د. رشا سمير تكتب: "نساء من الصين".. نقلت قضايا المرأة الصينية للوطن العربي

مقالات الرأي



ترجمتها اللبنانية ميشلين حبيب


سنوات من القهر السياسى والشيوعية الحمراء، أعوام من الصمت باسم الدونية النوعية، ودهور من الخنوع والتهميش ومحاولات الاغتيال، باسم الحب والثورة، علم أحمر بلون دماء الشهداء ونجوم صفراء هى عنوان ثقافة شعب، ونساء مطأطئات الرءوس مكسورى الإرادة، يحاولن هدم سور الخوف العظيم بلا أمل.

إنها صورة واحدة لملايين النساء، يرتدين الهانفو المزركش ليبدين أمام الرجال مثل عرائس البحر، ويضعن أرجلهن فى أحذية اللوتس حتى ينلن شرف الأقدام الأنثوية الصغيرة، والعروس مازالت فى قبيلة التبت تصعد على الشجرة، فيحاول كل المتقدمين لها الوصول إليها، ويقوم أهل العروس بضرب الخطاب بالعصا، والرجل الذى يحتمل الضرب وينجح فى الوصول إلى يد العروس ويمسك بها يكون هو زوج المستقبل.

تلك المرأة، هى التى تخضع فى حياتها بقوة الموروثات إلى ثلاثة رجال، الأب والزوج والابن، تلك باختصار هى المرأة فى الصين، المرأة التى تعمل فى حقول الأرز، وتجمع الحطب، وتُخيط الحرير بأصابع نحيلة خطّافة، المرأة الصبورة، قوية الإرادة التى تعمل مثل النحلة حتى لو كانت معتلة الصحة.

الصين الدولة التى غزت العالم وقهرت اقتصاد الدول وعجز عن تفسير قوتها ضاربو الودع والمنجمون فى كل بقاع الأرض، تلك الدولة التى ما زالت فنونها وأدبها وموسيقاها بعيدة عن أيدى عالمنا العربى، هل لأنها تقبع وراء هذا السور العظيم؟.. أم لأننا نحن العرب انشغلنا بهمومنا طويلا، فأصابتنا أُمية قراءة تاريخ فى البقاع البعيدة من الأرض؟

ها أنا اليوم أدعوكم للارتحال معى، بين دفتى كتاب رائع تُرجم إلى أكثر من 30 لغة عالمية، ومن ثم تلقفته أيدى المُحنكين القائمين على النشر فى دار الساقى اللبنانية، متى أدركوا أن أهمية هذا الكتاب تقع فى عبقرية اختلافه.

هو عمل يدور فى فُلك المرأة الصينية، ويتناول حكايات عن همومها وقهرها وصمتها واغتصابها وإذلالها، عن دار الساقى للنشر، وفى 267 صفحة، قامت بترجمته ببراعة الكاتبة اللبنانية ميشلين حبيب، المستشارة التربوية والصحفية المستقلة.

إنه كتاب «نساء من الصين»، للكاتبة الصينية شينران (1958) التى كلما تحدثت اعتلى صوتها نبرة فخر، الفخر بأنها أول امرأة نقلت قضايا المرأة الصينية إلى العالم.

كانت شينران قدمت برنامجاً إذاعياً بعنوان «كلمات على نسيم الليل» لمدة ثمانى سنوات حين كانت تعيش فى الصين، تلقت من خلاله مجموعة من الاتصالات من نساء تروى كلٌ منهن قصتها، وقررت بعد نجاح البرنامج أن تجمع تلك القصص وتلقيها كالقنبلة فى وجه العالم دون خوف، لملمت القُصاصات والخطابات التى وصلتها، واسترجعت الحكايات بل واستمعت إلى المزيد، لتكتب مخطوطا رائعا عن معاناة نساء الصين.


