السادات أسعده موات "روزاليوسف" ومبارك أحزنه ما جرى لها فطالب بإحيائها.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (17)

العدد الأسبوعي



فى لحظة واحدة أبلغنى صلاح حافظ باختيارى لتحرير المجلة وأنه مصاب بسرطان الحنجرة

تردد محمود التهامى سنة كاملة حتى وافق على تفويضى مسئولية التحرير

راهنت على جيل جديد تربع فيما بعد على قمة الميديا الصحفية والتليفزيونية وأصبح من أبرز نجومها

ضاعفت سعر المجلة أكثر من مرة فلم ينخفض توزيعها فالقارئ لا يهمه ما يدفع وإنما يهمه ما يقرأ

خفضت عمولة شركة التوزيع ورفعت بها مكافآت المحررين ما أتاح لهم الزواج وشراء شقق وسيارات والحصول على بدلات سفر أعلى


فى تلك الليلة من ليالى شهر رمضان (عام 1991) لم أكن أتصور أن حدثا انقلابيا على وشك أن يبدأ فى حياتى الصحفية والغريب أننى رحت أقاومه بكل ما أملك من عناد فما نتصوره شرا ربما يكون خيرا وما نتصوره خيرا ربما يكون شرا إنها الحكمة الإيمانية الصوفية التى تسير الدنيا رغم أنف البشر ولا يملك سرها إلا من منحه الله القدرة على كشف الغيب.

كنت أنا وصلاح حافظ قد انتهينا من دعوة إفطار فى بيت جمانة ياسين التى تولت رئاسة تحرير مجلة الشرقية بعد رحيل والدتها سميرة خاشقجى ووقفنا أمام بيتها فى أحد شوارع الزمالك ندخن بعد صيام يوم طويل ونتحدث على غير العادة فى عرض الطريق.

بهدوء وكلمات متأنية ضغط صلاح حافظ على حروفها صدمنى بقنبلة فجرها دون مقدمات فى وجهى:

أنا عندى سرطان.

لم أصدق ما سمعت فقد كان صلاح حافظ يبدو دائما أصغر من سنه وليس فى رأسه شعرة بيضاء ولا فى وجهه تجعيدة عابرة ونصفه دائما بالتلميذ الخالد ويحسده الكبار على ذلك.

لكنه المرض اللعين الذى تسلل إلى جسده النحيل من بوابة الحنجرة بعد أن واجهت ملايين السجائر التى دخنها على مدى خمسين سنة على الأقل.

وراح بخبرته الطبية وموهبته المتفردة فى التكييف يشرح أعراض المرض وتطوره وكأن المصاب به شخص آخر غيره فلا تأثر ظاهرًا ولا انفعال واضحًا.. ما هذا الرجل؟

وعندما سألته عن السبب أخذ نفسا عميقا من سيجارته سيلك كات قائلا: قطعا السيجارة الصديق الخائن والقاتل الذى نستمتع بصحبته رغم أننا نعرف أن نهايتنا على يديه.

ودون أن يترك لى فرصة لمزيد من الأسئلة توسع من مساحة الكلام عن مرضه انتقل حسب تعبيره إلى ما هو أهم وجاء بما عنده دون تردد.

كان صلاح حافظ ولويس جريس ومحمود التهامى ينتظرون مبارك فى جناح «روزاليوسف» بمعرض الكتاب لكنه عندما دخل عليهم وشاهد مطبوعات الدار لم تظهر ملامحه استحسانا وفى الليل فوجئ صلاح حافظ كما سمعت منه بالدكتور أسامة الباز يبلغه رسالة غير متوقعة قائلا:

بصراحة الرئيس حزين على «روزاليوسف» ويشعر بانصراف الناس عنها وفقد تأثيرها وهو يقول لك شوف لها حل.. نحن فى حاجة إلى مجلة سياسية تفتح عقول الشباب وتنظفها من هباب الإرهاب ولا يرى سوى «روزاليوسف» تقدر على هذه المهمة ولكن ليس بوضعها الحالى.

ومن جديد طالب صلاح حافظ بأن يشوف لها حل.

