أحمد عزيز يكتب: جامعة الفيوم ودورها في التنوير

ركن القراء



عند الحديث عن الجامعة ودورها التنويري علينا استرجاع قيَم التنوير في إطار معمار جديد أو هندسة حديثة للنهضة تؤكد كونها متجددة وصالحة لعصر التحولات هذا وليست ذات أفق تاريخي محدود؟ لكن، كيف يمكن للجامعة إحداث التغيير المنشود وتحقيق التنوير المأمول في أقليم يغلب عليه العصف الفكريّ الجمعي؟! ما أحوجنا لجامعة تخاطب طلابها بصوتٍ يعكس التوازن بين فضاءات العقل ونور الإيمان ويدعم مسالك الفكر الحر، بخطاب ينطلق من ضمائرنا الحية الحريصة على كل ما من شأنه تعزيز الانتماء للوطن وتقوية الذات الثقافية للطالب وإنكار الأفكار المتطرفة، فتصبح أخلاقيات التضامن بين الطلاب واقعًا في علاقاتهم تضمن كرامة للوطن وحبًا له، وقيمة الإخلاص له بما ينعكس على الفرد والمجتمع على حد سواء.

عند تقييم تجربة جامعة الفيوم في التنوير برئاسة الدكتور خالد حمزة يتضح جليا لنا صورة هذا الرجل صاحب الرؤية المتكاملة لتحويل جامعة الفيوم إلى مؤسسة حاضنة للفكر التنويرى ومكافحة التطرف.

ترأس الدكتور خالد حمزة جامعة الفيوم بعد مرور فترة وجيزة لثورة 30 يونيو 2013، وتلك فترة كانت بالغة الحساسية خططت فيها الجماعات المتطرفة لتحويل الجامعات إلى ساحات حرب حقيقية، وهكذا شاهدت بعيني ما لم أراه أو أسمع عنه من قبل : القنابل مزروعة وسط الأشجار، المظاهرات بالشماريخ تجوب الحرم الجامعى، اقتحام المدرجات والوقف الإجبارى للتدريس، باختصار كانت العملية التعليمية مستحيلة فالأستاذ يحاضر بنصف تركيز، والطلاب المنتظمون يتعرضون للابتزاز النفسى والاتهام بعدم «الثورية»، والإداريون ينصرفون مبكرا تحسبًا لتطورات مفاجئة، و فى هذه الظروف عمل رئيس الجامعة الجديد، لا بل أطلق مشروعه الفكرى التنويرى.



ارتكز مشروع دكتور خالد حمزة على تكوين الشخصية السوية للطالب من خلال روافع ثلاث أساسية: ( الثقافة والفن والتعليم )، وما كان هذا ليتحقق إلا باسترداد الجامعة دورها التنويرى المختلف عن دورها فى تخريج حملة الشهادات العليا، فكثير من رموز التطرف يحملون شهادات فى الطب والهندسة. ومن هنا حوّل الدكتور خالد حمزة الجامعة إلى خلية نحل تزخر بكل أنواع الأنشطة الثقافية، محاضرات دورية لمفكرين ينتمون لتيارات مختلفة، ووجهت بنفسي دعوات لقامات ثقافية وتنويرية كبيرة لزيارة الجامعة منهم الإعلامي جمال الشاعر والأستاذ محمود المسلم والدكتور عزة أحمد هيكل واللواء سمير فرج والأستاذ عماد الدين حسين وغيرهم... غير المعارض الدائمة التي كانت تقيمها رعاية الشباب بالجامعة وأخرى دورية لكتب عربية ومترجمة تعد من أسس الثقافة والتنوير وما كن يصل إليها الطالب إلى من خلال هذه المعارض، ومسابقات فى القراءة والإبداع الثقافية والتنويري، هذه الرافعة الثقافية الأولى لها أهمية بالغة لأنها عرضت على الطلاب أفكارًا تعد من أسس التنوير، هذا إلى جانب تأسيس مركز تجديد الخطاب الديني وفقه الواقع مشروع مائة عالم لزيارة الجامعة.

وكان الفن فى مشروع دكتور خالد هو الرافعة الثانية للتنوير فبين الفن والتطرف علاقة تنافٍ وعداء، وهكذا أقيمت حفلات لقامات محترمة فى الغناء بمسرح الجامعة والإنشاد الدينى والموسيقى والفن الشعبى والمسرحي، اصطف الطلاب بالآلاف ليستمعوا للمواهب على المسرح المكشوف الذي تمت إقانته بالحرم الجامعي اكتشافًا وتعزيزًا للمواهبهم.

أما الرافعة الثالثة وهى التعليم والبحث العلمي بتخريج أكثر من 80 ألف طالب وطالبة على مدار الأربع سنوات وإنشاء رابطة للخرجين خاصة بهم، ومنح أكثر من تسعة آلاف درجة ماجستير ودكتوراه ودبلوم عام.

على مدار أربع سنوات شكلت جامعة الفيوم تجربة رائدة فى التنوير ما كانت تنجح لولا الإدارة وتفهمها الصحيح لدور الجامعة وشجاعة المبادرة في التنفيذ والصبر كثيرًا على الأذى الذي نالهم من أعداء التطوير والتنوير هذا وإلى لقاء قريب نتناول فيه تجربة جديدة لجامعة الفيوم ...