دمج التعليم الأزهري بالعام.. بين صعوبة التطبيق وازدواجية الطلاب

تقارير وحوارات



ضجت أركان مؤسسة الأزهر برفض دعوات دمج التعليم العام بالأزهري، لتكون القضايا الدينية اختيارية، بعد تصريحات الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم حول إمكانية بحث المدمج، في حين رحب الخبراء التربويين بالأمر، مشددين على ضرورة توحيد التعليم الأساسي وترسيخ مبدأ المواطنة والقضاء على ازدواجية الشخصية التي تستغلها الجماعات الإرهابية.

 

مقترح وزاري بدمج التعليمين

البداية، حينما كشف الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، عن وجود مناقشات حالية، لبحث إمكانية ضم التعليم العام والأزهري على أن تكون الأمور الدينية اختيارية.

 

وقال "شوقي" خلال اجتماع لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، برئاسة الدكتور جمال شيحة، إن الطالب بالتعليم الأزهري يحصل على المناهج العلمية لنظيره بالتعليم العادي بالإضافة إلى المواد الدينية، وبالتالي سيتم بحث دمج النظامين معًا على أن تكون القضايا الدينية اختيارية، متابعًا؛ "لو تمكنا من إحداث هذا الدمج، سيكون إنجاز جيد".

 

نظام جديد لرياض الأطفال

وبمجرد تداول مقترح "شوقي"، بدمج التعليمين، تواصل الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، تواصل معه، لاستجلاء حقيقة الأمر، قائلًا؛ إن وزير التربية والتعليم نفى التحدث عن دمج التعليمين، وإنما تحدث عن تصميم نظام جديد لرياض الأطفال بالتنسيق مع الأزهر.

 

وأهاب "شومان"، من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بالجميع عدم خلق حالة من الجدل الأجوف، حسب قوله، الذي لا يحتمله الوقت ولا يصب في مصلحة الوطن، وبين الأزهر والتربية والتعليم تعاون وتنسيق دائم لمصلحة التعليم في مصرنا، والتعليم الأزهري بخصوصيته هو تعليم مصري يقف جنبًا إلى جنب مع التعليم العام المصري ليشكلا تنوعًا لا مثيل له في بلد آخر في العالم وليس في المساس بأحدهما إلا في مجال التطوير والتحديث مصلحة لأحد، وهو ما نعمل عليه في الأزهر والتربية والتعليم معًا.

 

رفض جامعة الأزهر

في الوقت ذاته، أعلن مجلس جامعة الأزهر رفضه للدعوات التي تنادي بدمج التعليم الأزهري أو إلغائه، موضحًا أن التعليم الأزهري على مر تاريخه يرسخ المواطنة وحبّ الوطن، وكان لأبناء الأزهر على مر تاريخه دور لا ينكره إلا من لا يعرف تاريخ وطنه، فلا ينكر أحد أن البعثات العلمية في عصر النهضة ارتكزت على الأزهريين في البعثات التسع.

 

وتابع المجلس: "لا ينكر أحد أن الأزهر الشريف مؤسسة تعليمية أضاءت جوانب الوطن بل ملأ أزهريون العالم علمًا وإرشادًا في الداخل والخارج وأسهم الأزهريون في بناء الوطن وأسهم الوافدون إليه من بقاع الأرض شتى في بناء أوطانهم، بل صاروا رؤساء وزعماء ووزراء وما سعد زغلول منكم ببعيد، وغيرهم من أبناء الأزهر.

 

ولفت المجلس إلى أن الدعوة إلى إزالة التميز والتنوع في الوطن في حقيقتها دعوة لهدمه، وإزالة تاريخه ومجلس الجامعة والجامعة وكل العاملين فيها يقفون صفًا واحدًا خلف شيخ الأزهر وإمامه الأكبر، وتاريخ امتد لأكثر من ألف عام يستحيل إزالته.

 

استحالة تطبيق المقترح

ما يثار الآن من مقترح مفاداه أن يتم دمج التعليم العام بالتعليم الأزهري هذا المقترح من المستحيل تطبيقه، حسبما قال الشيخ صالح محمد عبدالحميد عضو لجنة الفتوى والتحكيم والمصالحات بالأزهر، لافتًا إلى أن التعليم الأزهري فريد من نوعه ومما اختص به الله عزوجل مصر عن كل دول العالم أن يكون فيها تعليم أزهري قائم على تعليم العلوم العلمية من طب وهندسه واقتصاد وسائر التخصصات.

 

وأوضح "عبد الحميد"، في تصريحه الخاص لـ"الفجر"، أن التعليم الأزهري الوسطي قائم على تعليم العلوم الشريعة الإسلامية في كل التخصصات من علم الحديث والتفسير والعقيدة والفقه وسائر العلوم الشرعية على أساس من الوسطية والاعتدال وكان ذلك سببًا في أن يكون الأزهر هو قبله طلاب العلم الشرعي من كل دول العالم.

