بعد نهاية حقبة "كاسترو".. أبرز العراقيل أمام الرئيس الكوبي الجديد

عربي ودولي



بعد أن تمكن الثوار بقيادة "فيدل كاسترو" وشقيقة الأصغر "راؤول"، من دحر نظام "فولجينسيو باتيستا" العسكري الذي كان يحكم كوبا آنذاك، ومنذ ذلك الوقت تمكن الشقيقين "كاسترو" من حكم كوبا ما يقرب من 60 عاماً، كانوا فيها رمزاً للتمرد ضد التسلط الأمريكي، وتحويل البلاد إلى نظام الحكم اليساري "الشيوعي"، وترك بصمة كبري لا يستطيع أن ينكرها أحد.

وبعد وفاة "فيدل كاسترو" أواخر عام 2016، والقرار المفاجئ لأخية "راؤول" بالتنحي عن الحكم، تعتبر هذة المرة الأولى منذ عام 1959، التي يحكم كوبا شخص من خارج عائلة "كاسترو".

وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن وفاة فيدل، استخدم ترامب وسيلته المفضلة للتواصل "تويتر"، للاشارة الى رحيل ديكتاتور وحشي"، سيكون ارثه عبارة عن "فرق اعدام وسرقة ومعاناة لا يمكن تصورها وفقر وحرمان من ابسط حقوق الانسان" حسب تعبيره.


نظام "كاسترو" الصحي 

ورغم أن النظام الصحي في كوبا ليس مثاليا، فعلى سبيل المثال يتعين على أسر المرضى توفير الوسائد والملاءات، وأحيانا حتى الطعام والعقاقير الأساسية التي يحتاجها مرضاهم الراقدون في المستشفيات.


نظام التعليم  

يعد التعليم مصدر فخر كبيرا آخر في كوبا. فقد نجحت البلاد في القضاء على الأمية في أريافها في أوائل الستينيات، كما تعترف منظمات دولية عديدة بالتزام الحكومة الكوبية بالتعليم العالي والبحوث العلمية.

ففي أوائل القرن الحالي، توصلت دراسة اجراها البنك الدولي حول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي الى أن كوبا تأتي في المرتبة الأولى في تدريس مادتي الرياضيات والعلوم في كل المراحل الدراسية للطلاب والطالبات.

ووصفت الدراسة المعاهد الكوبية بأنها "مساوية" في مستواها لتلك التي في العديد من الدول الاعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

وما زال التعليم يعد مبدأ ثابتا واساسيا للثورة الكوبية، ولكن قطاع التعليم يعاني اليوم من شح الموارد ونقص في عدد المدرسين. 

ويبدو أن عددا كبيرا من المدرسين تركوا مهنة التعليم مؤثرين العمل في القطاع الخاص، حيث يمكنهم تقاضي في يوم واحد، من تأجير الغرف للسائحين أو اعطاء الدروس الخصوصية،  مما يتقاضون في شهر كامل في المدارس الحكومية.


الاصلاح الزراعي 

وبموجب قانون الاصلاح الزراعي الذي اصدرته السلطة الجديدة، صودرت كل الاقطاعيات التي تجاوزت مساحاتها قدرا معينا، واعيد توزيعها على شكل قطع صغيرة للفلاحين او حولت الى مزارع تعاونية تديرها الدولة. وأممت الأراضي التي كان يمتلكها الملاكون الكبار - سواء كانوا كوبيين أثرياء أو شركات اجنبية مثل شركتي كوكا كولا و United Fruit Company.

ومنعت سلطة الثورة تملك جهات أجنبية لمزارع قصب السكر، وهو من أول القرارات التي أثارت عداء الولايات المتحدة. ويقال إن كاسترو أمر بمصادرة حتى جزء من املاك أسرته في فينكا لاس ماناكاس، مما أثار حنق والدته وغضبها، وحتى الأن مازال قانون الاصلاح الزراعي يعتبر اساس النموذج الزراعي الكوبي.


ولكن، ولغاية اليوم، يرى معظم المزارعين مثل ليريدو في الاصلاح الزراعي بوصفه القانون الأساس الذي منحهم حريتهم، رغم قول المنتقدين بأنه ربط الفلاحين بالدولة مدى الحياة.

لقد خففت القيود الاقتصادية الى حد ما في ظل حكم راؤول كاسترو، مما أتاح لمزارعي البن في القطب الشمالي أن يتحدوا لتأسيس تعاونية زراعية منحتهم قوة تفاوضية مع الحكومة، حسبما قال ازيكيال ابن ليريدو الأكبر.

إلا أن القطاع الزراعي في كوبا، سواء كان ذلك في مزارع البن الجبلية أو حقول قصب السكر والتبغ، يعاني - حسبما يتفق معظم العاملين فيه - من محدودية استخدام التقنيات الزراعية الحديثة. فكثير من المعدات المستخدمة في كويا يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر، المحاريث التي تجرها الثيران والعربات التي تجرها الخيل، والمناجل.


ويعاني كثير من المزارعين الكوبيين من معدل نمو بطئ في أحسن الأحوال منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بينما تضطر البلاد إلى استيراد نحو ثلاثة أرباع احتياجاتها من الغذاء.

وبينما يعد انتاج البن مهما للاقتصاد الكوبي، يحتل قصب السكر تقليديا مركز الصدارة في قائمة الصادرات الزراعية ويعد عماد الاقتصاد.


