الفجر على خط النار في سيناء

العدد الأسبوعي



7 أيام مع أبطال الجيش الثالث الميدانى فى عملية تطهير وسط سيناء من الإرهابيين

الأبطال مكثوا فى الجبل 25 يومًا واكتشفوا 200 عبوة ناسفة و20 طن قمح ومستلزمات طبية ومخازن أسلحة

محرر «الفجر» العسكرى يروى تجربة معايشة كاملة للحرب على الإرهاب

جندى انتهت خدمته العسكرية ويرفض العودة ليظل بجانب أخوته

وضابط يستمر فى القتال 8 ساعات رغم إصابته برصاصتين

ضابط صاعقة: خدمت مع «المنسى» وتعلمت منه المحافظة على حياة جنودى أولاً

جندى يكتشف 70 عبوة ناسفة ويشترط العثور على 100 للحصول على الإجازة


يخوض أبطال القوات المسلحة، بطولات أسطورية فى مواجهتهم للإرهابيين، يقتلون كارهى الحياة ويسقطون شهداء فى الدفاع عن أرض سيناء تمهيداً للمعركة القريبة الأصعب وهى تحويل سيناء إلى مكان للأمل والرفاهية بعد أن كانت مجرد وسيلة لاستنزاف دماء المصريين وإحباط أحلامهم.

ضباط وجنود مجموعة الدعم تفقدوا أسلحتهم ومهماتهم ووسائل الإعاشة الخاصة بكل واحد منهم، وتصل لـ100 كيلو جرام يحملها كل منهم وتجمع الأبطال ووضعوا أيديهم فوق بعضها، وقرأوا الفاتحة متوكلين على الله فى طريقهم إما إلى النصر أو الشهادة، وانطلق الأبطال وبصحبتهم «الفجر» نحو العربات المصفحة والمدرعات لتبدأ رحلة الدعم للمداهمة المرتقبة وتحرك الرتل العسكرى فى خط مستقيم.. معنويات الجنود مرتفعة متعطشون للقاء أعداء الوطن.

وصل الرتل العسكرى قبل الجبل المستهدف ببعض كيلو مترات، حيث يصل ارتفاعه لـ805 أمتار فوق سطح البحر، ونزل القائد أولاً ليلتقى جنود المؤخرة من قوات الاقتحام، وقال لهم: «سنصعد من طرق مختصرة بسبب انحدار الجبل الذى يصعب صعوده بطريقة مباشرة، كانت المسافة لنقطة المجموعة القتالية ١١ كيلو متراً، اجتزناها خلال ساعتين إلى أن وصلنا لمنطقة الاشتباك.

التقينا قائد المجموعة الرئيسية المكلفة بمداهمة الجبل، حيث يطوق جنوده المكان فى مراكز قتالية وكلهم عزيمة على تطهير المنطقة وتصفية الإرهابيين، ورغم المجهود الشاق الذى عانيناه فى صعود الجبل إلا أن الجنود كانوا فى لياقة بدنية عالية، يتحركون بخفة رغم ما يحملونه من عتاد.

وشرح قائد المجموعة تفاصيل الجبل، وصعوبة تضاريسه وما يتعامل معه فى تلك النقطة خصوصاً أن جنوده مكثوا فى المكان قرابة 25 يوماً لتطهير المنطقة، وقال إن الجبل مقسم لـ3 أجزاء بدأ فى اختيار النقطة الأمثل لاقتحامه بعد تأمين الطريق هندسياً من العبوات الناسفة التى زرعها التكفيريون لمنع دخول قوات الجيش، وبعدها بدأ فى تتبع آثار العناصر الإرهابية وتطهير محيط الجبل من الألغام، وإنشاء نقاط تمركز ومراقبة للسيطرة على الجبل.

خلال المهمة رأينا كيف يتعامل الجنود مع الضباط ولم نكن نستطيع التفرقة بين الجندى والضابط حتى يكشف أحدهم عن رتبته، حتى أن جندياً كان لا يفارق قائده ويلازمه دوماً بالسلاح خلال التحرك خوفاً عليه من الإصابة وكان الضابط يأمره بعدم تأمينه فكان رد الجندي: «أنت الأهم يا فندم».

تحركنا مع آخر ضوء نهار، حان موعد الطعام ليشحن الأبطال طاقتهم لمواصلة المداهمة الجميع متحمس أما الغداء فكان عدسًا ومعلبات فول والصحون كانت قطعاً من الكرتون، وخلال الأكل بدأ القائد فى مدح جنوده على ما قاموا به خلال الأيام الماضية ليرفع من روحهم المعنوية حيث استطاعوا كشف أكثر من 200 عبوة ناسفة، وإبطال مفعولها خلال تمشيط الجبل كما اكتشفوا عدداً من المخازن داخل كهوف الجبل بها 20 طناً من القمح ومستلزمات طبية، ومخازن أسلحة وذخيرة، وورش لقطع غيار السيارات والدراجات البخارية بعد أن تركها الإرهابيون خوفاً من مواجهة المجموعة القتالية.