1- ليس مجرد كتاب.. بل هو حياة

فى نوفمبر عام 1999، كانت فى طريقها للعودة من تدريس صف مسائى فى كلية جامعة لندن للدراسات الشرقية والإفريقية، حين تلقت ضربة قوية على رأسها فوقعت على الأرض، الغريب حقا أن كل ما همها فى تلك اللحظة هو أن تحكم قبضتها على حقيبة يدها التى كانت تحتوى على نسخة وحيدة من مخطوط كتابها الأخير، رفضت أن تُسلم الحقيبة للص، فعاد يركلها فى عنف ولم تستسلم.

فى قسم البوليس سأل الضابط الإذاعية الشهيرة عن سر تمسكها بالحقيبة ومخاطرتها بحياتها، فقالت بهدوء: «هذا الكتاب هو حياتى.. لم أكن متأكدة أننى أستطيع أن أعرض نفسى مجددا لتلك المشاعر التى اجتاحتنى وأنا أكتب الكتاب، حين صارعت من أجل الحقيبة، كنت فى الحقيقة أدافع عن مشاعرى وعن مشاعر النساء الصينيات، عندما نتجول داخل ذكرياتنا فإننا نفتح بذلك بابا على الماضى».


2- أول الغيث..طرد

فى أحد الأيام، تلقت طردا من سيدة فى الأربعين من العمر، دون أن تترك اسما أو عنوانا، طردا بداخله مجموعة قصاصات من الورق الأصفر تحكى فيها عن المعنى الحقيقى لكلمة «الأب».

تحكى «هونغ شو»، عن يوم عاد أبوها من القاعدة العسكرية، التى كان يعمل بها وهى فى الحادية عشرة من عمرها، فإذا به يطلب منها أن تخلع ثيابها، ليرى كيف أصبحت امرأة صغيرة، منذ ذلك اليوم والأب قد تحول من دوره الأبوى المقدس إلى حيوان تتحكم فيه غرائزه، بدأ بالتحرش بابنته وسط عدم فهم منها، ثم سقوطها فى قبضته الحديدية وإيذائه البدنى لها منذ قررت أن تقاومه وتهدده بالبوح لوالدتها.

بعد أعوام من الصمت، انتقل الأب إلى قاعدة عسكرية أخرى، ولم تتبعه الأم نظرا لبعد المسافة، لكنه صمم على أن يصطحب ابنته وابنه معه، فتستمر رحلة «هونغ شو» مع المعاناة بمفردها، إلى أن تأتى الأم وتصارحها ابنتها، بما يحدث من وراء ظهرها، فترد الأم: «من أجل أمان العائلة كلها يجب أن تتحملى ذلك، وإلا ماذا سنفعل جميعا؟!».

كتبت «هونغ شو» إلى «شينران» تسألها عن الحل، وتفصح لها بأنها على الرغم من بلوغها الأربعين إلا أنها مازالت تبحث عن عائلة وتتمنى أن يصبح لديها أب وأم أو عائلة بالمعنى الحقيقى.


3- المرأة التى دبرت الثورة زواجها

سجلت إحدى النساء حكايتها على شريط الإذاعة وقالت: فى نظر الآخرين أنا امرأة تمتلك كل ما تتمناه أى امرأة، فأنا زوجة رجل مهم فى الحكومة الإقليمية، ابنى فى الأربعين من عمره رئيس أحد البنوك الوطنية وأنا أعمل فى مكتب الإدارة المحلية بالمدينة، أعيش فى شقة كبيرة مع زوجى وابنى وابنتى.

فى هذه العائلة أنا لا أملك إلا أن أكل واستعمل الحمام، زوجى يقول عنى إننى مثل قطعة قماش رمادية باهتة ليست جيدة لصنع سروال، حتى أولادى انتزعوا منى بعد ولادتهم وارسلوا إلى حضانة الجيش لأن الحزب رأى أنهم ربما يؤثرون على مستقبل والدهم السياسى.

البداية منذ أربعين سنة، عندما نشأت فى عائلة أعطتنى حرية كافية، وقررت أن أنضم إلى الحزب الشيوعى وأعمل بالسياسة.

