الجامع القلعة.. هو الأقدم في مصر ومقر أول مدرسة طب (صور)

صور



تحفة معمارية، ونموذج فريد في تاريخ العمارة الإسلامية بمصر، وهو المسجد الذي يجمع في صفاته بين القلاع الحربية، ودور العبادة، بتصميم يجمع بين البساطة والإبداع وفلسفة الزخارف التجريدية.


ولد أحمد بن طولون وترعرع بمدينة سامراء بالعراق، وهي المدينة التي فيها نشأت بدايات الفنون الإسلامية، حيث يعتبر طراز سامراء الأول هو المرجعية والأصل في أغلب الزخارف الإسلامية على مر العصور.


درس ابن طولون الفقه والحديث بعد حفظ القرآن، توفي والده، وتزوجت أمه من باكباك، وكان هو الأمير على مصر من قبل الخليفة العباسي أبو عبد الله المُعتز بالله.


أناب باكباك عنه أحمد بن طولون في ولاية الفسطاط، واستطاع بسياساته الحكيمة توسيع نفوذه ليشمل مصر كلها، ثم استقل بها عن الخلافة العباسية مكوناً دولة جديدة بزعامته حكمت مصر من 254 -  292هـ، وهي المعروفة في التاريخ الإسلامي بالدولة الطولونية. 


ابن طولون أول من استقل بمصر:


يقول الدكتور محمد حمزة الحداد أستاذ الآثار الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الآثار جامعة القاهرة، إن أحمد ابن طولون بعد أن استقل بِمصر عن الدولة العباسية، قرر أن يتوسَّع، فأّسس ضاحية جديدة تُسمى "القطائع"، على مساحة ميل مربع، وسميت بالقطائع لأنها قسمت بين طوائف الناس لكل طائفة قطيعة، أي مكان للسكن. 


من أقدم المساجد الإسلامية في مصر:

 

ويضيف الحداد أن جامع أحمد بن طولون يعد من أقدم مساجد مصر الإسلامية، وقد أوكل في بناؤه على أرجح الروايات المهندس أحمد بمن محمد الحاسب، وهو نفس المهندس الذي بنى مقياس النيل، حيث طلب منه أحمد بن طولون أن يبني له مسجدًا لا يحترق ولا تغرقه مياه الفيضان، فاختار له مكانًا مرتفعًا للبناء، وجعل مادة البناء الخاصة به هي الآجر أو الطوب المحروق، فاتخذت جدران جامع ابن طولون سمة الجدران الحربية.


وجامع أحمد بن طولون -إن لم تكن تعرفه- هو المسجد المطبوعة صورته على العملة المصرية فئة الخمسة جنيهات، ويشير الحداد إلى أن جامع ابن طولون يعد ثالث أقدم مساجد مصر، والذي لم يطرأ عليه الكثير من التغييرات في تصميماته، اللهم إلا بعض الإضافات التي تمت عليه، والمسجدين الأقدم منه هما جامع عمرو بن العاص والذي تغيرت معالمه كليا، وجامع العسكر الذي زال مع زوال مدينة العسكر.


جامع ابن طولون نموذجًا معماريًا فريدًا:


يقول الدكتور محمد حمزة الحداد إن جامع ابن طولون يعد من النماذج المعمارية الفريدة، لأنه يعتبر بدايات الفن المصري الإسلامي، فالجامع يضم خليطًا بين الطراز المعماري والزخرفي العراقي أو السامرائي نسبة إلى سامراء، وبين الطراز المصري الزخرفي والفني.


ويشير الحداد إلى أن مئذنة المسجد وهي الشهيرة بالمئذنة الملوية والتي يلتف عليها سلمها من الخارج، وهي طراز معماري عراقي، شبيه بما كانت عليه مئذنة مسجد سامراء.


كما أضاف أن الزخارف بالمسجد تحمل ثلاثة تأثيرات، تأثير عباسي عراقي، وتأثيرات مصري وتأثير أندلسي، والتأثيرات العباسية والمصرية من الفنانين والصناع المصريين والذين تأثروا بالفن العباسي القادم من العراق، مع بن طولون من موطنه.