وحكى القائد عن جنوده الذين رافقوه خلال مداهمة الجبل، وقال عن جندى من محافظة المنيا، إنه يتميز ببصر حاد حيث يستطيع رؤية الأهداف من على مسافات بعيدة، لا يمكن كشفها بالنظارات المعظمة لذا أطلقوا عليه «زرقاء اليمامة»، كما أشاد بدقة تصويب جندى آخر بقوله: « كل رصاصة فى خزنته تعنى موت إرهابى»، وقال فى آخر إنه رغم حداثة سنه يتمتع بفطرة وغريزة عالية على اكتشاف المخازن والكهوف.

حل الليل وقسم القائد المجموعة بحيث ينام بعضهم ويتولى الآخرون الحراسة والمراقبة وتولى هو المناوبة الأولى، وفى منتصف الليل ظهر على جهاز الرؤية الليلية ضوء من مسافة بعيدة يبدو أن مصدره دراجة بخارية فأمر القائد بعدم التعامل معها حتى لا يكتشف الإرهابيون موقع المجموعة.

مع ظهور ضوء صباح تحركت المجموعة لتمشيط النقطة التالية، واكتشفت نقطة مراقبة أقامها الإرهابيون فوق تبة عالية فى الجبل، وهى عبارة عن صخور مرصوصة بشكل هندسى يشبه تكوين الجبل ويطلق عليه البعض «عش الأرنب»، ولا يظهر من المراقب إلا عيناه ليرصد تحرك القوات ويبلغ الإرهابيين بتحركاتها.

وأثناء انتشار القوات فى الجبل وتمشيطه ظهر من العدم تكفيرى تبادل إطلاق الرصاص مع القوات حتى أصيب وسقطت جثته من فوق الجبل، واقتربت القوات من المكان لتعثر على كهف يضم دراجات نارية تستخدمها الجماعات الإرهابية فى تنفيذ عمليات عدائية ضد القوات.

عدنا مع قائد المجموعة الأساسية مرة أخرى إلى مركز العمليات بعد أن تولت قوات الدعم، المتابعة والتمشيط وإنشاء نقاط تمركز وسيطرة على الجبل، وفى كتيبة العمليات تناولنا الطعام مع الجنود والضباط، حيث لا يختلف طعام أى فرد فيهم لكن أى وجبة تحتوى على كافة العناصر الغذائية اللازمة ليستطيع الجنود مواصلة التدريب والقتال، وتتنوع بين بروتينيات ونشويات ومربى وعسل، تنفيذا لأوامر وزير الدفاع لكل فرد يحارب فى سيناء.

مع أول ضوء النهار التالى استيقظنا على أصوات الجنود والضباط فى طابور اللياقة، مرتدين زى التدريب الصباحى يمارسون تدريباتهم الصباحية المعتادة ما بين العدو وتدريب الساعد وتمرينات تزيد من قوة تحمل الفرد وتجعله قادراً على المواجهة، واستمر التدريب مع ترديد الأناشيد الحماسية لمدة ساعتين، إلى أن حان موعد الإفطار وكان عبارة عن فول وجبن ومربى وحلاوة طحينية وخبر.

جاءت تعليمات قيادة الجيش الثالث الميدانى بتنفيذ مداهمة فى قطاع أحد الجبال بوسط سيناء، وانتظر الضباط والجنود كلمة قائد الجيش الثالث الميدانى قبل البدء بالعملية من خلال أجهزة الإشارة، وبدأ قائد الجيش حديثه بتوجيه تحياته للجنود فى الكتائب المختلفة وشكرهم على مجهوداتهم خلال الأيام الماضية، مثنياً على بطولات بعضهم متمنياً لهم التوفيق.

بدأ الضباط والجنود المكلفون بالعملية بالتجهيز وتحضير الأسلحة والذخائر والمدرعات التى ستداهم المنطقة الجبلية المستهدفة، وصعد الجميع إلى المركبات للتحرك، ووصل الرتل العسكرى بنا إلى كتيبة بها عناصر مدفعية تقوم بتمهيد نيرانى قبل اقتحام منطقة المداهمة.

وتلقى قائد المدفع الإحداثيات للمنطقة المطلوب التمهيد النيرانى فيها وأطلق المدفع طلقات دكت موقع العناصر الإرهابية وأصابته إصابة مباشرة وصاح الجميع «الله أكبر».

