د. بهاء حلمي يكتب: سيادة القانون ومسئولية الدولة

مقالات الرأي



يذهب البعض إلى اعتبار أن مبدأ سيادة القانون جزء من آليات الديمقراطية ومن الشروط الأساسية لوجود نظام ديمقراطى، فى حين أن البعض الآخر يعتبر الديمقراطية جزءا من آليات سيادة القانون على اعتبار أنها من الحقوق والحريات الأساسية التى نصت عليها قواعد قانونية ملزمة.

وبما أن دولة القانون تقتصر فيها سلطة الدولة على حماية المواطنين من الممارسات التعسفية للسلطة، كما يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونياً ويمكنهم استخدامها أمام المحاكم، ولا يمكن لبلد أن يكون به حرية ولا ديمقراطية بدون أن يكون به أولاً دولة قانون ودستور.

ويعتبر الدستور الضمانة الأساسية لقيام دولة القانون بجانب الفصل بين السلطات ورقابة القضاء واستقلاله وضمان الحقوق والحريات الفردية. وبعيدا عن الخوض فى جدل التعريفات فهناك مسلمات مؤكدة بالمواثيق العالمية والإقليمية والوطنية لتعريف مبدأ سيادة القانون وآلياته باعتباره نظاما متكاملا من القواعد القانونية المعززة بالأجهزة القضائية الفاعلة والمستقلة، التى تبيح تنظيم المجتمع وضبط أداء السلطة وتوفير الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية وتعزيزها واحترامها بدون تمييز.

وتقوم دولة القانون على أن كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق فى التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق فى حماية متساوية ضد أى تمييز وضد أى تحريض على التمييز.

ويشير مبدأ سيادة القانون الى الحكم الذى يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة، بما فى ذلك الدولة ذاتها، مسئولين أمام قوانين صادرة علناً وتطبق على الجميع بالتساوى ويحتكم فى إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان طبقا لنص الدستور.

وبالتالي فإن مفهوم سيادة القانون يرتكز على عدة خصائص مثل: خضوع كافة الأشخاص ومؤسسات الدولة ومسئوليها لسلطان القانون دون استثناء أو تمييز مع خضوع الجميع للمساءلة فى حالة المخالفة وتعزيز استقلال وَحَيْدَةِ القضاء لتحقيق العدالة المنشودة مع ضمان التشريعات الوطنية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بما يتفق والمعايير الدولية وأخيرا وضع الآليات اللازمة لمتابعة إنفاذ القوانين بشفافية.

وبالتالى فإن دولة القانون تعنى سيادة القانون فى الدولة، مع الخضوع للمساءلة القانونية والمحاسبة فى حال مخالفة ذلك.

إلا أن الواقع العملى يشير الى استمرار معاناة مبدأ سيادة القانون من خروج بعض الناس أو ابناء بعض المسئولين على القانون من خلال ايمانهم بمقولة (انت متعرفش انا مين).

وهنا تكمن المشكلة الحقيقية التى يستطيع فيها المسئول ممن يتسلح بحصانة ما أو من تابعيه الذين يمارسون طرقا غير مشروعة قانونا فى تعاملاتهم اعتمادا عليه اسوة بما كان يتبع فى زمن مضى وعلى الاخص امام رجال انفاذ القانون تحت مظلة العبارة الشهيرة.

إن من يرى انه فوق القانون سواء اكان عن طريق الاستثناء أو عن طريق البلطجة امام القانون يؤدى الى النيل من دولة القانون والديمقراطية ولن ينصلح الحال وتستقيم الامور إلا بإلغاء الاستثناءات فى كافة مناحى الحياة، ولابد من دعم رجال انفاذ القانون للقيام بوجباتهم ومسئولياتهم المناطة بهم ومساندتهم بعد خضوعهم لتدريب مستمر ومتواصل وفقا للمستويات والوصف الوظيفي بما يحصنهم من شبهة الخطأ فى تطبيق القانون أو الغلط امام من يرى نفسه اعلى من الدستور أو القانون، والالمام بالآليات القانونية ضد كل من يحاول القفز على القانون وعلينا الاستفادة من الدروس السابقة التى جعلت السجون تستقبل رئيسين للجمهورية فى توقيت واحد.

ويجب تمسك رجال انفاذ القانون بحقوق دولة القانون، وعليهم الالتزام بالسلوك المهنى الاخلاقى القانونى فلا يوجد اسمى أو أعلى من الدستور الذى يقرر عدم التمييز، ويتعين على الدولة تحمل مسئولياتها فى الالتزام بتنفيذ القيم والمبادئ الدستورية المنصوص عليها للاعلان عن خلو مصر من مصطلح– انت متعرفش انا مين-الذى يشكل اعتداءً صارخا على سمو دولة القانون والديمقراطية المنشودة.