أما التأثير الأندلسي ففي تجديدات السلطان حسام الدين لاجين للمسجد اشترك فيها فنانين أندلسيين.


كما أن جامع أحمد بن طولون يحوي طرازًا نادرًا من العقود، وهو العقد المخموس أو العقد الستيني، والذي يعتبر من أقدم نماذج العقود المخموسة في مصر، والعقد هو التكوين المعماري الموجود أعلى عمودين لحمل السقف وله عدة أشكال منها شكل المخموس وشكل حدوة الفرس.


ابن طولون وشهر رمضان :


يقول الدكتور محمد حمزة الحداد، أن جامع ابن طولون ضخم التخطيط، وتكلف الكثير من الأموال إلا أن المصادر لم تكن تحدده على وجه الدقة، وكان الكثير من العمال مشتركين في العمل بالمسجد حيث استغرقهم العمل عدة سنوات، وكان ابن طولون أول من أمر بصرف العمال بعد صلاة العصر في رمضان، حتى يتمكن كل عامل من الإفطار بصحبة آل بيته.


شرافات ابن طولون:


يقول الدكتور محمد حمزة الحداد أن الشرافات المسننة التي تعلو جدران جامع أحمد بن طولون هي عبارة عن رموز تعبيرية تجريدية عن استواء صفوف المصلين خلف الإمام في الصلوات الجامعة.


وهذه الشرافات ترجمة للحديث النبوي الشريف المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وجاء شكل هذه الشرافات تجريديًا وغير مجسمًا ترجمة للحركة الفكرية السائدة في هذا الوقت، حيث شاعت فلسفة علم الكلام، والحديث عن تحريم التصوير، فتحايل الفنان على ذلك بهذه الأشكال التجريدية التي تعبر عن فكرته.


المسجد في العصر الأيوبي:


لم يشهد المسجد تجديدات في العصر الأيوبي، -والكلام لدكتور محمد حمزة الحداد- بل إن وظيفته تعطلت، حيث أصبح مقرًا للمغاربة، وكان فيه يتم صناعة الأحزمة المغربية وبيعها.


أول مدرسة للطب:


يقول الدكتور محمد حمزة الحداد أن أحد أكبر التجديدات على جامع أحمد بن طولون هي تجديدات السلطان حسام الدين لاجين، حيث جدد عمارته وزخارفه، وجدد الفوارة في منتصف الصحن، وجعل له منبر من الخشب، وألحق به سبيل لازال موجودًا إلى الآن في الزيادة الجنوبية للمسجد. 


وأوقف حسام الدين لاجين على المسجد أوقافًا كثيرة، ورتب فيه مدرسة للطب، درس فيها 10 طلاب، أوقف عليهم الأوقاف أيضًا من أراضي وعقارات.


وسبب تجديد حسام الدين لاجين للمسجد، أنه اتخذه مكانًا للاختباء وللهرب من أعدائه من أمراء المماليك، فنذر لله تعالى إن هو نجا من هذا الموقف، فالسوف يقوم بتجديد المسجد.


ويضيف الدكتور محمد حمزة الحداد، أن المسجد كان ملحق به صيدلية، أو خزانه للأشربة، ولازال موقعها موجودًا في الزياة البحرية بجانب المئذنة، كما أمر بصناعة ساعة فيه.


وبعد تجديدات حسام الدين لاجين لم يمس المسجد، حتى التجديدات التي أجريت عليه في عهد أسرة محمد علي، والملك فاروق، وتجديدات لجنة حفظ الآثار العربية، والمسجد الآن في حالة سيئة من الحفظ، والإهمال ضارب في جوانبه.


تخطيط المسجد: 


يتبع جامع أحمد بن طولون في تخطيطه المساجد الجامعة التقليدية المكونة من صحن وأربع مظلات، أعمقها ظلة القبلة.


ولجامع أحمد بن طولون مئذنة هي الأندر على مستوى العالم حيث لا شبيهة لها سوى مئذنة مسجد سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض 40.44 م، ومساحة مسجد أحمد بن طولون 6,5 فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً.