كريم وزيري يكتب : زبانية الجبهة

مقالات الرأي



لم أتصور أن أري هؤلاء ممن يعيشون الموت كل يوم ونفوسهم راضية مطمئنة ، يقبلون علي الشهادة كأنهم يقبلون علي عرسهم ، وعلي الرغم من حداثة سنهم إلا أني رأيت في إرادتهم وحبهم لوطنهم نضوجا فاق بعض الشيب ممن بلغوا من العمر ارذله ، شباب في عمر الزهور جعلوا سيناء جهنم لكارهي الحياة ، مهمتهم الوحيدة أن يعجلوا لقاء الإرهابيين بالمولي عز وجل .

خلال تواجدي في أرض الفيروز لرصد مجهودات القوات المسلحة في العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨ ، رأيت نماذج من الشباب المصري ، قل أن تري معدنها إلا وقت الصعاب ، يؤمنون بما يقومون به في سبيل الأرض والعرض ولا يهابون الموت .

بعد يوم حافل من مرافقة القوات خلال مداهمة في احدي المناطق المشتبه بها ، جلست مع أربعة جنود داخل احدي المدرعات بعد انتهاء المداهمة ، وأثرت الحديث معهم فأعمارنا متقاربة ، قلت لاحدهم ساخرا " انتوا يا جماعة مسمعتوش عن جوهرة " ، فرد أحدهم " مين جوهرة " ، فأجبت " دي فنانة استعراضية جديدة واكله الجو دلوقتي " ، فصدمني الجندي برده " جوهرة أية بس ، قولي في مصر بيقولوا عننا أية حاسين ومقدرين ألى احنا بنعمله هنا ولا لا ؟ " 

أصابني الجندي في مقتل بعد رده ، واجبته بما طاب من الإجابات لرفع روحه المعنوية وعيناي لا تفارق تعابير وجه ويده وانا اسرد له دعاء الأمهات لهم في سيناء وتقدير الجميع لبطولاتهم علي الجبهة ، فإذا بالجندي يجز علي سلاحه بيمينه وهو مبتسم وقال " هو دة الكلام دة ألى احنا عاوزينه " ، والجنود الباقين ينصتون بتركيز وكأنهم انتشوا بعد عبارات المدح والثناء التي نقلتها لهم .

قاطعني جندي أخر " ممكن أما ترجع تطمن ابويا عشان بقالى ٩٠ يوم منزلتش اجازة ومش فاضي اكلمه واطمنه "  وضحك ساخرا " كلمه ليكون خد عزايا بس قله اما يخلص علي ولاد الكلب هينزل " .

استدعي قائد مجموعة المداهمة الجنود علي جهاز الإشارة لتنفيذ مداهمة أخري في منطقة مختلفة ، فإذا بالجنود يهرولون يذخروا بنادقهم  ، وترجلت من المدرعة ونظرت نظرة أخيرة للجندي وهو يستعد للرحيل ، فابتسم وقال لي " متخفش شهيد بيسلم شهيد " وانطلق مسرعا وتركني حائرا أكنت اتحدث الي جنود حقا أم ملائكة علي الأرض !