وقامت مجموعة قتالية أخرى بتأمين وتمشيط المنطقة المستهدفة وكانت عبارة عن منطقة جبلية وعرة عثروا فيها على كهف به كميات كبيرة من القمح ومواد الإعاشة والمخدرات وأجهزة اتصال ومراقبة وعملات أجنبية ومخازن للأسلحة والذخيرة وعبوات تستخدم فى تصنيع المتفجرات، كما اكتشفوا كهفًا آخر به كميات من مادة «سى 4» شديدة الانفجار وقامت القوات المداهمة بتأمين محيط الكهف والتحفظ على المضبوطات ونشر مراكز سيطرة حول الموقع.


أوضح ما يلاحظه أى مراقب لأبطال القوات المسلحة فى ساحة الحرب ضد الإرهاب، أنهم يعيشون حالة من نكران الذات، سواء كان أحدهم جندياً أو ضابطاً، رغم البطولات التى حققوها خلال العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018»، فكل أبطال العملية لديهم إصرار وعزيمة من حديد على تطهير سيناء من الإرهاب بشكل كامل واقتلاعه من جذوره حتى لو كانت حياتهم ثمناً لتحقيق ذلك الهدف.

بدأ مقدم مقاتل حديثه بقوله عن هذه الملاحظة،، «دى مش بطولة ده شغلى اللى اتدربت عليه أول ما دخلت الكلية الحربية»، صادفناه وهو لايزال مغطى بغبار المعركة والابتسامة لا تفارق وجهه، حيث كان عائداً من إحدى نقاط جبل الحلال بعد أن قتل 3 عناصر إرهابية خطرة أرادت العودة للجبل مرة أخرى، وقاطعنا ليذهب ليستحم ويستريح لساعتين حتى يستعد للعودة مرة أخرى مع مجموعة ثانية لتمشيط منطقة أخرى من الجبل.

وروى أحد قادة الجيش الثالث الميدانى بفخر بطولات ضباطه وجنوده، أثناء المداهمات خلال العملية الشاملة، والذين ضربوا أروع الأمثلة فى الفداء والتضحية، ومنهم الجندى الذى رفض الإخلاء وتسليم مهامه بعد انقضاء مدة خدمته، حتى بعد إصابته بطلق نارى فى الذراع أثناء المداهمة، إذ لا يزال فى الخدمة حتى الآن، وقال لقائد الجيش عندما التقى به: «مش همشى وأسيب إخواتى هنا».

وأشار القائد لبطولة ضابط برتبة مقدم فى معركة بأحد الجبال الوعرة بوسط سيناء حيث اشتبك بقواته مع عدد من الإرهابيين، واستشهد جنديان وأصيب آخر فى تبادل إطلاق النار ولكن الضابط استمر فى الاشتباك مع الإرهابيين لمدة ثمانى ساعات، رغم إصابته فى قدمه اليمنى بطلقتين ناريتين، حتى لا يمكن العناصر الإرهابية من الاستيلاء على أسلحة جنوده الذين استشهدوا وتمكن من تصفية عنصرين فانسحب الباقون خوفاً من شراسة الضابط فى المواجهة، حتى اطمأن على بقية جنوده وأخلى نقطته ومعه جثمان الشهيدين، وتلقى العلاج فجر اليوم التالى.

وروى قائد مجموعة أن ضابطاً مسئولاً عن إحدى النقاط الأمنية، رفض العودة من إحدى المهام رغم أوامر أحد قادة الجيش الثالث لعثوره على عدد من المخازن التابعة للإرهابيين، وقال: «مش هرجع يا فندم إلا أما اكتشف المخازن الموجودة فى المنطقة كلها»، وقضى الضابط يوماً كاملاً فى البحث، حتى عثر على 5 مخازن تحت الأرص ذات تصميمات هندسية مجهزة لحفظ سبل الإعاشة من مواد غذائية ومخازن للذخيرة والسلاح. وفى بطولة أخرى لأحد ضباط الجيش الثالث الميدانى، ضرب نقيب مقاتل أروع الأمثلة فى الفداء والتضحية، أثناء إحدى المواجهات مع العناصر الإرهابية حيث أصيب فى ذراعه بطلق نارى فلم يشعر بالألم وظل يتبادل النيران مع الإرهابيين، إلى أن سقط سلاحه على الأرض دون أن يشعر فنبهه أحد الجنود بجواره إلى أن الذراع مصابة.

وروى قائد مجموعة قتالية عن أحد جنوده أنه، أثناء إحدى المداهمات فى الجبل تبادل جندى النيران مع عنصر تكفيرى إلى أن نفدت الذخيرة منهما وقال التكفيرى للجندى « قول إن أنت معانا وأنا مش هقتلك»، فرد الجندي: « ده على جثتى أنى أقول أنى معاكم»، ورغم إصابة الجندى فى رقبته بجرح عميق بسلاح أبيض من العنصر الإرهابى إلا أنه صمم على مواصلة القتال وقتله، وتم نقل الجندى لتلقى العلاج لكنه استشهد متأثراً بشدة الإصابة وكانت آخر كلماته لقائده قبل أن يلفظ أنفاسه: «أنا مسبتوش يا فندم».