سبحان الله السادات كان سعيدا بضعفها وانزوائها ومبارك حزين لنفس السبب.. لا أحد يتنبأ بمزاج الحكام.. إنهم قد يحبون ويكرهون الشىء نفسه.

كان توزيع المجلة قد هبط إلى رقم متواضع وجربت هيئة تحريرها العديد من الأساليب لنجاحها لكن لا شىء تغير.

إن الكتابة موهبة يولد بها الإنسان وعليه تنميتها وصقلها ولكن صناعة الصحف حرفة تحتاج إلى تدريب تحت يد أسطوات محترفين يملكون سر الصنعة التى نتشربها منهم قطرة قطرة كأنك فى ورشة إصلاح سيارات.

يكاد لا يوجد رئيس تحرير متمكن لم يمر بمرحلة الأسطى بلية.. يبدأ بإحضار البروفات من المطبعة.. ويتعلم اختصار الموضوعات دون أن يشعر كتابها بما خصم منهم وكأنه ينشل السطور الزائدة.. وفى مرحلة وسطى يجرب إعادة صياغة التحقيقات الصحفية أو المذكرات السياسية ووضع عناوين جذابة لها.. وفى مرحلة تالية يعطى أوامر الطبع قبل أن يصل إلى مرحلة الخبرة التى تمكنه من التغيير والتطوير ليحقق ما يريد من نجاح.

وقد جربت تلك المراحل تحت يد صلاح حافظ فى «روزاليوسف» وخارجها وفى أيام سفره كنت أقوم بمهامه ثم أصبحت أقوم بكثير منها فى حضوره.

وحسب ما ذكر صلاح حافظ فإنه ليلتها وجد فى رسالة مبارك فرصة لإقناع التهامى بأن يترك المجلة لى ويتفرغ هو للإدارة بجانب إجراء حوارات مع الشخصيات المؤثرة فى مصر وخارجها.

إن «روزاليوسف» مثل مصر لا يعرف سرها إلا من تشكل من ترابها وكل الغزاة الذين جاءوا من خارجها فشلوا فى التعامل معها لأنهم لم يستوعبوا طبيعتها ولم يرضعوا من ثديها.

ووافق التهامى دون أن يخفى هواجسه التى تركزت فى انفلاتى ولكنه على ما يبدو لم يكن أمامه وصفة أخرى للنجاح رغم مرارتها فى الحلق.

الغريب أننى لم أتحمس لخوض التجربة وقلت لصلاح حافظ: التهامى لن يتركنى أتصرف بحرية فهو فى النهاية صاحب القرار ويمكن أن يجهض كل مجهود يبذل لنصل إلى النتيجة نفسها.. الفشل.. وساعتها سأدفع ثمنا فادحا فى تجربة ستسحب من رصيدى القليل فى المهنة وربما لا أجنى من ورائها سوى وجع القلب كما أن المجلة تفتقد الكفاءات وتعانى من نقص الإمكانيات.. لا أحد تحرير سيأخذ بيدك.. ولا تدبير سيمول خزينتك.

لكن صلاح حافظ لم يقبل بما قلت ولأول مرة وجدت صوته يرتفع غاضبا: لقد ربيناك وعلمناك وساندناك وادخرناك ليوم ترد فيه الجميل للمؤسسة التى جعلت منك صحفيا وكاتبا.. لن نقبل برفضك وأنا واثق من نجاحك.. تجربتك فى الوادى والحوادث والشرقية تطمئننا على ذلك.

وأضاف: لقد انقطع خلف روزاليوسف ولم تعد تلك المجلة الخصبة التى لا تتوقف عن إنجاب موهبين يكملون مشوارها.. أنا لست قلقا على براعتك فى رفع التوزيع.. ولكن.. الأهم أن تفتح هذه المدرسة الصحفية المميزة أبوابها من جديد ليتخرج فيها ما تحتاج المهنة من مبدعين.. هذا هو النجاح الحقيقى الذى ننتظره منك.

ولم أجد أمام إصراره سوى القبول بما يطلب أو بما يأمر.. إنها استجابة المريد للولى.. وضاعف من استسلامى لمشيئته توقعى بتدهور حالته الصحية فلم يكن علاج السرطان ميسرا كما هو الآن.

