"الفجر" تنفرد بنشر مذكرات تلميذ البابا كيرلس السادس

العدد الأسبوعي



الكاتب كشف علاقته بالزعيم "عبدالناصر" وأجهزة الأمن وكواليس استعادة رفات "مار مرقس" من إيطاليا


كتب القمص روفائيل آفا مينا، مذكرات عن حياة البابا كيرلس السادس، فى مؤلفين، حمل أولهما عنوان «مذكراتى عن حياة البابا كيرلس السادس»، بينما جاء الآخر بعنوان «البابا كيرلس والقيادة الروحية». وتنفرد «الفجر»، بنشر أجزاء من هذه المذكرات التى تطرقت إلى أهم المحطات فى حياة البابا كيرلس السادس، ولماذا لقب بـ«رجل الصلاة»؟، والعلاقة القوية التى ربطته بالزعيم الراحل «عبدالناصر»، وكيف احتفل معه بعودة رفات القديس مار مرقس.

وتناول الكاتب تفاصيل حياة البابا، بدءًا من سيامته كراهب فى دير البراموس عام 1927، وهو ابن 25 عاما، تحت اسم مينا البراموسى، ثم سيامته قساً عام 1931.

ليس ذلك فحسب، بل تطرق أيضًا إلى قصة توحده فى مغارة خارج الدير، ثم داخل طاحون هواء فى منطقة مصر القديمة، حتى سُيّم بطريركاً فى عام 1959.

وانتقل الكاتب إلى الحديث عن إنجازات البابا خلال تلك الفترة، إذ قام بتجديد الكاتدرائية المرقسية القديمة وأنشأ دير مارمينا والكاتدرائية المرقسية بالعباسية، واهتم بتأسيس كنائس فى بلاد المهجر، كما أرسل كهنة للخدمة هناك.

وتعد استعادة رفات القديس مار مرقس من إيطاليا أهم إنجازاته، فضلاً عن ظهور السيدة العذراء مريم بكنيسة الزيتون فى عهده، كذلك اهتم بحركة الرهبنة وبناء الكنائس وصنع الميرون المقدس «زيت مصلى عليه يستخدم كبركة»، كما تناول الكتاب رفض أسرته للرهبنة ومعارضة الأنبا يوأنس وكيل البطريركية آنذاك، لأنه لم يعتد سوى على رهبنة الفقراء والبسطاء وغير المتعلمين، بينما كان البابا كيرلس من أسرة ميسورة الحال ومن المدينة.

ونال قسطا وافرا من التعليم، وبعد تخطى تلك العقبات حرص على التخلص حتى من ملابسه ومنح «طربوشه» إلى كمسرى القطار، والمعطف إلى السائق، وما أن وصل إلى الدير حتى أرسل له البنطلون والقميص، وذكر الكتاب كيف اهتم بالعمل الشاق داخل الدير وخدم الرهبان العجائز.

كما روى الكتاب كيف استطاع أن يتوحد فى الصحراء، رغم رفض مجمع الرهبان ثم انتقاله لطاحونة فى زهراء مصر القديمة، دون أبواب، وكيف حاول مفتش الآثار إخراجه من الطاحونة المهجورة بحجة أنها تتبع للآثار، فظهر القديس لزوجته فى المنام وهددها مما دفع المفتش للتراجع وذهب لطلب بركته.

وتحدث القمص روفائيل آفا مينا عن عودة جثمان القديس مار مرقس من إيطاليا، وسط حضور الرئيس جمال عبدالناصر وإمبراطور الحبشة هيلاسلاسى، وعلق البابا كيرلس آنذاك على تلك الاحتفالات قائلاً «ولا يوم من أيام الوحدة والطاحونة».

وفسر تلميذه لقب «رجل الصلاة» الذى التصق بقداسته لأنه تمسك بصلاة القداسات يومياً، وحينما سُئل أجاب: «إذا كان القسيس موجود والدقيق موجود ومنصليش، نقول لربنا إيه»، كما أنه حينما أجرى جراحة لاستئصال «الزائدة الدودية»، وردد أثناء تخديره بـ«البنج» صلوات «المزامير»، على عكس ما طرحه أطباء النفس، من أن المتمسكين بالفضيلة لديهم مشاعر مكبوتة قد تخرج فى أثناء تخديرهم.