 

وحول إمكانية الدمج، شدد عضو لجنة الفتوى بالأزهر، على أن التعليم الأزهري مستحيل دمجه مع التعليم العام للظروف الخاصة بكل منهما وإن كان التنسيق بين مؤسسه الأزهر الشريف ووزارة التربية والتعليم قائم حقيقة في الأمور المشتركة التي تخدم كل منهما ولكن الدمج بمعناه المعروف لن يتم.

 

وتابع؛ "ولتوضيح الأمر، فوزير التعليم، لم يصرح بأن يتم الدمج الكامل بين التعليم الأزهري والتعليم العام ولكن يقصد التنسيق بين الجهتين في إعداد مرحلة رياض الأطفال كما ورد على لسان الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف".

 

إلغاء مؤسسة الأزهر

فيما انتقد القيادي السلفي سامح محمد عبد الحميد، دمج التعليم الأزهري والعام، قائلًا؛ إنه يهدف لإلغاء مؤسسة الأزهر العالمية.

 

وأضاف "عبد الحميد"، في تصريحاته الخاصة لـ"الفجر"، أنه إذا تم الدمج فلن يتخرج شيوخ أزهريين، وبالتالي لن يكون هناك أزهر، ولن يكون هناك هيئة كبار العلماء، وهو ما ينطبق على أئمة وخطباء ودعاة أزهريين، والذي يسعى لذلك هو محمد أبو حامد المشهور بعدائه للأزهر وشيوخ الأزهر.

 

وتابع؛ أن الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف تواصل مع وزير التربية والتعليم للاستفسار عن صحة التصريح المنسوب إليه بالدمج، فنفى التحدث عن دمج التعليمين، وإنما تحدث عن تصميم نظام جديد لرياض الأطفال بالتنسيق مع الأزهر.

 

توحيد المناهج

ولم تغفل لجنة التعليم بالبرلمان عن المقترح، حيث أيدته النائبة ماجدة نصر، قائلةً؛ إنه يحتاج إلى التوافق بين الأزهر ووزارة التربية والتعليم، لتوحيد المناهج والمواد الأساسية.

 

وتابعت "نصر"، في تصريحها الخاص لـ"الفجر"، أن مقترح دمج التعليمين يستهدف تقريب مستويات الطلاب في التعليم العام والأزهري نظرًا للفجوة الملاحظة، لافتةً إلى أنه حال التوافق عليه، سيتم طرحه على البرلمان للمناقشة والإشراف عليه.

 

لجنة لتقريب وجهات النظر

أما الدكتور كمال مغيث الخبير في المركز القومي للبحوث التربوية، يقترح تشكيل لجنة تقريب لبحث دمج التعليمين، مؤكدًا على أهمية توحيد التعليم في مصر، دون النظر إلى الدين أو العرق، لترسيخ مبدأ المواطنة.

 

وأضاف "مغيث" في تصريحه الخاص لـ"الفجر"، أن طرح دمج التعليمين، ليست جديدة، بل مطروحة منذ سنوات عديدة، حيث أطلقت الدعوات المطالبة بتوحيد التعليم الأساسي في مصر، ليكون الانتماء الأول للوطن.

 

ازدواجية الشخصية المصرية

ونظرًا للاتهامات المتكررة باستغلال الجماعات الإرهابية لمناهج الأزهر، قال طارق البشبيشي الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، إنه يوافق بشدة على مقترح دمج التعليمين، الذي تأخر كثيرًا، موضحًا أنه لا يوجد في أي دولة نوعان من التعليم، هذه جريمة مسكوت عنها، كيف نقبل أن يكون هناك نوعان من التنشئة لأجيالنا؛ تعليم عام وآخر ديني.

 

وأوضح "البشبيشي"، في تصريحه الخاص لـ"الفجر"، أن وجود نوعين من التعليم، يحدث ازدواجًا في الشخصية المصرية، فهناك مواطنان بمواصفات مختلفة تنتجهما منظومة التعليم المصري.

 

والجماعات المتطرفة تستغل هذه الازدواجية للسيطرة على عقول أبناء الأزهر فيتحولوا إلى مفرخة تغذى هذه الجماعات بالعنصر البشري، حسبما أشار الباحث في شئون الحركات الإسلامية، مستدركًا؛ "علينا أن نتذكر ما فعله كثيريين من طلبة الأزهر الثانوي والجامعي بعد عزل الإخوان من السلطة فظهر حجم سيطرة الإخوان على هذه المؤسسة الدينية التعليمية، فكان هؤلاء الطلاب في منتهى الشراسة والعنف ضد مؤسسات الدولة وضد خصومهم.