بعد أيام دعانا صلاح حافظ إلى بيته.. التهامى وأنا وسعاد رضا التى أصبحت عضوا منتدبا.. وتولى تجهيز فتة الكوارع بنفسه.. وعلى المائدة راح يشحن حماس التهامى ليقبل بالمغامرة ويترك التحرير لعهدتى.

المؤكد أن التهامى كان مترددا.. يعرف أننى لن أخذله.. لكنه يعرف أيضا أننى لن أكون تحت طوعه.. وبين رغبته فى النجاح والخوف من فقد بعضا من نفوذه استمر تردد أكثر من سنة.

والتهامى إنسان طيب.. ودود.. متسامح.. يعرف أن النظام لن يقبل بتغيير المجلة إلا فى حدود يرى فى الوقت نفسه أننى سأتجاوزها ولن التزم بها مما يهدد ما وصل إليه فى النهاية.

فى تلك السنة اتيح لى أن أقترب من روزاليوسف مرة أخرى بعد أن ابتعدت عنها سنوات لم أهتم خلالها بما يجرى فيها أو ما يحدث لها وبطول البعاد تضاعف الإهمال فالبعيد عن العين بعيد عن القلب.

كانت النسخة تباع بخمسين قرشا ولا تحقق المجلة عائدا ماليا يغطى شيئا من تكلفة تحريرها وطباعتها ورغم خسائرها كانت تنفق على الإعلان عنها فى التليفزيون عشرة آلاف جنيه دون أن تجنى عائدا من ورائه.

والأهم أن المجلة كانت فى حاجة إلى تغيير فى هيكل تحريرها فقد كانت تعتمد من قبل على كتاب كبار لهم اتجاهاتهم السياسية وموهبتهم الصحفية هم يختارون موضوعاتهم دون الرجوع غالبا لسلطة التحرير ولكنهم تناقصوا بحكم الهجرة إلى مطبوعات أخرى أكثر نجاحا أو بحكم الوفاة أو المنع من الكتابة.. ولم يبق منهم سوى عدد قليل على رأس قائمته فتحى غانم وعبد الفتاح رزق وناصرحسين وصلاح المنهراوى.

ولاختفاء أغلب نجوم ذلك الجيل أصبح هناك فراغ لابد أن يملأ بخلق أقسام صحفية تقليدية أهملت وهو ما نفذته فيما بعد.

وكانت هناك مشكلة أصعب.. أن أعدادا كبيرة من محررى الأجيال الجديدة دخلت المكان مجاملة ودون موهبة.. ولم يكن سوى القليل منهم يمكنه أن يأتى بثمرة شهية مثل إبراهيم عيسى وإبراهيم خليل وحمدى رزق وعبد الله كمال وكانوا فى بداية المشوار.

إبراهيم عيسى وعبد الله كمال دفعة واحدة فى كلية الإعلام ونشرا معا كتابا مشتركا عن الأغنية البديلة تحمسا فيه لمطربين شباب مثل محمد منير ولكنهما فيما بعد اختلفا معا وسلك كل منهما طريقا متناقضا مع الآخر.. إبراهيم عيسى تحول بجرأة إلى الصحف الخاصة المعارضة وعبد الله كمال وجد فى أحضان الصحافة الرسمية فرصة أسهل وأضمن.

فى يناير 1992 طلب منى التهامى أن اشرف على إصدار المجلة فى وقت اضطر فيه لمرافقة زوجته للعلاج فى الخارج وفى الوقت نفسه غاب مدير التحرير عبد القادر شهيب لخضوعه إلى جراحة.

شهيب تخرج فى نفس كليتى وإن سبقنى بدفعتين ودخل «روزاليوسف» قبل أسابيع قليلة من تظاهرات الطعام فى 18 و19 يناير 1977 ونشر له صلاح حافظ عدة تقارير صحفية رغم أنه كان مطاردا من الأمن وفيما بعد عملنا معا فى جريدة الشعب وقت أن كان يرأس تحريرها حامد زيدان وكان ناصريا وفى كثير من الأحيان لم يكن يشعر تجاهى بما يريحه.

