النص الكامل لعظة البابا تواضروس في قداس اليوبيل الذهبي لتجلي العذراء

أقباط وكنائس



اختتم اليوبيل الذهبى لتجلى السيدة العذراء مريم، على قباب كنيستها بالزيتون، منذ قليل، بالقداس الذى ترأسه البابا تواضروس الثانى، بطريرك الكرازة المرقسية.

وألقى البابا تواضروس عظة جاء فيها:

المسيح قام بالحقيقة قام باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.

فى هذا الصباح المبارك ونحن فى هذه الكنيسة المقدسة تلك البقعة التى شهدت تجلى أمنا العذراء القديسة مريم منذ 50 عامًا ونحن نفرح بهذه الأفراح الكثيرة ويشترك معنا العديد من الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان.

يفرحون معنا هنا فى مصر وفى كل العالم فرحين بهذا التذكار المبارك الذى بارك شعبنا وبارك أرضنا وبارك حياتنا بوجود أمنا العذراء الشفيعة المؤتمنة لفخر جنسنا لنا جميعًا.

هذا الأحد هو الأحد الخامس فى الخماسين المقدسة والمعروف فى كنيستنا بأحد "الطريق" فبعد أحد القيامة يأتى أحد "توما" الذى نسميه أحد الإيمان ثم تبدأ الرحلة السماوية الأحد الثانى "أحد المسيح خبز الحياة" والأحد الثالت "أحد المسيح ماء الحياة" وفى الأحد الرابع الماضى "أحد المسيح نور الحياة" وأخيرًا أحد اليوم "المسيح هو الطريق".

والسيد المسيح فى الأنجيل الذى استمعنا اليه منذ قليل يتحدث مع تلاميذه عن الطريق، وقال ليعرفنا من هو "أنا هو الطريق والحق والحياة".

وهذه ليست أوصاف بل وصف واحد للحياة مع السيد المسيح والمقصود بالحياة الحياة السماوية والحياة الأبدية، السيد المسيح هو الطريق وعندما يقول الطريق فهى كلمة معرفة أى لا يوجد طريق آخر غيره للخلاص فهو الذى صلب على الصليب من أجلنا ومن أجل كل البشر وهو الذى فدانا بدمه الثمين وقدم نفسه ذبيحة دائمة ومستمرة وفاعلة في الزمن إلى المجىء الثانى، هو الطريق الذى من خلاله نعرف طريقنا نحو السماء والإنسان يا أحبائى ليس كائنًا أرضيًا بل إنسانًا، خلق ليكون له نصيب فى السماء فالإنسان يولد فى الأرض من تراب وإلى تراب يمضى.

ولكن أنت أيها الحبيب ولدت الولادة الثانية من الماء والروح وذلك فى باكورة حياتك وصارت حياتك من الماء والروح مفتوحة أمامك وصار لك إمكانية أن يكون مكانك فى السماء.

كما قال إنجيل هذا الصباح "فى بيت أبى مواضع كثيرة" وكلمة كثيرة يعنى لا تحصى والمسيح يعد لنا أماكن فى السماء ولكن الأهم أن تحفظ مكانك السماوى وأن تمضى فى حياتك لكى ما تحفظ نصيبك والمكان أعده المسيح لك وجهادك الروحى أن تمضى بالطريق وعلى الطريق وهو ليس أى طريق بل الطريق الحقيقى.

والسيد المسيح كان يبدأ بالحق وهى كانت تطلق على الله، ظل الإنسان عصور وعصور ينتظر أن تظهر الحقيقة فبدأنا فى العهد الجديد الذى يؤهلنا إلى ملكوت السموات وهذا الطريق الحقيقى هو الطريق الذى يؤدى إلى الحياة الأبدية الجديدة لذلك نحن نضع الصليب أمامنا على الدوام ونحن نعلم أنه الطريق الحقيقى للحياة الأبدية.

وإذا كنا فى احتفالات هذه الأيام مع ذكرى تجلى أمنا العذراء فأحد ثمار هذا التجلى أنها تشوق قلوبنا إلى السماء، فالعذراء ظهرت وتجلت لملايين من البشر لأيام كثيرة والهدف الرئيسى من هذا التجلى أن نرفع أعينننا إلى السماء ولا نضعها فى الأرض، فاحتفالنا بتجلى أمنا العذراء إنما يؤكد أن الطريق الحقيقى للحياة نحو السماء وزى ما شوفنا فى الصور والأفلام كل الناس رافعة راسها لفوق تنتظر ظهور أم النور ونحو السماء نرفع ونشتاق لها.

أمنا العذراء ظهرت لكي ما تلهب قلوبنا بهذه الشهوة، شهوة الحنين إلى الأبدية وليست مجرد حدث تاريخى، ولكن أمنا ظهرت لترفع قلوبنا للسماء نحو الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح وتعلمون أن الطريق ليس سهل.

والعبارة فى أوشية المرضى تقول: "يا رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين، عزاء صغيرى القلوب، ميناء الذين فى العاصف" وهنا أربع فئات من الناس تحتاج إلى الطريق الحقيقى:

الفئة الأولى: رجاء من ليس له رجاء:

واحد عايش ليس لديه أمل "مفيش فايدة" أنت تحتاج إلى الطريق.

