عادل حمودة يكتب: عودة عصافير الجنس الحمراء إلى فراش الجواسيس

مقالات الرأي



حرب المخابرات الروسية ضد البيت الأبيض تفرض نفسها على شاشة السينما الأمريكية

ملفات اغتيال عبد الناصر تكشف عن محاولات للتخلص منه بالسم وغاز الأعصاب وقاتل ألمانى محترف وماكينة حلاقة محشوة بالمتفجرات

وكالة المخابرات المركزية أنقذت قائمة عملائها فى الشرق الأوسط من قانون كشف الوثائق.. فمعظمهم لا يزال فى الخدمة حتى الآن


سقطت كل الكرنفالات السياسية التى تلبس فيها الكلمات ثيابا تنكرية وكشفت كل الملفات المخابراتية التى أخفيت طويلا تحت طاولات السرية.

استردت الأجهزة الخفية سلطتها الشرسة وميزانياتها الضخمة وحروبها الخبيثة للسيطرة على كل ما تقدر من مساحة على خريطة العالم.

والأسوأ أنها فوضت من حكام بلادها بالعودة إلى أساليبها القذرة باستخدام الجنس فى التجسس لفضح الخصم أو استخدم السم لقتله أو التسلل لنقاط الضعف لابتزازه.

فى عام 1975 حققت لجنة فى الكونجرس حملت اسم السيناتور تشرش فى العمليات القذرة التى نفذتها (أو شجعتها أو ساندتها) وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) خلال نحو ثلاثين سنة مضت للتخلص من خصومها قتلا أو انقلابا وكان على رأسهم جمال عبد الناصر.

وبحكم القوانين التى تنظم المنع والنشر لم يخرج تقرير اللجنة إلى العلن إلا مؤخرا ولكنه لم يكشف كل الحقيقة واحتفظت الوكالة لنفسها بكثير من أسرارها رغم قدمها.

بدأت المخابرات البريطانية (أم آى 6) المشوار بأمر من أنتونى إيدن: اقتلوه بأى ثمن.

كان إيدن آخر رئيس حكومة استعمارية فى بلاده ولم يكن ليقدر على كتمان كراهيته المرضية للزعيم المصرى الشاب الصاعد ومات مقهورا لأنه لم ينل منه.

فكروا فى تسريب غاز الأعصاب عبر نظام التهوية فى أحد مقار عبد الناصر ولكن إيدن ألغى الخطة بعد أن تقرر غزو مصر فى حرب السويس عام 1956 بمشاركة فرنسا وإسرائيل فيما عرف بـ«العدوان الثلاثى».

واعتمدت خطة أخرى على تجنيد ضباط معادين للانقلاب على الحكم ولكنها انهارت بعدما عجزوا عن الحصول على السلاح المناسب للسيطرة على القيادة.

وفى عام 1956 استؤجر مرتزق ألمانى لقتل عبد الناصر ولكن السلطات المصرية تلقت اتصالا من مجهول يحذرها منه فغادر القاتل المحترف القاهرة سرا فى هدوء.

وكانت أمنيتهم العثور على شخص يدس له سم الستريكنين فى علبة شيكولاتة أو فنجان قهوة.

فى ذلك الوقت تسترت المخابرات البريطانية وراء الوكالة العربية للأنباء التى كانت فى حقيقتها شبكة تجسس محترفة ضمت صحفيين ورجال أعمال وأساتذة جامعات وأنصار الملكية وامتد نشاطها إلى دول أخرى فى الشرق الأوسط.

ولكن المخابرات المصرية نجحت فى كشفها ووجد فى حوزة مديرها دين جيمس سوينبورن معلومات عسكرية عن تنظيم الجيش ونقل الدبابات الروسية ومنظومة الدفاع عن المدن الساحلية بجانب اتصالات مع جماعات دينية بغية التحريض على أعمال شغب واستثارة تدخل عسكرى خارجى لحماية الأجانب.

وإثر تعيين محمود خليل مديرا لمخابرات السلاح الجوى فى عام 1953 سعت المخابرات البريطانية لتجنيده باتصال قام به حسين خيرى النائب السابق للمخابرات العسكرية قبل ثورة يوليو ليتفاهم معه فيما بعد ضابط (أم آى 6) جون فارمر الذى سلمه 100 ألف أسترلينى دفعة أولى.

لم تستهدف الخطة قلب نظام الحكم فقط وإنما اغتيال عبد الناصر أيضا بخطة سميت الفك وتقضى بإعطاء عبد الناصر ماكينة حلاقة من نوع ريمينجتون محملة بالمتفجرات البلاستيكية التى تفجر بمجرد تشغيل الآلة.

