أحمد سعده يكتب: هل فقدت الثورة بوصلتها ..؟؟

مقالات الرأي

أحمد سعده يكتب: هل
أحمد سعده يكتب: هل فقدت الثورة بوصلتها ..؟؟


الكثيرون بالغوا في نظرتهم إلى الثورة المصرية ووصفوها بالكمال، بل أن الشوفينية المصرية صدرت أوهاما للثوريين الرومانسيين مغزاها أن ثورتنا ستسطر تاريخا جديدا للعالم كله وتغيره، وكان من السذاجة والطفولة أن يتوهم الثوريون أن أي ثورة مهما كانت طبيعتها وخطاها ومهما توافرت لها من شروط موضوعية أن تؤدى إلى استيلاء الثورة على سلطة الدولة، لكن تصور وصول الطبقات الشعبية لسلطة الدولة ينطلق من موقف يميني يريد سلطة جماهيرية لخدمة الرأسمالية التابعة والخاضعة لاملاءات وشروط الإمبريالية.

وكنتيجة للفجوة بين الواقع والطموح أصاب بعض الطبقات الثورية نوع من الإحباط الغير مبرر زين لهم أن الثورة أصبحت في ذمة التاريخ، رغم أنها لا تزال فى منتصف الطريق، إن لم تكن فى بداياته، كما أن الثورة المضادة فشلت حتى الآن فى تحقيق الأهداف الأساسية الشريرة رغم منجزاتها الفعلية كما لم تنجح أيضا للآن في الخروج الآمن من (مأزق) الثورة بسبب طاقات الثورة الشعبية المتجددة باستمرار.

نجاح الثورة المصرية لاتكمن أهميته القصوى في التخلص من أشباح الدولة الدينية وحل جماعاتها وأحزابها، ولا حتى بتلك الأهداف الوهمية التي يتبناها الثوار الحالمون والمنظرون والمفكرون أصحاب الوعي والنضج العلمي، لأن نضالات الشعوب وإن نجحت ثوراتها تصنع أدواتا وأساليبا جديدة لحياتها ونضالها لكن دون الوصول مطلقا إلى السلطة. بما يعنى أن الشعوب أو الطبقات الشعبية العاملة والفقيرة لا تصل إلى السلطة أبدا، حيث أنه وبمجرد انتهاء تطور التناقضات فى صفوف الحركات الثورية عقب وصولها الجماعى لسلطة الدولة ظاهريا، تنشأ وترسخ طبقة رأسمالية استغلالية جديدة.

لذا فالحقيقة أننا بصدد ثورة سياسية وليست اجتماعية كالتي كانت في بلدان اوروبا الصناعية، والثورات السياسية لا تحقق ولن تحقق بحكم طبيعتها سوى تطور تاريخى يعرف عبر الزمان والمكان وثورات الدنيا باسم الديمقراطية الشعبية، مع بقاء سلطة الدولة واقتصادها بين أصحاب الرأسمالية التابعة سواء كان النظام إخوانيا أو عسكريا أو ليبراليا، ديمقراطية شعبية حقيقية لاتقتصر مهامها فقط على فكرة التخلص من الاخطبوط الإخواني بمخططه الشرير لاعادتنا قرونا للخلف، بل التحرر من كل القطاعات الرأسمالية التابعة للتحليق إلى مستقبل آخر وأفضل، والضمانة الوحيدة لاستمرار الثورة هي تلك الأوضاع المتردية الاجتماعية والاقتصادية الساحقة لطبقات الشعب الفقيرة والعاملة اضافة الى وصول الوعي الثوري لعناصر الثورة الحقيقيين المخلصين لأعلى آفاقه مع ضرورة استثمار التناقض والصراع بين أطراف الثورة المضادة، وألا يدفعنا الرفض الشعبي الواسع لحكم الإخوان المسلمين وضرورة التحرر من براثنهم الى تبني حكم الجيش الذى أتى بهم أساسا إلى السلطة.