والحقيقة أن اليسار عندما كان يسيطر على صحيفة فإنه لم يكن ليتردد فى أن يأتى برفاق التنظيمات والمعتقلات إليها لمنحهم فرصة مهنية لو كانوا موهوبين أو لمساعدتهم ماليا لو كانوا محتاجين ولم يشذ صلاح حافظ عن تلك القاعدة فقد كان يصرف مكافآت لبعضهم عن أعمال لم يقوموا بها وإن كان بحكم طبيعته الإنسانية لم يرفض طلباً لمحرر وكان يرى أن الصحفى غلبان مهما أخذ من مال وورثت عنه تلك العادة حتى أن هناك من قال: إننى أوافق على كل ورقة تعرض على ولو كانت استقالتى.

ما أن توليت مسئولية تحرير تلك الأعداد حتى أوقفت الإعلانات التليفزيونية عن المجلة موفرا ما ينفق عليها ولتتحول قيمتها للصرف على التحرير.. العنصر الأهم فى المجلة.. وتحرك التوزيع نحو الصعود ما أثار حالة واضحة من التفاؤل غابت طويلا عن المكان.

إن واحدا من الأقوال المأثورة والشائعة فى الصحافة: إن عمر المرأة وتوزيع الصحيفة سر يستحيل الكشف عنه ولكن يشهد كل الذين عاصروا تجربتى فى «روزاليوسف» أننى كنت فى صباح كل يوم إثنين أقدم تقرير التوزيع إلى مجلس التحرير فى سابقة لم تحدث من قبل.

ولعل زيادة التوزيع فى تلك الفترة التى لم اتسلم فيها القيادة رسميا زادت من حماس المحررين وخلقت مناخا إيجابيا أخرجهم من حالة الانكسار ودفعت التهامى إلى حسم تردده وتقرر أن أولى منصب نائب رئيس التحرير ولكنى اشترطت لقبول المنصب أن أنفرد بقرارين: قرار النشر وقرار التقديرات المالية وهما أهم قرارين لرئيس التحرير وفى المقابل تعهدت بأن أصل بتوزيع المجلة إلى عشرين ألف نسخة خلال العشرة شهور المتبقية من عام 1992 وكان الرقم يبدو مستحيلا فى تصور غيرى أما أنا فوجدته صعبا ما أن نتخطاه حتى ستتضاعف الأرقام بسهولة فالقطار المركون فى مخزنه يتراكم الصدأ على عجلاته وقضبانه ما يفرض طاقة قوية لتحريكه ولكن ما أن يتحرك حتى يأخذ سرعته بسهولة أكثر.

وكل ما طلبت من المدير العام محمد مصطفى أن يحجز مبلغ الإعلانات التليفزيونية لتكون أول رصيد أنفق منه على مكافآت التحرير ما يعنى أننى وأنا أبدأ التجربة لم أحمل المؤسسة تكلفة إضافية وكل ما فعلت هو إعادة استخدام الموارد المتاحة ولو كانت ضعيفة بما يزيد من حماس المحررين أكثر فيتضاعف نشاطهم ويزيد التوزيع لتمول التجربة نفسها بنفسها فالمال مهما كان سخيا لا يكفى لنجاح صحيفة.

قررت أن يمول القارئ مجلته فكنت أضاعف سعر النسخة كلما ضاعفت من الخدمة المقدمة وسبقت باقى المجلات الأسبوعية برفع السعر من خمسين قرشا إلى جنيه ومن جنيه إلى جنيهين ولم تجرؤ الإصدارت الأخرى على ذلك إلا بعد سنوات.

ورغم فرق السعر بيننا وبين المنافسين فإن توزيعنا كان أكبر منهم بمسافة كبيرة ما يعنى أن كساد الصحافة ليس له سوى سبب واحد أنها لا تقول ما يريده القارئ.