سلمت ماكينة الحلاقة إلى محمود خليل فى أكتوبر 1957 ومعها 166 ألف إسترلينى ولكن كل ما دفع من أموال تبرع به عبد الناصر لترميم البيوت التى تهدمت فى حرب السويس بعد أن كشف أن محمود خليل كان عميلا مزدوجا.

احتل عبد الناصر أكثر من 230 صفحة فى تقرير تشرش حجب منها نحو ثمانين صفحة تضمنت المحاولات الأمريكية للتخلص منه بدعوى أن نشرها سيكشف عملاء للمخابرات الأمريكية لايزالون نشطين فى المنطقة العربية.

ولكن الأهم فى تقرير تشرش أن الكونجرس منذ 43 سنة حرم على وكالة المخابرات المركزية تمويل العمليات السرية القذرة ومنعها من استخدام الجنس تماما.

وبصعوبة سعت الوكالة لتنفيذ ذلك الأمر الصادر إليها من أعلى سلطة تشريعية فى الولايات المتحدة وإن تحايلت على ذلك فى كثير من الأحيان دون أن تتعرض للمساءلة.

بسقوط الاتحاد السوفيتى وتفكك جهاز مخابراته الشرس (كى بى جى) انتهت الحرب الباردة، وبينما انشغل عملاء المخابرات الأمريكية بملف التطرف الإسلامى لم يجد نظراؤهم الروس أمامهم سوى وضع خبراتهم الأمنية فى خدمة المافيا الصاعدة فى بلادهم لمساعدتها فى حماية شبكات الدعارة وتهريب المخدرات وبيع ما يتوافر من المعلومات النووية لدول أخرى منها إيران.

ولكن ذلك لم يستمر طويلا فما أن وصل فيلاديمير بوتين إلى الكرملين حتى استرد جهاز المخابرات التى خدم فيه من قبل سلطاته وبسعيه الدؤوب إلى استعادة مجد الإمبراطورية الحمراء اشتعلت مرة أخرى الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة ومن جديد وجد الجواسيس أنفسهم فى موقع الصدارة دون أن يترددوا فى استخدام الجنس والقتل فى عملياتهم السرية.

كشفت هذه الحرب عن نفسها بوضوح فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة حين سهلت المخابرات الروسية اختراق البريد الإلكترونى للمرشحة الديمقراطية المخضرمة هيلارى كلينتون مما ضاعف فرصة فوز منافسها الجمهورى دونالد ترامب على غير ما توقعت أكثر الاتجاهات تفاؤلا.

وراحت المباحث الفيدرالية الأمريكية (اف بى آى) تحقق فى مدى تورط ترامب مع الروس بما يهدد استمراره فى البيت الأبيض وقبل أن تنتهى التحقيقات تساقط بالاستقالة أو الإقالة مسئولون كبار فى إدارة الرئيس.

وفى الوقت نفسه تسربت معلومات تؤكد أن ترامب عاشر فى زيارة لموسكو فتيات ليل دفعت بهن المخابرات الروسية إلى فراشه وخرج من يؤكد أن لا رجل واحدا فى العالم يمكن أن يقاوم إغراء الروسيات مما يثبت أن الجنس عاد ليلعب دوره فى أعمال الأجهزة الخفية.

وكالعادة سبقت هوليوود باقى المؤسسات الأمريكية فى الكشف عن حرب الجواسيس بين واشنطن وموسكو بفيلم يتفجر إثارة وواقعية اختارت العصفور الأحمر عنوانا له ستتبعه بالتأكيد أفلام أخرى مشابهة لدعم الحرب الباردة الجديدة ونفخ النار فيها.

الفيلم يروى قصة راقصة باليه شهيرة تفقد نجوميتها فى البولشوى بعد سقوطها على المسرح ويجدها عمها فرصة لتجنيدها فى جهاز المخابرات الذى يلعب دورا قياديا فيه خشية أن تجد نفسها هى وأمها المشلولة نفسيهما فى الشارع وتبدأ عمليتها الأولى باستدراج أحد الكبار المنشقين عن النظام بإغوائه جنسيا بينما هناك من يقتله خنقا فى أفخم فنادق موسكو.