ومع الحديث عن الأحداث الجارية لايمكن تجاهل دور المؤسسة العسكرية والتي ستبقى مستعصية صعبة التحدي لأي رئيس جمهورية تماما كما استعصت طروادة على الأثينيين، إنها دولة داخل الدولة، قوة مادية وعسكرية تفوق كل التنظيمات داخل مصر قاطبة، المؤسسة العسكرية لم تكن يوما تسعى لخروج آمن كما تخيل البعض بل أن هدفها كان ومايزال حماية النظام ودولته وحماية الطبقة المالكة، ومع تدهور الحالة الأمنية داخل البلاد والتي تؤكدها إضرابات الشرطة وتهديدات ميليشيات الجماعات الإسلامية بقمع المعارضين تحت غطاء قانوني استنادا للدستور الملفق تلفيقا تعالت بعض الأصوات التي ترى أن الجيش بعيدا عن قياداته العليا الحالية ضرورى للأمن الداخلي للبلاد، مايعني انقلاب الجيش على الحكم الإخواني وهو احتمال وارد، وفي تقديري هو أمر بالغ الخطورة بل هو الطريق إلى الجحيم، طريق الحرب الأهلية، حرب لن تبقي ولن تذر لطالما حذرت منها وناشدت في كتابات سابقة إلى الاستماتة في تفادي وقوعها والاستعاذة بكل أنواع التعاويذ من شرورها وويلاتها، لكن الحرب الأهلية لن تكون هنا بين السلطة والشعب كما حدث في ليبيا واليمن ويحدث في سوريا ولكنها حرب بين السلطة متمثلة في الإسلام السياسي، والقطاعات الحاسمة في الطبقة المالكة بقيادة الجيش ومباركة الطبقة الرأسمالية التي تحبذ تماما الحكم العسكرى عن قفص الإخوان بل أصبحت تطمح لأن تصبح طبقة حاكمة من خلال ممثليها وأحزابها بعد أن عاشت عقودا طويلة تحت وطأة حكم الشخص وعصابته كطبقة رأسمالية مالكة دون أن تكون طبقة رأسمالية حاكمة. لكن هذا الأمر وإن حدث فلا عزاء لمنجزات الثورة التي ستتبخر بحكم الجيش وتنتهي تماما كما فعل انقلاب يوليو 1952 حين دمر كل منجزات ثورة 1923، لذا فإن النداءات التي تطالب بنزول الجيش وانقلابه على السلطة تفتقد لكثير من خبرات الماضي القريب وأقصد بها تلك اللحظة التي استلم فيها المجلس العسكري الحكم بعد الانقلاب على مبارك لانقاذ نظام مبارك بأمر من مبارك حيث كان ذلك هو الخيار النموذجي لقيادات المجلس العسكري لتفادي التورط في مواجهة دامية مع الشعب مستفيدا من دروس التاريخ التي مفادها أن أي حرب أهلية طالت أو قصرت شرقت او غربت يشنها النظام الحاكم فى بلد ما على شعبه تنتهى بشكل نموذجي بعد أن تضع الحرب أوزارها وأهوالها وفظائعها إلى هزيمة ساحقة ماحقة لهذا النظام مع تدمير وتمزيق كامل للطبقة الحاكمة، تلك اللحظة الفارقة في تاريخ ثورتنا والتي شهدت تفويض شعبى عفوى، كانت علامته الحقيقية هي السكوت رغم امتلاء الصدور بالشكوك، وكانت تقتضي التوافق على قيادة عليا للثورة من زعماء الثورة الحقيقيين لاستلام السلطة بعيدا عن أي تمثيل للعسكر أو الإخوان، مع إسناد مهمة الأمن الداخلي للجيش اضافة الى أعبائه، نظرا للهزيمة الساحقة التي ألحقها جمهور الشعب الأعزل بقوات داخلية العادلي، لكن المجلس العسكري أبى أن يسلم السلطة رافضا كل المقترحات والبدائل.

