم يعد تهديد الملاحة الدولية أمراً وارداً كما من قبل.

ما حصل ليس عادياً بالمعنى السياسي والاستراتيجي، كما هو ليس عادياً بمعايير الاحتراف العسكري . فتحرير الميناء بعد المطار وصولا إلى استعادة المدينة هو الضربة القاصمة لإيران واستثماراتها الوحشية بالدماء اليمنية . الآن ثلثا الشاطئ الغربي بيد الشرعية وتحت مظلة عربية آمنة وقوية بهوية حضارية حداثوية يصيغها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الاماراتي الشيخ محمد بن زايد. وهما نموذجان لعروبة متنورة تسعى الى الرقي بشعوبهم بحضارة وإنسانية. 

هكذا، فان تحرير الحديدة يعد تطوراً استراتيجياً مهماً للشرعية والتحالف العربي، وخاصة أنّ الحوثيين يعتمدون على الميناء بشكل أساسي في تهريب السلاح، ونجاح هذه العملية سيغير من شكل ومن طبيعة المعركة القادمة وسيجبرهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي. فالميناء بالنسبة لإيران يشكل متنفساً مهماً، إذ من خلاله يتم تهريب أسلحة نوعية مثل الصواريخ والقوارب المفخخة، وزراعة الألغام في البحر. ولا شك أن تحرير الحديدة هو تحول استراتيجي مهم ويعكس مدى قدرة واحترافية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وهذا التحرير سيفقد إيران أهم أوراقها التفاوضية. ومن الناحية الإنسانية فإن نجاح هذه العملية سيوفر جسراً جوياً عاجلاً لإغاثة اليمنيين في الحديدة وهي ثاني أكبر محافظة من حيث الكثافة السكانية بعد تعز.

عملياً،  فانه بعد السيطرة على المطار ومن ثم الميناء ، فقد تم القضاء على حلقة الوصل الأهم بين الحوثيين والإيرانيين. إذاً، فإن الميليشيات الموالية لإيران أمام مفترق طرق: إما الاستسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات أو الدخول في مرحلة بداية النهاية لهم ولجمهورية هستيريا الاحلام القومية" واعني الفارسية على وجه التحديد.

صار لزاماً على اليمنيين الذين خرجوا على أهلهم وهويتهم الوطنية مراجعة الخسائر التي تسببوا بها لأنفسهم ولابناء شعبهم . لقد ضاقت الفرص . وخير مثال يكمن بقراءة ما حصل منذ خمسة أيام ، إذ تريثت القوات المشتركة في هجومها في محاولة منها لإعطاء فرصة لمندوب الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث الذي وصل إلى صنعاء السبت الماضي لإقناع الحوثيين تسليم المدينة والميناء للشرعية، رغم أن مهمته كانت محكومة بالفشل المسبق بعد أن نعتها الميليشيات قبل وصوله إلى العاصمة. وكل متابع كان يعرف مسبقاً ان إفشال مهمة غريفيث ليس بأمر مستغرب على الميليشيات الموالية لإيران، فهي دأبت منذ اجتياح اليمن عام 2014 على ضرب وإسقاط كافة المبادرات السياسية.

ما اثبته "النصر الذهبي" هذا من جهوزية القوات المشتركة وإصرارها على استكمال العمليات لاستعادة اليمن بوصفه دولة عربية تشكل امتداداً حيوياً واساسياً للأمن القومي العربي ولحرية الملاحة والتجارة الدولية يعني ان العد العكسي لكل المخيلات الإيرانية بدأ.

والسؤال: هل فهم الحوثيون الرسالة؟ وهل سيتخذون خيار العودة الى كنف الشرعية اليمنية والعربية تجنباً للانهيار الكبير والخسارة المدوية؟ الإجابة رهن بمآلات ترجمة النصر العسكري وقائعاً سياسية واستراتيجية بالتوازي مع إغاثة اليمنيين . ولا مخرج للحوثيين من مربع الهزيمة إلا بالعودة غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات للتوصل لحل سلمي، بناء على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2216.

لقد قُطع شريان طهران في اليمن ، وهذه بداية الهزيمة الإيرانية.