تدخل دومينكا أجوروفا (الممثلة جنيفر لورنس) مدرسة المخابرات التى يطلق عليها المدرسة الوطنية الرابعة للتدريب على كل ما هو غير أخلاقى بما فى ذلك الجنس بدعوى أن جسمها ملك للدولة ولا يحق لها الاعتراض على انتهاكه وهو ما يفجر فى داخلها طاقات مذهلة صنعت منها جاسوسة محترفة بعد أن أصبحت واحدة من العصافير الحمراء التى لا تخجل مما تفعل مهما كان سيئا.

تكلف بالسفر إلى المجر للإيقاع بضابط مخابرات أمريكى هرب من موسكو بعد أن كشف نفسه حماية لمصدره الذى عليها معرفة اسمه.

ولم يكن من الصعب على الضابط الأمريكى (الممثل جويل اجيرتون) أن يكشف مهمتها وبدأ معا اللعب على المكشوف وإن لم يمنع ذلك أنهما شعرا بهوى الحب يتسلل إليهما وهو أخطر فيروس يمكن أن يصيب الجواسيس المتصارعين فى ميادين العمليات السرية القاتلة.

يحاول مدير محطة المخابرات الروسية فى المجر استغلالها جنسيا لكنها ترفض فدخلا معا فى صراع داخلى انتهت بإحراجه بعد أن هدد بإعادتها إلى موسكو بدعوى فشل مهمتها.

تقرر دومينكا العمل مع المخابرات الأمريكية وكشفت لها عن عميلة للمخابرات الروسية تشغل منصبا مؤثرا فى البيت الأبيض ستحصل على مبلغ كبير من المال مقابل سيديهات عليها خطط الدفاع الأخيرة للبنتاجون ولكن دومينكا تستبدل السيديهات الحقيقية بأخرى وهمية لتنتهى العملية بالقبض على المسئولة الأمريكية الخائنة وفى الوقت نفسه يقبض على دومينكا وترحل إلى موسكو للتحقيق معها بتهمة كشف عميلتها الأمريكية والتورط مع المخابرات المركزية.

تنال ما لا يمكن تخيله أو تحمله من تعذيب لكنها لم تستسلم ولم تعترف وإن تعهدت بالكشف عن اسم الجاسوس الروسى الذى جندته المخابرات الأمريكية وتحرص بكل قوتها على حمايته، ولكن دومينكا قبل السفر تفاجأ بجنرال كبير يتولى منصبا مؤثرا فى قيادة الجيش والمخابرات الروسية يعترف لها بأنه الجاسوس المطلوب معرفته، مؤكدا أن الإبلاغ عنه سوف يؤدى إلى تصعيدها إلى رئاسة جهاز المخابرات ولكنها كانت قد دبرت إلصاق تلك التهمة بعمها واصطنعت من الأدلة ما يدينه.

أرادت الانتقام من عمها الذى دفع بها إلى الحرفة الخطرة التى هددت إنسانيتها بالاستهتار إلى حد استعدادها لارتكاب زنى المحارم مع عمها نفسه.

وكما صعد عمها على حسابها صعدت هى الأخرى على جثته فقد قتله جهازه فى صفقة تبادل جواسيس ليشير الفيلم ببراعة فنية غير مباشرة إلى أن الروس يقتلون رجالهم بينما الأمريكيون يفعلون المستحيل للحفاظ عليهم وهو ما يدلل على أن المخابرات الأمريكية دست أنفها فى الفيلم ولا يستبعد أن تكون وراء إنتاجه، فالسينما كانت دائما فى مقدمة أسلحة الحرب الباردة.

والأخطر أن الفيلم يؤكد للمشاهد أن كبار قادة أجهزة المخابرات السوفيتية هم عملاء نشيطون فى المخابرات الأمريكية فقد أبقت دومينكا على اسم قائدها الجاسوس الذى كان الروس يبحثون عنه وأكثر من ذلك أصبحت هى أيضا جاسوسة ضد بلادها بعد أن نجحت فى الوصول إلى رأس جهازها.

وليس صحيحا أن غرامها بضابط المخابرات الأمريكية السبب ولكن السبب هو كراهيتها للنظام الذى حطم نجوميتها فى الباليه وهدد بإلقاء أمها المشلولة فى ملجأ عجزة قذر تشارك فيه الفئران والصراصير النزلاء طعامهم وفراشهم بجانب تجريدها من براءتها بتوريطها فى جريمة قتل واحتقار جسدها بإباحتها لمن تؤمر بممارسة الجنس معه بلا تمييز.

لقد فقدت كرامتها ففقدت وطنها وكرهت نفسها فباعت بلدها.