أيها الإنسان الذى لا تجد أملًا فى حياتك ولا يوجد لك رجاء ترجى المسيح دائمًا لأن لك رجاء، خلى عندك أمل بالنجاح وجود الرجاء هو وجود قوة فى حياة الإنسان وإن كنت فاقدًا للرجاء فأعلم أن طريقك هو المسيح ورجاء لمن ليس له رجاء.

الفئة الثانية: معين من ليس له معين:

الإنسان الضعيف اللى يقول مش قادر ومش عارف وهنا يأتى المسيح الطريق الذى هو معين من ليس له رجاء وهو يقدم لنا المعونة وهو معين يرافق الإنسان ويساعده ويقويه وبولس الرسول قال "أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى" والإنسان قدراته محدودة لكن أن بولس الرسول يقول هذه الجملة: "أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى" كان يقصد الطريق يا معين من ليس له معين.

الفئة الثالثة: عزاء صغيرى القلوب:

والإنسان صغير القلب يعانى من الضعف النفسى فى داخله ويشعر إنه قليل فى أى مجتمع كأنه لا يملك أى موهبة، وصغر القلب يعنى أنه عديم القوة والمهارة، ويأتى المسيح ليشجعه وإن كنت مع المسيح أنت مع الأغلبية ولكن إن كنت مع الناس فأنت مع الأقلية مهما كان عدد الناس كثيرون، ولكن المسيح هو الطريق لذلك ستجد عزاءً فى الكتاب المقدس حين تقرأ فيه ونحفظ كلماته وتتكلم مما فيه تجد عزاء وراحة بال.

مهما كانت حياة الإنسان تأتى فترات يشعر الإنسان وكأنه بمفرده وكأنه تائه ويأتى المسيح لكى يكون ميناء للذين فى العاصف، والمسيح هو الأمان مهما كثرت المضايقات وكل ما يشبه هذا يذهب المسيح على قدميه ويشعر أنه وصل للميناء ويعود للطريق الحقيقى للحياة.

هذه يا أخوتى أربعة نماذج من البشر، ناس "ليس لها رجاء، وليس لهم معين، صغيرى القلوب وآخرون فى العاصف".

ولكن المسيح هو الطريق الحقيقى للحياة.

إننا فى هذا الصباح المبارك ونحن نحتفل بهذه الاحتفالية الخالدة ومرور 50 سنة ظهرت أمنا العذراء في وقت صعب، كانت فيه مصر فى العاصف، لكن الله لا يتركنا فى العاصف، وفى حبرية القديس البابا كيرلس تأتى النعم ويأتى الطريق ويأتى الميناء التى تحفظ الإنسان سالمًا، وترجع إلى مصر رفات القديس مار مرقس بعد مرور ألف وتسع مئة سنة على استشهاد هذا القديس العظيم وتظهر أمنا العذراء وينتشر هذا الظهور وتنتشر أخباره وتنتشر في مصر وفي نفس العام افتتاح الكاتدرائية لأكبر كنيسة وأكبر الكراسى الرسولية، وتتوالى النعم، كل هذه النعم أحيت نفوس المصريين وظهرت تقوى وتشجع النفوس حتى لو كانت نكسة ولكن فى سنة 73 رفعت رؤوسنا مرة أخرى وظهرت الكنيسة الشاهدة.

نحن نشكر الله على هذه النعم ونرفع قلوبنا بالشكر والتسبيح لأنه أعطانا كل هذه البركات ويعطينا أن تمتلئ قلوبنا بالإيمان ونحن نعيش فى كنيسة لها عمر وقوية وتحيا بوجود المسيح والأسرار المقدسة وبركات القديسين.

وها نحن نأتى اليوم نفرح ونتعزى ونتقوى ونتشجع ونستند إلى تاريخ قوى لظهور أمنا العذراء.

نحتفل أيضًا أن البابا كيرلس السادس هو قديس عظيم ،ونحن لا نعيش بمفردنا لكن السماء تشاركنا بكل قديسيها والسماء فرحه كما فى الأرض الآن، وأحسب الآن يا أخوتى أمنا الطاهرة العذراء مريم تفرح بتطويبها.

ونفرح بقداسة البابا كيرلس هذه كل أفراح لتدوم فى قلوبنا إن شعرت بضعف أو عدم رجاء تذكر تجلي أمنا، ويد المسيح الممدودة على الصليب.

بشكر كل الآباء الحضور وكل الذين تعبوا فى إقامة هذا الحفل وبشكر نيافة الأنبا يؤانس ومشاركة الشعب، وأولادنا الصغار احكوا معاهم ووضحوا لهم حقائق روحية للظهور.

ليبارك الرب كل من تعب إكرامًا لأمنا العذراء مريم ولتفرح كنيسة الظهور بالأجيال التى عاشت وها نحن نتسلم هذه الوديعة ليبارك المسيح الجميع ويعطينا أن نمجده، هو الطريق والحق والحياة ليباركنا جميعًا وتحل علينا نعمة إلى الأبد أمين.