ربيع جودة يكتب: أواخر الشتا

ركن القراء



حمل إليها البرتقال..  وبقايا مشاجرة الأمس تكسو وجهه غضبا .  فلم تنتهي البارحة علي حل..  وقد سخط كلاهما علي الآخر..  لكنه عاد بعد عناء يوم طويل.. ولديه أمل أن تكون قد اعترفت بخطأها أمام إحدى المرايا الكثيرة بالمنزل .. أخرج مفاتيحه..  ليفتح الباب..  بينما تهرول هي الي أبعد غرفة حتي لا تكون في مقابلته..  أغلق الباب بقوة لتعلم بوصوله..  ووضع البرتقال .. وجريدة ذبلت أوراقها قد أوشك يومها أن ينتهي. وألقي بجسده إلى أقرب كرسي..  وانتظر أن تظهر زوجته..  لكن دون جدوي .. ألقي مفاتيحه علي زجاج المنضدة..  لتحدث صوتاً يوحي بقدومه..  لكنها أيضاً لم تخرج..  ففكر..  واعتدل ..  وتحركت ركبته اليسري في توتر..  ثم ضرب كفيه كلاهما بالآخر قائماً..  يدخل الي غرفتها..  (هوا مش المفروض إن انا جيت يا مدام) .. رفعت مقلتيها إليه ثم أعادتها الي مجلة كانت بيديها..  وهي متكئة الي مخدعها..  فارتفع صوته أكثر..  ( يعني إيه ده ان شاء الله.. اتعدلي كده وكلميني ).. ردت بوجه عابس..  (وطي صوتك الواد نايم ) .. وكأن البارحة تعود..  فاكتملت المشاجرة بفصول جديدة.. لم تدع له فرصة للتعقل..  ولم يدع لها مجالاً للمراجعة..  حتي انتهي المشهد بصوت ارتطام الباب..  تاركاً لها المنزل..  ولولا زخات المطر خلف النوافذ..  لكانت مبادرتها بترك البيت أقرب..  نزل الي الشارع يفور جسده غضباً .. لا يكترث لوابل الامطار  من فوقه .. كعادة الشتاء حين تغادر بقوة.. حتي ناداه رجل كبير السن..  صاحب محل للعطارة..  يرجو مساعدته ليدخل معه الغلال..  حتي لا تصيبها السماء..  فقام بمساعدته..  واقسم عليه العجوز ان يستتر بالدكان حتي يغيض الماء..  وبحركات بطيئة..  يصنع العجوز كوبين من الشاي جزاءاً لمعروفه..  وهو يجتذب الحديث معه  مالك .. شايفك ماشي في قلب المطر وحزين.. فرد الشاب بالحمد لله ولم يمض طويلاً حتي حكي له من أمر أهله وغضبته منهم ..  لراحة الشاب لهذا العجوز الذي سُطِرت علي محياه نصوص الحكمة. واكتست تجاعيده بسطور الفطنه..  فقال العجوز.. بصوت شجي.. زمان دارت عركة بيني وبين جماعتي. وكنت لسه شاب رجليا شايلاني ودمي حامي..  وبدل ما افهم انها لسه صغيرة..  جاريتها في الخناق..  لغاية ما اتهورت..  ولامؤاخذه  تفيت علي وشها . مش عارف عملت كده ازاي..  طلبت مني تروح لأهلها .  وعشان حسيت بالذنب إني أهنتها..  روحت معاها أوصلها لوالدتها..  وكان أبوها متوفي...  جيت أمشي من ع الباب..  أمها حلفت لادخل..  وقالت لبنتها فيه ايه يا بنتي. حكت البنت الخناقة..  وانا في نص هدومي..  بجهز نفسي إني أسمع ما أكره..  ويمكن الحكاية تتطور لطلاق. لكن الست..  كل ما بنتها تقول حاجه..  تقولها..  وفيها إيه  .. عادي.  يمكن زهقان م الشغل..  لغاية ما البنت قالتلها  ..ده تف علي وشي..  سكتت الام لحظة.  وبصتلي وعنيها مليانه دموع ..وفيها ألف عتاب وعتاب..  وقالت لبنتها..  ومالو يا بنتي .من فم طاهر..  لوجه كريم .. حسيت اني صغير أوي.. وخدت مراتي ومشيت..  وعشنا في المكان ده اكتر من تلاتين سنه .. عمري ف يوم ما زعلتها..  لحد ما سابتني وراحت لرب رحيم ..  جفت الامطار من السماء لتهطل من عين العجوز..  بينما يمضي الشاب عائداً الي بيته..  ليفتح الباب وملابسه غارقة بالمطر..  اسرعت زوجته لتحضر له ملابس غيرها .. وحملت كيس البرتقال فأمسك بيدها وعينيه تعاتب عينيها برفق..  فسقطت حبات البرتقال. تتدحرج علي الأرض..  نزلا يحبوان كالأطفال يجمعان حبات البرتقال حتي تلامسا..  لتنقضي ثورة الغضب الي ثورة أخري لعشق يملأ حنايا القلب .  ويعصف كالريح  بالوجدان