كوبا على مفترق طرق

أجريت في كوبا مؤخرا انتخابات المجلس الوطني (التي شارك فيها 605 مرشحا لشغل 605 مقعدا، كلهم من مرشحي الحزب الحاكم). واختار النواب المنتخبون - في 19 نيسان / ابريل - ميغيل دياز كانيل رئيسا للبلاد خلفا لراؤول كاسترو.

حاول عدد من المعارضين والمنشقين ترشيح انفسهم في الانتخابات الأخيرة، منهم اعضاء في جماعة تطلق على نفسها اسم أوترو 18. ويقول هؤلاء إنهم منعوا من تسجيل ترشحهم من خلال اساليب تعسفية مارستها بحقهم الشرطة وأجهزة الأمن.

لم يكن ذلك مفاجئا، رغم اجواء الانفتاح التي صاحبت الاتفاق مع ادارة اوباما على اعادة العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة.

فبعد 5 أيام فقط من ذلك الحدث التاريخي، قال الرئيس راؤول كاسترو مخاطبا اعضاء المجلس الوطني مشيرا الى العلاقات المتغيرة مع واشنطن ما يلي، "لا يجب أن نتصور بأنه في سبيل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ستتخلى كوبا عن المبادئ التي حاربنا من أجلها لأكثر من قرن والتي ضحى شعبنا في سبيلها بدمه وركب المخاطر من أجل اعلائها."

كانت رسالة راؤول بسيطة جدا: الاستمرارية السياسية، ولا مكان لتعدد الأحزاب أو المعارضة العلنية في كوبا.

قبل عقد من الزمن، كانت سياسة الحكومة الكوبية تجاه معارضيها والمنشقين عنها هو سجنهم لمدد طويلة، ولكن هذه السياسة انتهى العمل بها الى حد بعيد اليوم وحل محلها نظام جديد يحتجز بموجبه منتقدي الحكومة والصحفيين المستقلين اعتباطيا لمدد قصيرة. وتتهم الحكومة من جانبها اولئك المنتقدين بأنهم "مرتزقة" يعملون لحساب المجموعات المناهضة لحكم كاسترو ويقيمون في واشنطن وميامي.

قوبل تحسن العلاقات بين هافانا وواشنطن بشئ من الريبة على جانبي مضيق فلوريدا. فعلى الجانب الأمريكي، استنكره بشدة حاملو رايات معاداة الكاستروية وعلى رأسهم السيناتور ماركو روبيو. أما على الجانب الكوبي، فكان هناك العديد من المؤدلجين الذين عز عليهم رؤية رئيس أمريكي وهو يزور هافانا.

قال الرئيس أوباما في زيارته التاريخية لكوبا، "جئت لأدفن مخلفات الحرب الباردة في الأمريكتين"، وتحدث عن لم شمل الأسر التي مزقتها عقود العداء وسط روح جديدة من الصداقة. قالت لي إحداهن لاحقا "إنها أجهشت بالبكاء".



وبذا أعد المشهد لعودة العداء بين البلدين، وهو الموقف الذي ما زال سائدا في الوقت الراهن.

وتعقدت العلاقة أكثر نتيجة حوادث غريبة تعرضت لها السفارة الأمريكية في هافانا، حيث اشتكى أكثر من 20 من الدبلوماسيين الأمريكيين من اعراض متعددة تعذر ايجاد تفسير لها.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن موظفيها كانوا ضحايا ما وصفته "بهجمات صحية"، وحملت كوبا مسؤولية التقاعس في حماية دبلوماسييها إن لم تكن مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الهجمات المزعومة.

من جانبها، نفت هافانا أي علم بالحوادث، وقالت إن الأمر برمته عبارة عن خليط من قصص ملفقة وهستيريا جماعية الهدف منها تقويض مسار تحسين العلاقات وتبرير اتخاذ مواقف أكثر عدائية من جانب الولايات المتحدة تجاه كوبا.

وهكذا، سحبت الولايات المتحدة معظم دبلوماسييها من هافانا ولم تبق الا عدد قليل، وأضحت العلاقات الأمريكية الكوبية اليوم بعيدة كل البعد عن تلك التي كانت سائدة خلال حكم ادارة أوباما.

هذا هو الموقف السائد عندما يمسك خليفة راؤول بزمام الأمور في كوبا.


مما لا شك فيه أن أي حكومة مستقبلية في كوبا لن تجرؤ على التلاعب بالدعامات الأساسية للثورة، وخصوصا العناية الصحية المجانية والتعليم المجاني والدعم المقدم لفقراء الأرياف.

ولكن عند سؤالهم عن الكيفية التي ستتمكن بها كوبا من تحمل نفقات هذه السياسات، خصوصا وأن فنزويلا أقرب حلفاءها تجثم على ركبتيها اقتصاديا وأن ما تجنيه كوبا من صادراتها قليل جدا، يبتسم الكوبيون ولا يقولون شيئا إذ أن معظمهم لا يعرفون كيف ستتصدى البلاد للتحديات الاقتصادية المستقبلية.

يواجه الملايين من الكوبيين صراعا يوميا تحت ظروف قاسية من أجل توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، ولكن في نفس الوقت لديهم الكثير مما يستطيعون الافتخار به، خصوصا المنجزات الاجتماعية التي حققوها في ظل حكم فيدل وراؤول كاسترو، وهي منجزات تعجز على تحقيقها دول أكبر وأكثر ثراء.

ولكن بتصاعد مطالب الكوبيين بظروف معيشية أفضل، ستتصاعد ايضا التحديات التي تواجهها مؤسسات الدولة وقيادة البلاد الجديدة.