كرستينا عياد تكتب: محلب على قضبان ساخنة

ركن القراء



رغم سنواته التي راحت تزحف نحو السبعين إلا أنه يمتلك رصيد من الخبرات يتجاوز أضعاف هذه السنوات، هو المهندس الناجح والوزير المبدع ثم رئيسا لوزراء مصر بتكليف من الرئيس السابق عدلي منصور فتكليفا من الرئيس السيسي.

المهندس إبراهيم محلب الذي بدأ حياته العملية مهندسا مدنيا في شركة المقاولون العرب متدرجا حتى أصبح رئيس مجلس إدارتها قبل أن يصبح وزيرا للإسكان ومن ثم رئيسا للوزراء في رحلة جعلته خبيرا لا يشق له غبار في النهوض بالبنية الأساسية للدول خاصة في العالم الثالث .. ولأنه أحد أهم اللاعبين الأساسين في تشكيل الحكومة ولا يجوز إتباع سياسة التدوير معه مثلما يحدث في ملاعب كرة القدم فقد خرج محلب من مجلس الوزراء ليصبح المساعد الأول لرئيس الجمهورية للمشروعات الإستراتيجية والقومية.

وعلى عكس ما قد يتصوره البعض فإن هذا التكليف لم يكن من قبيل التكريم أو الحصول على لقب  شرفي يضاف إلى سلسلة ألقابه التي لا تعد، إذ جاء هذا التكليف ليحمله أعباء جديدة إلى كاهله في ظل متابعة سيادة الرئيس السيسي اليومية لتقدم الخط البياني الخاص بمشروعات البنية التحتية.

فبحسب ما ذكره محلب قبل أيام قليلة فأن الدولة قد نجحت في تنفيذ 3195 مشروع وينتظر استكمال 1200 مشروع أخر خلال الأشهر المقبلة وهو ما يعني أن محلب كان مكلفا بمتابعة أكثر من أربعة آلاف مشروع خلال أربع سنوات وبحسبة بسيطة نجد أن رئيس الوزراء السابق كان عليه متابعة ثلاثة مشروعات جديدة يوميا دون توقف أو أخد فرصة للاستراحة وهو ما يبدو مستحيلا نجح محلب في تحقيقه.

لكن من ناحية أخرى فأن محلب ليس رجل مشروعات قومية فحسب فهو عضو في مجالس إدارات العديد من البنوك والمؤسسات إضافة إلى مقعده في مجالس أمناء عدة جامعات، وهو أيضا واحد من أبرز المسئولين عن ملف إعادة إعمار سوريا والعراق، ولا مانع من قيامه باستقبال بعض الضيوف الدوليين وعقد بعض البروتوكولات الدولية.. إنه سوبر محلب الذي لا يتوقف لالتقاط الأنفاس ولا يعرف قاموسه مفهوم الراحة.


ولكن كل ما قام به محلب في حياته منذ وطأت قدماه شركة المقاولون العرب وحتى يومنا هذا أمرا.. وتكلفيه بملف سكك حديد مصر أمرا أخر، فهذا الملف الشائك لا يحتاج إلى خبرات المهندس إبراهيم محلب فحسب ولكنه أيضا يحتاج إلى محلب الطبيب المتخصص في علم "الأورام العمالية" إذ يخطئ من يتصور أن رئيس هيئة السكك الحديدية هو الحلقة الأقوى في عالم القضبان والجرارات بل لعله الأضعف بين كل الدوائر المشكلة لكيان هذه الهيئة  فالإطاحة به باتت في يد بعض العمال والسائقين والمهندسين الذين تحركهم بعض قوى الشر لتدبير عدد غير قليل من حوادث القطارات من أجل الوصول إلى أهدافهم الدنيئة، وقطعا فإن الغالبية العظمى من العمال لا ينتمون إلى تلك الفئة الضالة ولكنهم مغلوبون على أمرهم في ظل عشرات المشاكل المعيشية المتعلقة بهم بداية من ذلك النظام المحاسبي المبهم المعروف باسم الساب مرورا بعدم مساواتهم بعمال شركة مترو الإنفاق انتهاء بملف العلاج الأسري الذي يشكل ضغطا عصبيا ونفسيا هائلا عليهم.