فى يوم سألنى قائد المعسكر: «هل أنت على استعداد للقيام بأى مهمة نكلفك بها؟»، بالقطع كنت على استعداد وبكل فخر، طلبوا منى الذهاب إلى المجمع الحكومى الإقليمى، وهناك قدمونى إلى الضابط الأعلى مرتبة، تأملنى جيدا ثم تمتم قائلا: «من اليوم أنت أمينة السر الخاصة بى».

لاحقا فى تلك الليلة استيقظت على رجل يصعد إلى السرير فذعرت وكدت أصرخ، لكنه وضع يده على فمى وقال «شششش..هذه هى مهمتك»، إنه الضابط الكبير الذى التقيته فى الصباح، وهو نفس الضابط الذى فى اليوم التالى تم زواجى عليه بمعرفة الحزب دون سؤالى.

عشت أربعين سنة فى ذل، حياة زوجى المهنية هى كل شىء بالنسبة له، وأولادى أصبحوا فى نفس عنجهيته وجبروته، والمرأة فى حياته - أى أنا - ليست إلا حالة من الإشباع الجسدى».


4- امرأة عصرية

أنا من مآنشان وزوجى من نانجينغ، تزوجنا بالرغم من تحذيرات الكثيرين لى، تزوجته رغم إعاقة تسببت فى فقدانه إبهامه الأيمن لأننى أحببته، لكن بعد قليل اكتشفت أنه زير نساء، ضبطته أكثر من مرة مع عاهرات، فكان يضربنى بكل قسوة، ذات مرة ضربنى بعصا من الخيزران، ذهبت بعدها للمستشفى، حيث أخرج الطبيب من جسدى اثنين وعشرين شظية من الخيزران، الحقيقة أن أغلب الصينيين يعتبرون أن ضرب الرجل لزوجته نوع من فرض النظام فى بيته!

تقدمت بطلب للطلاق ولكن زوجى المُعاق طلب منى فرصة أخرى.. قررت أن أمنحه فرصة أخيرة لم تطل أبدا، فقد عدت إلى منزلى فى أحد الأيام لأجده بين أحضان امرأة أخرى.. لم أدر إلا وأنا أمسك بحزام جلدى وأجلدهما سويا مثل المجنونة.

المفاجأة أن السيدة التى كانت تزنى مع زوجى هى أخت زوجة رئيس مركز الشُرطة..تمت مساومتى وتهديدى فى قسم الشُرطة، حتى لا أرفع دعوى زنى.. وانهالت الصحف تتحدث عنى كمجرمة تضرب زوجها وتساوم رجلها المُعاق على الطلاق.. خدعتنى الشُرطة وقتلنى زوجى بسكين الألم.. بعد وقت طويل حصلت على الطلاق، لكنى فى وقتها كنت قد أصبحت امرأة سيئة السمعة.

وقعت فى غرام رجل آخر «واى هاى» وبدأت أشعر معه بالعشق الحقيقى، إلا أنه هجرنى وغاب دون كلمة وداع..دخلت المستشفى وفقدت الكثير من وزنى حتى أصبحت أزن 38 كيلوجراما.. لكن فى النهاية قاومت ووقفت على قدماى وأصبحت سيدة أعمال مشهورة ومازلت أتحسس الندبات التى على جسدى وابتسم.

سؤال وجواب

«لماذا تُشبه النساء الماء؟»

«الجميع يشبهون النساء بالماء، لأن الماء هو نبع الحياة..كما أنه يتكيف مع محيطه مثل النساء.. ولأن الماء يُعطى من نفسه أينما ذهب ليغذى الحياة».

الحقيقة أن كتاب «نساء من الصين» كان بمثابة رحلة ممتعة إلى بلاد زارها السحر فألبس نساءها أثواب الحرير.

إنه كتاب يستحق القراءة..فتحية لدار الساقى التى أمتعتنا بترجمة هذا العمل الأدبى الدسم.. وتحية للإذاعية «شينران» على شجاعتها ودقتها فى تدوين ما سمعته ورأته دون تزييف.. حتى لو استعملت إسما مستعارا، فهى دون شك كسرت بداخلها وبداخل الملايين من الصينيات حاجزا كبيرا من الخوف.