د. حماد عبد الله يكتب: القرار الصعب (العودة)!!

مقالات الرأي



كان لقرار عودتى من ( روما ) إلى ( القاهرة ) ، قرار فى غاية الأهمية ، حيث بعد زيارة الرئيس "السادات" ومقابلته فى إجتماع المبعوثين المصريين فى ( قصر الكورينالى ) بروما ، فعل السحر فى نفسى ، وكان كلام الرئيس لنا ، باعثاً للوطنية ، وإحياء لفكرة أهمية مشاركة المصريين جميعاً فى بناء الدولة ، بعد أن إستطعنا أن نسترد الكرامة المصرية ، وأيضاً أمل فى إستكمال إسترداد بقية الأرض المغتصبة ، كما أن معنوياتنا بعد الزيارة الرئاسية ، كانت فى السماء ، فالصحف الإيطالية ، تتحدث عن الزيارة ، وكذلك الأحزاب السياسية الإيطالية، سواء ( الديمقراطي المسيحي ) أو ( الشيوعى ) أو ( الإشتراكى ) ، توحدوا جميعاً فى بياناتهم أن "مصر" تستحق الوقوف معها ، وأن تسترد عافيتها ، وكانت المساهمات الحكومية الإيطالية للحكومة المصرية على صفحات الجرائد ، تبشر بالخير ، وكذلك المؤسسات المدنية الإيطالية ، وسرعة إعلانها عن مساهماتهم للإستثمار فى "مصر" ، كل ذلك كان منعكساً على الصحافة الإيطالية ، وهو ماجائنا فى الصحف المصرية التى كانت تصل إلى روما فى ( محطة القطار الرئيسية ) حيث تباع جرائدنا ضمن الجرائد الدولية والإيطالية ، وأيضاً كان لظهورى إعلامياً ، بعد حديثى إلى السيد الرئيس فى كلمتى "كرئيس إتحاد المبعوثين" ، حيث ركزت وسائل الإعلام على كلماتى ( والجرئه ) التى تحدثت بها وإستجابة الرئيس فوراً بأن صرح بأن "مصر والمصريون" " الشعب هو مركز القوة الوحيد الذى نعمل من أجله " " ولن أسمح لمسئول فى الخارج بأن يسىء إلى كرامة المبعوثين !!

وأن أى الرئيس "السادات" يسعى لجلب العقول المصرية" من الخارج للمساعدة فى بناء الوطن ورفع أثار العدوان، وأشار الرئيس إلى أن الجامعات المصرية فى أشد الإحتياج لفكر الشباب المصرى الذى نال تعليمه العالى فى الخارج ، لنقل النهضة ، والتكنولوجيا كل تلك التصريحات ، كانت بمثابة الدافع القوى لكى أتخذ قراراً بالعودة .

وعارض فى ذلك القرار صديق عمرى الدكتور "سعيد الوتيرى" ، وكان أيضاً فى هذا الوقت ( شريكى ) فى العمل وأيضاً "زميلى فى الجامعة فى روما" حيث كنا نعمل (كأساتذة مساعدون ) ، وكانت أسرة "سعيد الوتيرى" قد ترسخت قواعدها ، حيث تزوج من السيدة ( أنا جراتسيا ) ، وكانت فى هذا الوقت ( حامل ) فى طفلتهم الأولى ( سارة الوتيرى ) ، وأصبحنا فى موقف لا نُحَسْد عليه ، "قرارى بالعودة وقراره بالإستمرار"!! ، وكان لزوجتى رأياً مسانداً لى حيث أيدت عودتنا ، والبدء فى مشوارنا فى مصر ، وأن من يستطيع أن ينجح فى الغربة ، يستطيع أن ينجح فى بلده !!

وكانت إستشارتى الأخيرة لهذا القرار ( صديقى الكبير ) ( عم وجية أباظة ) والذى أبلغنى بأن "كل الوعود التى قدمت كلها فى روما" ،لن تتحقق!! ، وأن قرار العودة لا يجب أن يستند على الوعود الرئاسية !!، ولم أصدق الرجل ، لعلمى ، بعمق الخلاف بينه وبين المرحوم "الرئيس السادات" ومع ذلك ، أتخذت القرار ، وأعددت العدة للعودة ، بأن سجلت كل أمتعتى فى إستمارات طبقاً لقواعد العائدين من البعثات ، وإعتمدت تلك الإستثمارات فى السفارة المصرية ، وكذلك سيارتى ، وأقام لى أصدقائى وزملائى ، حفلاً عاطفياً مؤثراً للغاية ، ليلة سفرنا ، عن طريق البحر ، حيث حملت ( الكونتينر)  على شركة نقل ، وأخذت زوجتى وإبنتى وسيارتى إلى ميناء ( برينديزى ) بجنوب إيطاليا ، وعلى الباخرة المصرية ( الجزائر ) متوجهين إلى الإسكندرية ، وكانت هذه الرحلة إيضاً ، رحلة العودة ، هى رحلة إلى المجهول !!وللحديث بقية .