وبزيادة السعر من خمسين قرشا إلى جنيه خفضت نسبة العمولة التى تتقاضاها شركة التوزيع وعندما ضاعفت السعر إلى جنيهين خفضت العمولة من جديد ولكن الأهم أن النسبة التى خصمت من شركة التوزيع وزعت مكافآت على طاقم التحرير فهو الذى يستحقها بجانب أنها رفعت من بدل السفر وتحملت تكلفة الطيران فى الدرجات المميزة والإقامة فى فنادق الخمسة نجوم بجانب التعاقد مع كتاب ونقاد كبار من الخارج مثل فاروق عبد القادر وأحمد فؤاد نجم وميلاد حنا وكانت مكافأة المقال الواحد تتجاوز ما تدفعه الصحف العربية الكبرى.

وبارتفاع دخول المحررين لم يشعر أحدهم بأزمة مالية بل تزوج بعضهم وحصل على شقة وسيارة مما يتقاضاه ليس من «روزاليوسف» وإنما من القارئ الذى يشترى ما يقدمونه من مادة صحفية جذابة ومميزة وتتفجر حرية.

ذات مرة انتقد مبارك «روزاليوسف» قائلا قلمك تقيل خف شوية.

قلت مستفيدا من شعور متبادل بالود بيننا: إن الحرية هى التى تطعمنا وتسدد ديوننا وتوفر الراحة لمحررينا فلسنا فى ثراء المؤسسات الصحفية التى توصف بمؤسسات الشمال بينما تصنفنا فى مؤسسات الجنوب.

لكن ما عاشه تحرير المجلة من رخاء لم يأت بسهولة ولم يأخذ وقتا قصيرا على أننى فى البداية رفعت الحد الأقصى للمكافآت من خمسين إلى خمسمائة جنيه شهريا وأشهد أن المحررين كانوا يقضون فى المجلة ساعات طويلة فى الليل قبل النهار فقد أصبحت مستقبلهم وصانعة شهرتهم.

تولى إبراهيم عيسى رئاسة الديسك المركزى ووجد عبد الله كمال نفسه فى قسم التحقيقات واختار إبراهيم خليل قسم الأخبار وبرع محمد هانئ فى قسم الفن والثقافة ونافسه فى البراعة عمرو خفاجى فى تحرير بورصة الأخبار وهو باب مبتكر من أربع إلى ثمانى صفحات ينفرد بتوليفة أخبار متنوعة قصيرة ويسهل قراءتها وظهر على السطح وائل الإبراشى موهوبا فى الضربات الصحفية المميزة وانضم إليه أسامة سلامة متخصصا فى الملفات الخاصة مثل الملف القبطى الذى لم يقترب منه أحد من قبل ودخل على الخط شاب آخر هو محمد الصباغ ليضيف إلى القسم الفنى لمسات جريئة وليصبح مسئولا عنه بعد ذلك.. وأسعدنى كثيرا أن يكونوا جميعا نجوما فى سماء الميديا بكل أشكالها.. وربما تجاوزنى بعضهم فى التفوق.

لقد تأملت موهبة كل منهم منفردا ودفعت به إلى الطريق الذى يناسبه دون أن يضطر إلى منافسة أو مزاحمة غيره فى مكانه وكان أن تسابقوا جميعا على نجاح التجربة ولو قصر أحدهم لسبب أو لآخر وجد من يسد فراغه ويتجاوز أخطاءه.

ويشهدوا جميعا أننى لم أطلب من أحدهم أن ينقل لى ما يقوله زملاؤه أو استخدم سياسة فرق تسد أو أعاقب مخطئاً بحسن نية، فالعمل كان بالنسبة لى المقياس الوحيد.

وفى الوقت نفسه عشت معهم تفاصيل حياتهم بقدر ما يسمحون داخل وخارج المؤسسة على المقاهى وفى المطاعم وأماكن السهر ولم أبخل عليهم بخبرة شخصية فى أمورهم الخاصة لو طلبوها.

إن إيقاظ مجلة ميتة من سباتها أصعب من البدء فى مجلة جديدة وربما لهذا السبب لا أتوقف عن شكر كل من تفضل ووصفنى بمسيح الصحافة الذى يحيى المطبوعات بعد موتها ولست متواضعا لو قلت إن الوصف يتجاوز حدود قدراتى.