والتقينا ضابطاً من قوات الصاعقة المسئولة عن تنفيذ المداهمات والمواجهات فى المناطق الجبلية الصعبة، كان قد عمل إلى جانب الشهيد العقيد أحمد المنسى، فى إحدى الكتائب، وعندما سألته عن أهم ما تعلمه من الشهيد قال: «أحافظ على الجنود ورائى وأن أحميهم حتى لو كان الثمن حياتى.. لأن الصاعقة تكون فى طليعة القوات بالتعاون مع كافة الأسلحة الأخرى فى تنفيذ المداهمات الرئيسية خاصةً فى الجبال الوعرة والمناطق الصعبة التى يصعب دخولها بالمدرعات والمركبات وتحتاج إلى الدخول مترجلاً على الأقدام».


المهندسون العسكريون هم الأبطال الذين يكونون فى طليعة أى قوات قبل مداهمة أى وكر إرهابى أو منطقة جبلية لأنهم يقومون بتمشيط الطريق من الألغام الأرضية أو العبوات الناسفة التى تزرعها العناصر الإرهابية لاستهداف المدرعات والعربات المصفحة والأفراد المقاتلين مستغلين الطبيعة الجبلية لوسط سيناء وعنصر الاختباء والتمويه، ولذا عمل سلاح المهندسين العسكريين على تدريب أفراده على أعلى مستوى لكشف تلك العبوات وإبطال مفعولها قبل دخول قوات المداهمة. وخلال تواجدنا فى إحدى كتائب العمليات الميدانية بوسط سيناء التابعة للجيش الثالث الميدانى، شاهدنا أبطال المهندسين العسكريين يتدربون على كيفية استخدام أحدث النظم التكنولوجية لكشف الألغام والعبوات الناسفة ومسح وتمشيط المنطقة هندسياً قبل دخول القوات.

وقال جندى مقاتل من سوهاج بسلاح المهندسين إن خدمته فى القوات المسلحة سنتين، تعلم خلال الـ20 يوماً الأولى فقط استخدام جهاز كشف الألغام الأرضية، واستطاع وزملاؤه خلال فترة خدمته تمشيط أكثر من 4 جبال فى قطاعات مختلفة من من العبوات الناسفة، حيث اكتشفوا كميات كبيرة من العبوات الناسفة قبل دخول القوات. وأضاف الجندى: « فى كل تمشيط هندسى، كل ما أفكر فيه هو سلامة زملائى من القوات المداهمة، وتنتابنى السعادة عندما أكتشف عبوة بعد عناء التدريب المستمر، مؤكداً أن المصرى قادر على تعلم واستيعاب أى تكنولوجيا حديثة بالتدريب الجيد والعزيمة والإصرار».

وقال جندى مقاتل من محافظة دمياط، متزوج وله ولدان، إنه يقوم بتدريب الجنود المستجدين على استخدام جهاز كاشف الألغام والعبوات الناسفة، مشيراً إلى أن الجندى المصرى لديه قدرة عالية على التعلم بسرعة والتعامل مع جميع الظروف الطارئة بالفطرة والغريزة.

وأضاف الجندى: إنه قبل أى مداهمة يترجل من المدرعة ومعه جهاز كشف الألغام بصحبة مجموعة من المهندسين العسكريين الذين يعاونونه فى مسح وتمشيط المنطقة قبل دخول القوات المداهمة للتأكد من خلوها من الألغام وبعدها تتقدم القوات فى المنطقة التى تم مسحها هندسياً. وأكد جندى مقاتل من محافظة المنيا، أن أقصى ما تستطيع العناصر الإرهابية عمله هو زرع عبوات ناسفة بطريقة «المسطرة» أو ألغام أرضية أو عبوات موجهة فى طريق المركبات على الطريق، حتى يكبدوا القوات خسائر بدون أى مواجهة مباشرة، وهو ما تتعامل معه القوات ودور المهندسين العسكريين كشف تلك العبوات وإحباط خطط التكفيريين فى استهداف القوات بدون مواجهة. وقال الجندى،: «لا أخشى الموت وأتمنى الاستشهاد أثناء مواجهة أعداء الوطن، وغايتنا تطهير قطاعنا فى وسط سيناء من العبوات الناسفة حتى يتم تعميرها وتنميتها فى المستقبل» مشيراً إلى أنه عثر منذ بدء العملية على 70 عبوة ناسفة وأخبر قائده بأنه لن يأخذ إجازة حتى يكملهم 100 عبوة.