لذلك فأنه لا ينبغى أن تكون القضبان والإشارات والجرارات هي نقطة الانطلاق لتطوير هذه المنظومة المتهالكة، فالعامل البشري هو الذي أضعف جسد ثاني أقدم خطوط سكك حديدية في العالم، فبحسب روايات مئات العمال فإنهم يقفون مكتوفي الأيدي تجاه سرقات "مهمات السكة الحديد" فصاحب البلاغ هو المتهم الأول أمام أجهزة التحقيق المعنية بهذه السرقات فالجميع يعلم بوجود مناطق شاسعة في عزب حي الشرابية حيث يتم بيع مسروقات القطارات من (كراسي وكبلات وحديد وألواح زجاجية بل وحتى الأحواض وقواعد المراحيض بالقطارات وغيرها) دون أن تجرؤ يد العدالة على الذهاب في أدغال الشرابية لردع هؤلاء.

ومن هنا فإن العمال هم حجر الزاوية في إحداث تغيرات حقيقة في تطوير منظومة السكك الحديدية، لذلك ينبغي أن تتوجه رؤية المهندس إبراهيم محلب إلى معهد وردان من أجل إنشاء أجيال جديدة من العمال المتخصصين والمدربين على أعلى مستوى تقني للخروج بالهيئة من هذا النفق المظلم .

وقد يحاول البعض أن يجعل من "زيادة سعر التذكرة" طوق النجاة لهيئة السكك الحديدية لتعويض الخسائر المتلاحقة، وهو أمر نجح فيه نسبيا احد الرؤساء السابقين للهيئة، بفضل اتخاذ عدد من التدابير الفعلية مثل الاهتمام بخطوط النقل التجاري للبضائع -وهو الاتجاه الذي يحظى بدعم مباشر من وزير النقل المهندس هشام عرفات- وكذلك إيقاف الاشتراكات المجانية التي كان يحصل عليها بعض من ذوي السلطان في دوائر الحكومة إضافة إلى إيقاف الهبات والعطايا التي كان يحصل عليها بعض المنتفعين من هواة "الشو الإعلامي"، ولكن كل هذه الإجراءات لم تكن أبدا كافية لمواجهة هذا الكم الهائل من الخسائر والذي يمكن تداركه دون المساس بسعر تذاكر الفقراء من خلال إعادة النظر في إدارة الموارد الأخرى للهيئة من أراضي ومولات ومحال تجارية والمزارع التابعة للهيئة وغيرها من الموارد التي يتم إدارتها من خلال ثمانية شركات تخضع جميعها لقانون الاستثمار والذي يشترط على هذه الشركات ضرورة تحقيق أرباح فعلية من أجل استمرارها ولكن أغلب هذه الشركات عجزت عن تحقيق الهدف من وراء إنشائها ورغم ذلك فأن هذه الشركات مازالت تنبض بالحياة وتنعش العاملين بها بالمنح والمكافآت مما يضيف خسائر أخرى إلى خسائر عملية تشغيل القطارات.

فعلى سبيل المثال نجحت شركة مشروعات السكك الحديد في تحقيق عائدات ضخمة جدا من وراء حقوق الرعاية الإعلانية لشركة مترو الأنفاق -والتي هي في الأصل أحد الشركات التابعة لهيئة السكة الحديد- فيما فشلت في استغلال قطارات السكة الحديد كلوحات إعلانية متحركة تجوب مصر من الإسكندرية حتى أسوان بينما تقتصر قطارات مترو الأنفاق على العاصمة فقط.

وعلى الرغم من كل هذه المعوقات التي تزيد من قتامه المشهد إلا أن شعاعا واحدا من النور يمكنه أن يبدد كل هذه الظلمات، بشرط أن ينجح محلب في وضع السكك الحديدية على "هامش المشروعات القومية" خاصة في ظل ذلك المجهود الذي يبذله محلب وعرفات بدعم من القيادة السياسية لتوفير شراكات دولية وإنشاء خطوط جديدة عن طريق ربط شبكة السكك الحديدية الإقليمية بالمناطق اللوجيستية والموانئ التجارية في البحرين المتوسط والأحمر.