1- هروبه من اللاهوت

عندما كان البابا راهبا، فكر الأنبا يوأنس أن يسيمه أسقفاً، فما كان منه إلا أن هرب من كلية اللاهوت، الموجودة فى حلوان، التى كان يدرس بها، إلى دير الأنبا شنودة فى محافظة سوهاج، تحت عنوان «دموع فى يوم الفرح».

وذكر التلميذ ترشح البابا للبطريركية، وكيف رفض الترشح، بينما قام الأنبا أثانسيوس القائم مقام بتذكيته دون علمه، ولكن «كيرلس» حذر محبيه وتلاميذه بالقيام بأى دعاية له، وحينما اختير رفض أن تدق الأجراس وقت السيامة، وبكى بحزن شديد حتى أن مؤرخ ألمانى فى كتاب له عن الأديرة والرهبنة فى مصر وضع صورة للبابا باكياً.


2- البابا يتجول باكيًا

قبل السيامة للبطريركية، فوجئ الحارس بشخص يتجول فى المقر حوالى الساعة 2 ونصف صباحاً، وحينما صاح فيه مقترباً منه فوجئ أنه البابا، الذى صمم على صلاة التسبحة مبكراً.

وأكد الحارس أن المرتلين سيحضرون فى تمام الرابعة لصلاة التسبحة، ولكنه تمسك بفتح الكنيسة، وحينما حضر المرتلون اندهشوا، فلأول مرة البطرك يحضر التسبحة ويصلى قداس ليلة رسامته.

وفى كتابه الثانى، يروى القمص روفائيل آفا مينا، أنه بعد نياحة البابا يوساب الثانى عام 1956، وظل الكرسى البابوى فارغا 3 سنوات، وكان له تلميذ يدعى «ملك»، تسبب فى نشوب خلاف بين البابا والأقباط، وحين رسم «أبونا» مينا المتوحد بطريرك، ذهب «ملك» مباشرة دون موعد إلى البطرخانة، وطلب مقابلة البابا، فأخبره الحراس أنه مشغول، وكان متواجدا آنذاك «أبونا» مكارى، الذى أصبح فيما بعد الأنبا صموئيل، و«أبونا» شنودة، الذى أصبح فيما بعد الأنبا يوأنس أسقف طنطا.

قال «ملك» للحراس: «أنا أريد حماية البابا من الناس الوحشة، وأن أخدمه»، فأمر البابا حراسه بقوله: «أعطوه كوباية شربات ومشوه.. متقعدهوش»، واختار البابا الشماس المكرس سليمان رزق، ليكون تلميذاً له، وهو الذى أصبح فيما بعد الأنبا مينا آفا مينا، وعلم «ملك» بذلك، فأدرك أنه لن يصبح تلميذا للبابا. وفى عام 1967، كان هناك شخص اسمه منصور حلمى، من قوات الأمن، يعرف البابا، فطلب من سيدة مسيحية تعمل سكرتيرة فى جمعية الشبان المسيحيين، أن تمده بمعلومات عن الجمعية وعن منشوراتها واتصالاتها بالأمريكان، فجاءت السيدة للبابا باكية، فاتصال بالأنبا صموئيل وقال له: «عرف منصور حلمى أنه مالوش دعوة بالبنت دى».

لم يستجب «حلمى»، وظل يرسل إليها أناسا، وبعد أن تقابل مع البابا ذهب «أبونا» روفائيل ليبلغ البابا، فقال له: «اصرفه وبلغوا يتفضل من هنا»، فتأسف «روفائيل» وقال للبابا: «مش هعرف ياسيدنا»، فسأله البابا: «أنت خايف منه يابنى؟».

وعلى الفور، خرج «أبونا» روفائيل وقال له: «معلش سيدنا مريح دلوقتى، تعالى وقت تانى»، فأجاب «حلمى»: «لأ، سيدنا قالك اطردنى من هنا»، واستطرد «روفائيل» فى المذكرات: « معرفش هو عرف إزاى أن سيدنا عايزه يمشى، هل لأنه عارف أن البابا زعلان منه، أم أنه كان مركب أجهزة تصنت عندنا».

