تفسير الشعراوي للآية 143 من سورة الأنعام

إسلاميات



{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(143)}.

وكلمة {أَزْوَاجٍ}، جمع زوج، و(الزوج) يطلق على الشيء معه ما يقارنه مثل (زوج النعل)، ونحن في أعرافنا نأخذها على الاثنين، لكنها في الأصل تطلق على الواحد ومعه ما يقارنه، إلا أنه إذا لم يكن هناك فارق بين الاثنين بحيث لا يتم الانتفاع بأحدهما إلا مع الآخر ولكن لا تميز لأحدهما على الآخر كالجورب مثلا، ففي مثل هذا نستسمح اللغة في أن نسمي الاثنين زوجا، لكن إذا كان هناك خلاف بين الاثنين لا نقول على الاثنين: زوج.

والذكر والأنثى من البشر، صحيح أنهما يقترنان في أن كل واحد منهما إنسان، لكن للذكر مهمة وللأنثى مهمة مختلفة. أما الجوارب فكل (فردة) منها نضعها في أي قدم لأنه فارق بينهما، إذن كلمة (زوج) تطلق ويراد بها الشيء الواحد الذي معه ما يقارنه. والحق يقول: {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة...} [البقرة: 35].

وكلمة (زوج) هنا أطلقت على حواء؛ فآدم زوج وحواء زوج، والحق هو القائل: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى} [النجم: 45].

ولم يقل عن الاثنين: إنهما (زوج) وإلا لقال: خلق الزوج الذكر والأنثى. إذن فكلمة (زوج) تطلق على واحد معه ما يقارنه، مثلها كمثل كلمة (توأم) وهي لا تقال للاثنين، بل تقال لواحد معه آخر. لكن الاثنين يقال لهما: توأمان. {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين} [الأنعام: 143].

و(من الضأن اثنين) أي ذكرها وأنثاها فتسمى الذكر كبشا والأنثى (نعجة). ومن المعز اثنين، والذكر نسميه (تيساً)، والأنثى نسميها (عنزة)، وبذلك يكون معنا أربعة، ومن هنا نفهم أن الزوج مدلوله فرد ومعه ما يقارنه.

{... قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: 143].

ومادمتم أنتم تحرمون وتحللون، وتقولون: إن هذا من عند الله فقولوا لنا أحرّم الذكرين أم حرّم الأنثيين؟ ولا يجدون جواباً؛ لأنه سبحانه لا حرّم هذا ولا حرّم ذاك، ولذلك أبرزت المسألة إبراز الاستفهام، والشيء إذا أبرز الاستفهام فمعناه أنه أمر مقرر بحيث إذا سألت الخصم لا يقول إلا ما تتوقعه، واسمه السؤال أو الاستفهام التقريري. ويقول الحق: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي أخبروني بعلم ذلك في التحريم إن كنتم أهل صدق؛ لأنكم لستم أهلاً للتحريم، إنما يحرم ويحلل من خلق وشرع. فإن كان عندكم علم قولوا لنا هذا العلم.

ثم يأتي الحق بخبر الأربعة الباقية من الأنعام فيقول: {وَمِنَ الإبل اثنين...}.