طارق أبوزينب يكتب: اذا سألتني هبة قواص: أي نوع موسيقى تحب؟ قلت ضحكتك
لا يوجد لقاءات عبثية في الحياة، كل انسان تصادفه، هو إما اختبار أو عقوبة أو هدية من السماء، فكيف عندما تشاء الاقدار، أن تلتقي بأنثى من أهم أصوات هذا الجيل، نعم، شاء القدر أن أتعرف على "هبة قواص"، فوطننا العربي يضم العديد من الفنانين الملتزمين الذين كرسوا مسيرتهم الفنية من أجل الاضاءة على قضايا الأرض والوطن والحب، "الفنانة هبة"، لم تقتصر مسيرتها فقط على الغناء، بل، أيضاً هي مؤلفة موسيقى ومغنية في الأوبرا، وهذا، قد كنت في لقائي معها في مسقط رأسها، مدينة صيدا الجنوبية، تعرفت أكثر وبشكل أعمق عن مواهبها المتعددة.
من خلال تحدثي اليها، تبدو حالة فارقة بالقياس إلى جميع سابقاتها من الفنانات، وهذا، اذا دل على شيء، يدل، انها وضعت إصبعها على عمق غير متجانس، لأنها تعتبر التجانس موجود فقط بين العبيد وليس الأحرار، ومادمت هي حرة، يعني صوتها حرّ، فالأحرار غير متجانسين، وما تميزت فيه هو اختلافها عن الآخرين، كما أنها، تؤمن بقواعد أساسية وسليمة، تنطلق منها وتحدد خلالها مسيرة حياتها، بالنسبة لي، شعرت إيماننية حول مدى ايمانها بتحرر الاوطان وايضاً الشعوب من التخلف والجهل والتعصب الديني والطائفي، شعرت ايضاً، بأنها فنانة ملتزمة صاحبة رسالة سامية تحب السلام والحريّة، وتدعم القضايا العربية بالصوت والفكر، الذي لا يتوقف عن البحث دائماً عن معالم الإنسانية، كيف لا، وهي التى تحمل فِي قلبها كل هذا الرقي والإحساس العاليين، اللذين تبلوروا في رسالة ساميه، فجتمعوا بأسطورة اسمها "هبة قواص".
تناولنا معاً فنجان القهوة، وبصراحة، القهوة مع "هبة" تختلف عن جميع الفناجين التى تناولتها في حياتي، تخلله نقاش عن الطفولة والفن والحب وعن هموم المجتمعات العربية وايضاً عند طموحاتها التى لا تعرف نهاية، واخيراً ، ودعتها عندما ارادت شد الرحال إلى منزلها في بيت مري ، لاحقاً بدأت أبحث أكثر عن شخصية "هبة قواص"، بهدف معرفة بداياتها وكيف تدرجت في مراحلها، لانها بالفعل ، تركت عندي تساءلات سواء كانت اخلاقية او فنية، اهم تساءل، قد كنت تساءلته، فكيف لصدفة تستطيع ترك نسمه تنعش قلب اصابته حرارة الصيف، نعم "هبة قواص" هي النسمة واللحظة الآزفة التى حولت السؤال الي مساءلة.
عززت "هبة" عندي بأن الفن رسالة من الرسائل الأساسية في أي بناء مجتمع حضاري إنساني، فهو يتجسد بصوت وروح و مشاعر "هبة قواص"، صوتها وإحساسها يدلل عن حجم الإنسانية والجمال ما في داخلها وعن ما تحمل من مسؤولية للقضايا الناس وهمومهم وتطلعاتهم وآمالهم لمستقبل مشرق.
"هبة قواص"، قيمة حقيقية للفن المعاصر وهي تجسد بفنه، خلاصة الفنان العربي ، الملتزم بمسؤولياته وواجبه في التغيير، الذي لا يتخلى عن عمقه العربي والأخلاقي والروحاني الصوفي بقدر ما يتتطلع عن كل ما هو جديد، متزن وصافي ويبتعد عن إفرازات الواقع الحقيقي لمشروع العولمة الجارفة التي زعزعت الكثير من المفاهيم، المسيئه والمؤذية للروح البشرية وعلى الأخص للفن.