وفى عام 1968، عندما ظهرت العذراء، كان كل تعليق البابا «سلام الرب عليها»، ورفض الذهاب مباشرة، حتى لا يقال إنه صاحب الشائعة، وبالتزامن مع ذلك طلب كبير أمناء رئاسة الجمهورية منه تأكيد الحدث، قائلا: «روح أنت بنفسك شوف، عندكم مأمورين وأجهزة أمنية يقدروا يتأكدوا»، فقال له: «هى كلمة سيدنا اللى معترف بيها، وسيادة الريس عايز يسمع كلمتك».

وذهبت زوجة «عبد الناصر»، وزوجة عبدالمجيد فريد، وزوجة على صبرى، لمشاهدة الظهور الذى استمر آنذاك أكثر من 3 ساعات، كذلك ذهب رجال الاتحاد الاشتراكى والمباحث العامة ووزارة الثقافة والسياحة.

وتابع القمص فى مذكراته، أن المجلس الملى حينما تسلمه البابا كان يملك 70 جنيها وأراضى غير جيدة فى أماكن غير مهمة، وعرضها للبيع فى مزاد، وطلبت سيدة غير مسيحية من البابا أن تشترى كل الأراضى، حتى لو وصل ثمنها 100 ألف جنيه، فقال لها: «ربنا يكسبك ويربحك»، وبعد فترة أتت تشكره وقالت أنها باعتها بمبالغ عالية جدا وربحت الكثير.

وروى القمص أن الرئيس جمال عبدالناصر كان مصابا بجلطة، حينما افتتحت الكاتدرائية فى 24 يوليو سنة 1968، لذلك توكأ على يد البابا وتأوه، فقال له نيافته: «سلامتك»، فأجاب «ناصر»: «رجلى بتوجعنى»، فقال له البابا: «ماطلبتش تأجيل الاحتفال ليه»، فكان الرد: «لأنى مبسوط معاكم».

بعد تلك الواقعة، سافر الرئيس عبدالناصر إلى العلاج فى روسيا، وعند عودته كان البابا فى انتظاره وسط المسئولين، وعندما بدأ الرئيس يصافح من هم فى انتظاره لمح «البابا»، فقال له: «إزيك يا والدى، إزاى تقف هنا، وليه مجابوش ليك كرسى؟»، فأجابه البابا: «عزموا على بكرسى، بس أنا اللى رفضت، وأنت ياما تعبت معانا يا سيادة الريس، الحمد لله أنا كويس».

وبعد انتهاء الاستقبال تحرك البابا بسيارته، ولكن الرئيس عبدالناصر أرسل سيارة نجدة لترافقه، وفى المساء حضر مندوب رئاسة الجمهورية، ويدعى رمزى نسيم، حتى يشرح للبابا أن الرئيس متأثر جدا من انتظاره ووقوفه مع المسئولين لانتظاره، وشكره.

ودعا بطريرك سوريا إغناطيوس يعقوب، عام 1961، البابا لزيارته فى سوريا، وقبل الموعد بأيام قرر البابا إلغاء الموعد، اندهش الجميع ولكن فى اليوم الذى كان من المفترض أن نسافر فيه فوجئنا من الجرائد بخبر عن الحركة الانفصالية بين مصر وسوريا.

كان البابا زاهدا فى الملابس، أهداه هيلاسلاسى بورنس يوم افتتاح الكاتدرائية «بورنس»، وأثناء مراحل القداس كان «أبونا» روفائيل يقول لسيدنا: «البس البورنس»، والبابا يقول له «استنى شوية»، وانتهى القداس دون أن يرتديه نيافته، وكان الناس يهابونه ويحترمونه ويحبونه لشخصه، وليس لملابسه.

وأضاف فى مذكراته: كان يعامل أقربائه بنفس الدرجة، حتى لا تكون هناك مراكز قوى أو تفضيل أو حاشية خاصة به، فكان يقابلهم مثلما يقابل أى قبطى، وكان أشقاؤه يقفون أمامه ولا يستطيعون الجلوس فى وجوده بحسب رغبتهم، وذات مرة حضرت شقيقته وزوجها ولكن البابا لم يسمح بمقابلتهم فى الأعلى، وتركهم لأكثر من ساعتين وجلس مع الأقباط، ثم قابلهم لمدة 10 دقائق فقط، ثم أذن لهم بالانصراف.