هذه أبرز الميليشيات الإفريقية المقاتلة فى جنوب ليبيا

عربي ودولي




عادت التوترات الأمنية جنوب ليبيا، وعاد معها الحديث عن وجود قوات وعناصر أجنبية تقاتل من أجل السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية ومنافذ التهريب، فالصراع المعقد في هذه المنطقة لا ينحصر بين الليبيين فقط، وإنما تداخلت فيه الفصائل الإفريقية المعارضة وتشابكت فيه خريطة التحالفات، فتحوّل إلى حلبة حروب أهلية واقتتال قبلي.

هذا الانفلات الأمني الخطير في الجنوب الليبي، الذي يعزّزه وجود قوات من خارج الحدود، أثار مخاوف داخلية من فقدان السيطرة على هذه المنطقة لصالح العصابات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، خاصة في ظل استمرار ظاهرة نزوح الأهالي من الجنوب نحو الشمال.

وتمكنت الكثير من القبائل الإفريقية بعد سقوط نظام القذافي، خصوصاً التي لها امتدادات في المنطقة بين عدة دول في منطقة الساحل، من الهجرة إلى الجنوب الليبي، وتمكن الكثير من أبناء تلك القبائل من تزوير الهويات الليبية والانخراط في الصراع الأهلي في ليبيا.

لكن هذه الهجرة لم تكن طواعية، بحسب الباحث الليبي وأستاذ العلاقات الدولية والسياسات المقارنة إبراهيم هيبة، بل كانت "مدفوعة من قبل حكومات دول الساحل على غرار مالي والجزائر والنيجر وتشاد والسودان، بهدف التخلص من تلك القبائل، التي تقطن الصحراء، لأن معظمها ينتمي إلى المعارضة المسلحة التي كانت لها أدوار سلبية في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة خاصة للشركات الفرنسية العاملة هناك".

وأضاف هيبة، المنحدر من منطقة وادي الشاطئ جنوب ليبيا، أن فرص التخلص من هذه القبائل والدفع بهم نحو ليبيا ومحاولة توطينهم في الجنوب الليبي بعد سقوط نظام القذافي "كانت بمثابة الفرصة التاريخية لتلك الدول لتحقيق نوع من الاستقرار الأمني والسياسي لها".

وأوضح أن الفصائل الإفريقية، التي تحتل جنوب ليبيا "لا تنحصر فقط في المعارضة التشادية وإنما هي خليط من احتلال لقوى تشادية ونيجرية ومالية وسودانية مدفوعة من قبل حكومات الساحل أو الطوق الإفريقي وبعض القوى الكبرى ذات المصالح، استغلت الفراغ السياسي والأمني لتجعل من منطقة الجنوب الليبي مرتعاً لها ومركزاً لمهربي البشر من إفريقيا ومهربي السلع والمخدرات".

وتحدث هيبة في الدراسة التي أعدّها عن الأوضاع في الجنوب الليبي، عن وجود وتمركز 7 فصائل أو ميليشيات إفريقية، بعضها مرتبط بدولة قطر، تقاتل وتحتل التراب الليبي بعد أن استطاعت الحصول على الأسلحة والآليات العسكرية والأموال المتأتية خاصة من التهريب، وهي:

حركة العدل والمساواة السودانية
تعدّ أشهر حركة تمرد في السودان تنتمي إلى قومية "الزغاوة" انتقلت لليبيا منذ 2011، وشاركت في العديد من النزاعات الليبية كمرتزقة، لها مواقع غير ثابتة في الجنوب الغربي لليبيا، شاركت في الهجوم على سبها في عام 2014.

حركات المعارضة المالية والنيجرية
وتنتمي إلى قبائل الطوارق، قدمت من مالي زواد وجنوب الجزائر وشمال النيجر وبركينافاسو وموريتانيا وشمال السنغال، لتستقر أغلبها في منطقة "وادي الحياة" أو ما يعرف بـ"وادي الآجال" وبمدينة غات، وعدد كبير منها استوطن في مدينة سبها، ومعظمهم منخرطون في جماعات مسلحة تمارس الحرابة وقطع الطرق، وشاركت في الكثير من الصراعات الأهلية في ليبيا، حيث استعان بهم النظام السابق واستعانت بهم أيضاً الكثير من الميليشيات الليبية بعد سقوط نظام القذافي، كما استطاع عدد كبير منهم تزوير الوثائق الليبية.

المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية
من أبرز حركات المعارضة التشادية، تتمركز في عدة مواقع جنوب سبها، يزعم قادته أن لديهم قوات من الأفراد تصل لأربعة آلاف فرد، يشهد انضمام المزيد من الضباط والعساكر التشاديين الذين ينشقون حديثاً عن نظام "إدريس ديبي"، خصوصاً من قومية (الدازقرا)، يترأس مجلس قيادتها "أبكر شريف عيسى" كأمين عام خلفا لـ"محمد حسن بولماي" الذي اعتقلته الحكومة النيجرية مع عدد من معاونيه عند دخوله النيجر قادماً في زيارة من مواقعهم في الأراضي الليبية وذلك قبل أسابيع.

جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد
تتمركز حالياً في عدة مواقع بالقرب من سبها وفي عمق الجنوب في بلدة "أم الأرانب"، يقودها مهدي علي محمد والجنرال محمد نوري، وهو زعيم شهير للمعارضة التشادية كاد يستولي على أنجامينا في 1998، كما أنه وزير سابق ينتمي لقبائل "أناكزة" المنتمية لشعب "الدازقرا" الذي يعتبر شعب التبو أحد فروعه.

