المرأة خطاطة وناسخة للمصحف الشريف من روائع التراث الإسلامي (صور)

أخبار مصر





كثيرًا ما صورت لنا بعض الأعمال الدرامية مشاهد الجواري الحسان وهن يتراقصن في بلاط الأمراء، أو مشاهد النساء وهن يبعن في أسواق الرقيق، أو غيرها من المشاهد التي لم تر في المرأة أكثر من آداة لإمتاع الرجل على مر العصور.

ولكن العكس نجده في كتب التراث والتاريخ، القديم منها والوسيط، والحديث، فدائمًا ما كان للمرأة شأن ومكان حيثما ظهرت موهبتها وجهدها وعلمها، فهي تصبح حديث الساعة.

 

يقول الأستاذ الدكتور أحمد دقماق أستاذ العمارة بكلية الأثار جامعة القاهرة، إن المرأة كان لها شأنًا عظيمًا في التراث الإسلامي بعامة، وبشكل خاص فن الخط العربي، فمن بين الخطاطيين، تذكر لنا المصادر خطاطة متميزة وهي عائشة القرطبية، المتوفاه عام 400 هـ/ 1010م، وهي أديبة وشاعرة، من أهل قرطبة.

ويوضح د. دقماق، أن ابن حَيّان وصفها في كتابه المُقتبس قائلًا، هي عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم القرطبية، لم يكن في زمانها من نساء الأندلس من يعدلها علمًا، وفهمًا، وأدبًا، وشعرًا، وفصاحًة.

وكانت تمدح ملوك الأندلس، وتخاطبهم ندًا بند بما يعرض لها من حاجة، وكانت حسنة الخَطّ، تكتب المَصاحف، ويذكر التاريخ أن عائشة القرطبية عنيت بجمع الكتب، فكانت لها خزانة كبيرة. وماتت عذراء ولم تتزوج.

 

ولدينا أيضًا –والكلام لدكتور أحمد دقماق- الخطاطة فاطمة بنت علي بن محمد الفاسي توفيت عام 1142 هجرية، والخطاطة عائشة بنت أحمد السلاوي نسخت مخطوط من كتاب التوشيح للسيوطي وفرغت منه عام 1146 هجرية، وكذلك الخطاطة طونة بنت عبد العزيز بن موسى المتوفية عام 506 هجرية.

 

ومن جانبها قالت الدكتورة نيرة رفيق أستاذ علم المسكوكات بكلية الآثار جامعة القاهرة، والمختصة بفنون الخط العربي، إن المرأة كان لها حظ وافر في احتراف كتابة الخط العربي، وإجادته.

 

وأوضحت أن الكتابة هي الأساس لما يريد أن يسجله الإنسان بشكل عام، وبالنسبة للعرب فقد تحول الخط من مجرد وسيلة للكتابة إلى فن مستقل بذاته، وخصيصًا مع ظهور مهنة نسخ القرآن الكريم، ونشره بين الأمصار، فأصبح الخطاط له مهنة تكاد تكون مقدسة.

وكان للمرأة هنا حظ وافر –والكلام للدكتورة نيرة رفيق- حيث برع عدد من الخطاطات، في نسخ المصحف الشريف، ونسخ المخطوطات، والكتب، وكان لهن الحظوة عند الملوك والأمراء ومنهن، المقدسية زينب بنت أحمد، إحدى الخطاطات بمدينة القدس في فلسطين، وقد خطت زينب بنت أحمد المصحف الشريف، ونسخته، وتوجد نسخة مذهبة منه محفوظة بمتحف الفن الإسلامي بباب الخلق.

 

وقد التقطت عدسة الفجر عدد من الصور للمصحف الذي خطته زينب المقدسية، والذي يعتبر دليلًا على أن المرأة في العصر الإسلامي كانت تخوض المجالات حتى الشاق منها.

 

وعن مهنة الخط والخطاطين تقول الدكتورة نيرة رفيق أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، إنها من المهن الشاقة، التي يتعلم فيها الخطاط منذ الصغر، فيكن تحت يد معلم لفترة قد تصل إلى سبع سنوات، ثم يصير صبيًا أو مساعدًا لأستاذه، ثم بعد ذلك يترك للعمل تحت إشراف أستاذه، حتى يصنع عملًا يجيزه لدى أستاذه، ويصبح بعد هذا العمل خطاطًا معترفًا به.

 

وفي الإجازة كان يتم إثبات كل الخطاطين الذين تعلم عنهم التلميذ الخط حتى يصل إلى سيدنا الحسن البصري عن علي بن أبي طالب، أي أن الإجازة كانت تحوي إسنادًا يشبه إسناد الحديث، فيكتب فيها أن هذا الخطاط تعلم على يد فلان الذي تعلم على يد فلان وهكذا حتى الوصل إلى سيد الخطاطيين علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

 

وتكمل د. نيرة، من هنا نرى مدى صعوبة هذه المهنة، وكيف أنها كانت تتطلب جهدًا ومثابرة، وقوة تحمل، بخلاف توافر الموهبة والفطرة الطبيعية، التي تجعل الخطاط ينساب بأحرف اللغة العربية صانعًا منها لوحة تريح العين وتبهج القلب، ولم يقف النوع هنا حائلًا بين المرأة وبين مهنة الخطاط، كما لم يمثل لها المجتمع عقبة في سبيل خوضها هذا المجال الذي كان يعتقد البعض أنه قاصر على الرجال.