الثورة مازالت لم تفقد بوصلتها بعد، رغم محاولات الإخوان السريعة والماجنة في أخونة الدولة على طريق خطة (التمكين) السرية وتنفيذ مخططهم الجهنمي للاستيلاء على كامل السلطة والاقتصاد واعادتنا الى عصور القرون الوسطى حيث التخلف والرجعية زاعمين أنهم ينتمون إلى الثورة بل أنهم هم الثورة جسدا وروحا لحما ودما، الاخوان المسلمون رغم مشاركتهم لأيام معدودة في الثورة لايعني تصنيفهم على أنهم قوى ثورية فوقوفهم كتفا الى كتف مع الثوار على نفس الأرض لم يكن للمشاركة في النضال جنبا الى جنب إنما كان لفرض تحالفهم على نظام مبارك واستخدام الثورة وتطويعها للقفز على السلطة، وكانت الصورة أشبه بخصمين يتقاتلان سويا لكن من بعيد تراهما وكأنهما يتعانقان هذا بالطبع لايندرج على كل الإخوان وملايين من مؤيديهم حتى لاتأخذني نرجسية مضادة أو أنانية مني في تعميم الأمر، لكن بالتأكيد يتطابق تماما على قياداتهم العليا ومكتب إرشادهم، وعلى كل حال ليس فقط الاخوان من يتغنون بالثورة ويملأون الدنيا ضجيجا بالانتماء إليها بل أيضا العسكر والليبراليون اليمينيون وحتى الفلول، وبمواجهة زعم الإخوان المسلمين بأنهم أصحاب فضل ودور هائل في الثورة، بالغ حتى بعض المفكرين والساسة والفلاسفة في تقدير هذا الأمر رغم تجلي الصورة واضحة بتوظيف الاخوان للثورة واستخدامها كوسيلة في الضغط على نظام مبارك-طنطاوي والتي ما تخلوا عنها سريعا بعد اقتناص الفرصة التاريخية التي أهدتهم الثورة إياها وكان جزاؤها منهم جزاء سنمار.

الإخوان المسلمون رغم شعورهم بالقلق والخوف على مصيرهم الذي يهدد بقاؤه استمرار الثورة الشعبية ويؤكده اندفاعهم المجنون نحو الهروب بعيدا في طريق الانفراد بكامل السلطة إلا أنهم وعلى خطى مبارك استطاعوا تضليل وجرف الشعب بمساعدة حلفائهم السلفيين وشخصيات انتهازية وقيادات ليبرالية يمينية إلى مستنقعات القانون في زمن الثورة واختيار المسار التشريعي والدستوري والبرلماني بدلا من استكمال الثورة، وظهروا عبر ألوف البرامج الحوارية التليفزيونية متحدثين عن الصناديق والديمقراطية والانتخابات بمناظرة أطراف أخرى تمثل الليبرالية اليمينية وتضخيم الحدث حتى صار الملايين لاينقطع حديثهم عن الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية أو الاستفتاءات الدستورية تحت شعارات (المشاركة لا المقاطعة)، (وكن إيجابي ولا تترك صوتك)، وهذا الأمر في حقيقته لايمكن سوى تسميته الوهم الأكبر أو الديمقراطية من أعلى بإنشاء نظام حكم ديمقراطي لايؤمن أساسا بمبادىء الديمقراطية ويتحكم في كل سلطاته فصيل واحد معتمدا على تزييف إرادة المصريين والمتاجرة بثورتهم واستغلال شعارات دينية إضافة إلى ثالوث الفقر والجهل والمرض الذي يطحن الملايين من سكان الريف والصعيد في تدمير قدرة الجماهير على انتزاع ديمقراطية حقيقية من أسفل ستتحقق لاحقا رغم أنف أعداء الثورة لكن على مدى ليس بالقصير.

