شيخ الأزهر يلقي الكلمة الرئيسية في افتتاح اللقاء التشاوري في إندونيسيا

أخبار مصر




ألقى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الثلاثاء، الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية للقاء التشاوري العالمي للعلماء والمثقفين حول وسطية الإسلام، بحضور الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ولفيف من كبار الشخصيات الدينية في العالم، وذلك في قصر الرئاسة في مدينة بوجور الإندونيسية.

وأوضح  الإمام في كلمته فإن كلمة «الوسطيَّة» تَرِد دائمًا مقرونة بالإسلام، إضافةً أو وصفًا، فيُقال: «وسطية الإسلام» كما يُقال: إنَّه «دين الوسـطية»، ورُغم وضوح معنى «الوسط» في القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، وارتباطِه بمعنى العدل والخيريَّة، إلَّا أنَّ هذا المفهوم تعرَّض لما تعرَّضت له مفاهيمُ أخرى من اختلافٍ وتنازعٍ، واختلافَ المسلمين في القرنين الماضيين حول هذه المفاهيم؛ كان وراء ما أصاب الأُمَّة من فُرقة واختلافٍ وضَعْفٍ وغَرَقٍ في بحورٍ من الدِّماء.

وأضاف "أن حديثَنا اليوم عن الوسطيَّة يجب أن يَنتقِلَ من مجالِ البحث والنظر إلى مجال العمل والتَّطبيق، وأن يكون حديثُنا عنها في مؤتمراتِنا ليس حديثًا تُملِيه العواطف الجيَّاشة لمجرَّد الكشف عن جماليات هذا الدِّين الجميل، وإنَّما لإعادة استكشافِ هذه الحقيقةٍ القرآنيَّة التي شاءها الله أن تُشكِّل إطارًا حاكِمًا لمضامين هذا الدِّين الحنيف: عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا".

وتابع أن "أمَّة الإسلامِ إمَّا أن تكون أمَّة وسَطًا، وإمَّا ألَّا تكون.. والمسلمون –اليوم- هم أمسُّ الناس حاجةً من أي وقتٍ مَضَى لأن يُدركوا أن أيَّ انحرافٍ عن مجال الوسطية إلى طَرَفٍ من طرَفَيها المتقابلين، يصيبُ هذا الدين العظيم في مَقتلٍ، سواءٌ في ذلك الخروج إلى طرف الغُلو والتَّطرُّف، والخروجُ إلى طرف العَلمنةِ أو الحداثة المستوردة".

وشدد الإمام الأكبر على "أن منهج التعليم الأزهري منهج يمثل وسطية الإسلام التي قلنا: إنها أخَصُ وَصفٍ لهذا الدين القيم، والفهم المعتدل لنصوص الكتاب والسنة، ويرسخ في ذهن الطالب الأزهري منذ نعومة أظفاره ثقافةَ الحوار وشرعيةَ الاختلاف، مما يحول بينه وبين نزعة الغلوِّ والتعصبِ وانغلاق الفكر وجموده على رأي واحدٍ، ويُدرِّبُه على احترام الرأي الآخر، ويعَلِّمُه الفرق بين احترام المذهب وبين اعتقادِه، وهذا ما يؤكده الواقع المعاصر؛ إذ لا يقع بصرُك على إرهابي أو تكفيريٍّ تخرَّج في الأزهر وتغذَّى بعلومه وارتوى من ثقافته".

وأعرب  عن أمله في أن يكون المؤتمر "فاتحةَ خيرٍ على طريقِ تلافي المآسي التي ابتُليت بها الأمَّة مؤخرا، وخطوةً وُثقى على طريق وَحدَة الأمَّةِ التي لا تَمتلكُ الآن من أطواق النجاة طوقا آخَرَ غيرَها؛ لإزاحة كلِّ العوائق والأشواك التي تُبذَرُ على طريقها من شَرقٍ ومن غَرب؛ كي تَبقَى هذه الأمة في حالة مرض دائم، لا هي ميتةٌ فتُريحُ وتَستريحُ، ولا هي صحيحةٌ معافاةٌ من عِلَل الفقر والمرض والجهل والتخلُّفِ".

من جانبه، رحب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو،  بالإمام الأكبر والمشاركين في المؤتمر، مشيرا إلى أن إندونيسيا، التي تعد البلد الإسلامي الأكبر من حيث عدد السكان، هي دولة ديمقراطية تضم أعراق مختلفة وثقافات متعددة، ونحمد الله أنه مع هذه الاختلافات نحافظ على الأخوة والاتحاد بيننا، وفقا لمبادئ الجمهورية الإندونيسية، التي تقوم على الاتحاد والتعدد والعدالة الاجتماعية، فالاختلاف العرقي يجعلنا أقوياء.

وأضاف الرئيس الإندونيسي أن الإسلام هو دين رحمة للعالمين، ونحن كمسلمين يجب أن نكون نموذجا في الاتحاد، وقادة في تنمية العالم، وأن تكون لدينا قدرة على التقدم في مختلف المجالات، ودور العلماء والمثقفين كبير جدا في هذا الشأن، وهم نور يستضئ به، لافتا إلى أن التطور الكبير الذي شهدته تكنولوجيا التواصل، أدى إلى تغييرات عميقة في المجتمع، فهو وإن كان يسهل التواصل بين أبناء المجتمع، لكنه جاء بأضرار، مثل الحركات الإرهابية، التي تستخدمه لنشر أفكارها.

وشدد الرئيس ويدودو على ضرورة أن نربي أبناءنا، طبقا للمفهوم الوسطي للإسلام، فهذا الدين يحمل السلام والعدالة للعالم أجمع، ونحن نشجع على دعم الوسطية، حتى ينعم العالم الإسلامي، والعالم كله، بالسلام والتراحم.

بدوره، وجه "محمد دين شمس الدين"، المبعوث الشخصي للرئيس الإندونيسي ومستشاره لشئون حوار الأديان والثقافات، الشكر للإمام الأكبر، على مشاركته في المؤتمر، قائلا باللغة العربية: "حضوركم للمؤتمر فضيلة الإمام يمثل نصف النجاح.. ومحاضرتكم الرئيسية تمثل النصف الآخر".

وأوضح "شمس الدين" أن الدستور الإندونيسي يعد انعكاسا لمفهوم وسطية الإسلام، ويجب تشجيع المسلمين في إندونيسيا على تطبيق هذا الفهم الوسطي، خاصة في ظل ظهور جماعات تتبنى أفكارا مضادة لهذه الوسطية، مشيرا إلى أننا بحاجة إلى مثل هذا اللقاء لنتحاور ونتبادل الأفكار ونستفيد من التجربة الإندونيسية في تطبيق مفهوم الوسطية.

ولفت المبعوث الشخصي للرئيس الإندونيسي إلى أن الفتنة التي حذرنا منها القرآن الكريم، تتمثل في الاقتتال بين المسلمين، دون سبب يستدعي ذلك، لهذا فإن هذه المؤتمر يشكل فرصة للنجاة من هذه الفتنة، وذلك من خلال إحياء مفهوم الوسطية.