فرضت الحكومة الفرنسية عقوبات على الشخصين في منتصف 2017 حسب تقرير الخبراء الدوليين، وهما وثيقا الصلة بقطر ومتحالفين مع القوة الثالثة مصراتة، وقد شاركت حركتهم في حرب يناير 2014 لاحتلال مدينة سبها.

تجمّع القوى من أجل التغيير في تشاد
هو إحدى حركات المعارضة التشادية المسيطرة على جنوبي ليبيا، ولها مواقع في جنوب سبها ويغلب عليها الانتماء القبلي من خارج قومية (الدازقرا) وتحديدا القوميات التشادية المنتشرة في شرق تشاد، وأهمها (الزغاوة) التي ينتمي إليها زعيم هذه الحركة الجنرال تيمان أردمي، وهو واحد من أشهر قادة المعارضة التشادية. 

شغل قبل تمرّده منصب مدير مكتب الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي تربطه به صلة رحم، كاد ينجح التحالف الذي أنشأه مع الجنرال محمد نوري في إسقاط حكم إدريس ديبي في 1998.

وتيمان أرديمي مقيم في قطر منذ قرابة 10 سنوات، ويقود حركته من هناك، شاركت مجموعته في الهجوم على قصر بن غشير كمرتزقة في العام الماضي. وهذه الحركة وثيقة الصلة بحركة العدل والمساواة الدارفورية بحكم العلاقات القبلية. 

وتلقت الحركة ضربة موجعة إثر الاقتتال الداخلي الذي حدث بمدينة سبها بين عناصر الحركة في شهر 12 الماضي ونتج عنه مقتل قرابة 10 أفراد من كبار قادة الحركة وكوادرها الميدانيين.

الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد
تتكوّن من شعب التبو تأسست في جبال "التو" أو "تيبستي"، انتقلت أغلب كوادرها للعمل في جنوب ليبيا كنشطاء تبو، يزعمون أنهم ليبيون، وكثير ممن يتصدرون واجهة التبو في الجنوب المحتل هم عناصر بارزون في هذه الجبهة وكانت الحكومة الليبية قد سجنت أكثرهم بطلب من الحكومة التشادية التي طالبت بتسليمهم في التسعينات.

القوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء
هي حركة تمرد مكونة بالكامل من التبو وموجهة ضد حكومة النيجر، وقعت اتفاقيات مع الحكومة النيجرية ثم انتقلت مع 2011 للعمل في جنوب ليبيا، ومن أبرز زعمائها بركة وردكو المهدي، الذي استعان به النظام أولاً ثم نجحت قوى استخباراتية دولية في قلبه في منتصف 2011 ليؤسس نواة لكتيبة مسلحة أسماها "درع الصحراء".

تمثل كوادر هذه الحركة النيجرية عناصر نشطة في جنوب ليبيا منذ 2011، من أبرزهم بركة وردكو وشقيقه محمد وردكو، وكذلك المدعو محمد صندو الذي مثّل التبو في اتفاقية الدوحة للصلح بين الطوارق والتبو في الحرب التي شنتها جبهات المعارضة التشادية لاحتلال مدينة أوباري، ثالث أهم مدن الجنوب، شغل في التسعينات منصب نائب الرئيس النيجري بناء على اتفاقية الجزائر للسلام.

وفي ظل هذا الواقع، ومع استمرار تواجد الفصائل والقبائل الإفريقية المسلحة في منطقة الجنوب الليبي تحت مسميات حرس حدود وحرس منشآت نفطية، برزت مخاوف من إمكانية توطين هذه المجموعات خاصة بعد أن تحصل العديد منهم على مستندات وهويات ليبية، بطرق غير قانونية وأصبحت أعدادهم تفوق في بعض الأحياء والمدن أعداد الليبيين، الأمر الذي يهدد التركيبة السكانية والديمغرافية للجنوب الليبي.

وفي هذا السياق، أكد أيوب الشرع، رئيس الأمانة العامة لمجلس الشيوخ في ليبيا، وجود قوات أجنبية في عديد المناطق بليبيا وتستخدمها الأطراف المسلّحة كمرتزقة، معتبراً أن ذلك يأتي في إطار "مخطط دولي لخلق شرخ اجتماعي وضرب السلم الأهلي والسعي إلى تغيير ديمغرافي لمنطقة الجنوب الليبي ومكوناتها الاجتماعية، وهو الأمر الذي يهدّد وحدة البلاد".

هذا المشهد الفوضوي في الجنوب الليبي، يمثل فرصة مواتية ليس فقط للقبائل والمجموعات الإفريقية للتمركز والنشاط وتعزيز نفوذها، وإنما كذلك لتنظيمي داعش والقاعدة للتمدد داخل المدن والسيطرة على منطقة الجنوب واتخاذها معقلاً جديداً لها بعد طردها خاصة من سرت وبنغازي.

وقال النائب في البرلمان عن مدينة القطرون، صالح قلمة، إن "هناك خشية اليوم من تمدد داعش والقاعدة وسط الفراغ الحالي الموجود في جنوب ليبيا"، مضيفاً أن "العناصر المتطرفة تتحرك بحرية تامة ولم يبقَ لها إلا نقطة الصفر لتضرب وتسيطر بسهولة تامة على المنطقة".