ومع الحديث عن السلطة والإقتصاد في مصر لايمكن تجاهل الدور الذي تلعبه واشنطن العاصمة البراجماتية المستعدة كعادتها للتعامل مع أيّ فصيل سياسي يصعد إلى السلطة فى مصر، وكالعادة أيضا مستعدة دائما لتقوية علاقاتها بمختلف الفصائل السياسية الأخرى التى قد تصل بها ظروف وأحداث بعينها إلى السلطة المهم هو انتماء تلك الفصائل لنفس طبقة الرأسمالية التابعة مع توافر شرط الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات التي ترعى مصالح أمريكا اقتصاديا واسرائيل عسكريا، كما أنها على أتم الاستعداد الدائم للتخلى عن أىّ حليف في حال ان صار ضياع السلطة منه أمرا لامفر منه تماما كما فعلت مع مبارك وتماما كما تسحب تأييدها بشكل تدريجي حاليا للإخوان المسلمين من خلال تصريحات مسئوليها، ولمن مازالوا لايصدقون للآن الدور الأمريكي في وصول الإخوان المسلمين للسلطة فإن التحليلات تضعنا امام بعض العوامل التي تؤكد هذا الدعم، أولها تفضيل أمريكا للاعتماد على جماهيرية الاخوان المسلمين في مصر وجاهزيتهم كبديل خاصة مع إفلاس نظام مبارك الاستبدادي الفاسد اضافة لقدرة الاخوان على احتواء الجهاديين والجماعات المتطرفة ولجمهم، وثانيها تسليم الولايات المتحدة بضعف القوى الليبرالية واليأس من صعودها نحو السلطة رغم انتمائها أيضا لنفس طبقة الرأسمالية التابعة التي ترعاها أمريكا، ثالث الاحتمالات يذهب الى تبني أمريكا لفكرة إقامة نظام حكم إسلامي سني في الشرق الأوسط يعمل على استعداء الشعوب العربية ضد إيران وترويج شعارات دينية وهمية تحذيرية من الشيعة وخطورتهم على المسلمين وتهدف امريكا من أقامة هذا الحكم الاسلامي السني الإعتماد عليه في مواجهة الخطر الإيراني واستخدامه حال توجيه ضربة عسكرية أمريكية-اسرائيلية لإيران. والاحتمال الرابع هو احتمال وليد الفترة الحالية تذهب تفسيراته إلى أن أمريكا ساعدت الاخوان على الوصول للحكم بسبب الرغبة لديها في اشعال ونزع فتيل حرب أهلية لايمكن أن تحدث في مصر إلا بوصول الإخوان للسلطة وذلك بهدف إضعاف مصر عن إسرائيل وهو احتمال بعيد نوعا ما ويمكن تجريده بثلاثة أسباب أولها الواقع الفعلي لضعف مصر عسكريا مقارنة باسرائيل والسبب الثاني هو استبعاد صراع عسكرى أصلا مع الجانب الاسرائيلي، والثالث هو امتلاك أمريكا لأدوات اقتصادية متعددة للضغط على الحياة السياسية في مصر والتاثير فيها، لكن حتى لاتفهم كلماتي خطأ فهي لاتملك الضغط على أزرار للتغيير في مصر إنما تملك من النفوذ مايساعدها على تشكيل الحياة السياسية والاقتصادية في مصر بما يخدم مصالحها.

على الثوار المخلصين والحقيقيين الاستمرار في ثورتهم ونضالهم الثوري دون الاستعانة بالجيش أو منظمات دولية، ودون ان يكونوا عنصرا مساعدا في تأجيج حرب أهلية لن تخدم تطور نضالهم، وألا ينحازوا لهذا الفريق أو ذاك مثلما فعلوا من قبل في انتخابات الرئاسة، لكن عليهم تحديد أهدافهم بانتزاع ديمقراطية شعبية من اسفل تكون نواة وبداية لعصر جديد من الحداثة والتطور الصناعي في سبيل التحرر من التبعية الاقتصادية واستثمار ما أنجزته الثورة حتى الآن من انتزاع الخوف من القلوب وتحقيق المبادرة النضالية، وتمهيد الطريق لانتزاع حقوق وحريات وممارسات كافة الاحتجاجات الشعبية بأشكالها وتنوعها من تظاهرات واعتصامات وإضرابات، والمضي قدما في طريق تحقيق عدالة توزيع الثروة وتأمين الأجور العادلة في ظل أسعار جنونية. والنضال في شتى المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.