محمد جودة يكتب: صفقة القرن والقادة مسلوبي الإرادة

ركن القراء



إن قرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس يؤكد أن الترتيب المنطقي كان يقتضي طرح صفقة القرن ليعقبها إتخاذ هذا القرار إن كان ضرورياً , لكن إتخاذه قبل عرض الصفقة علي المعنيين بها بصفة رسمية ومُعلنة يعني أن الصفقة وُضعت في ثلاجة الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية معاً كما إن القرار الذي إتخذه الرئيس الأمريكي بالإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل يعني تخلي الولايات المتحدة عن حل الدولتين الذي قدمته هي نفسها في مشروع قرار صدر تحت رقم 1397بموافقتها ، مُتضمناً التأكيد عليه كحل دائم للصراع   الفلسطيني / الإسرائيلي , لكن وبعد صدور قرار ترامب بنقل السفارة الامريكية للقدس ،يدلل أن صفقة القرن لم تكن و لن تتضمن القدس بمفهوميها الديني والعاصمي الحالي كعاصمة لدولة فلسطين , وهو ما يُلقي بظلال قاتمة وكئيبة علي مستقبل هذه الصفقة العار.

حتي اللحظة لا تتوفر وثيقة مُعلنة رسمياً عن ما يُسمي بصفقة القرن , والإعلان الرسمي الوحيد عنها كان إعلاناً صوتياً , جري خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن قبل عدة  أشهر ، حيث أعلن بشكل واضح أنه يدعم وبحماس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطته بالنسبة للقضية الفلسطينية .

بعد ذلك تردد عبر وسائل اعلام مختلفة وأثير الكثير من التحليلات والتفسيرات والتوقعات و اللغط حول ماهية هذه الخطة وما هي تفاصيلها وبنودها ، وتردد حديثاً كثيرة علي أنها تتضمن تنازل الشقيقة مصر عن جزء من أراضيها في شبه جزيرة سيناء المتاخمة لقطاع غزة لتوطين الفلسطينيين فيها , إلا أن ذلك لاقي نفياً مصريا واضحاً لما يشاع من تنازل مصري  للفلسطينيين من أراضي سيناء ، وبالتأكيد رفضاً فلسطينياً قاطعاً بالقبول بهذا الأمر .

لقد بات ما يسمي صفقة القرن إلي الآن مجرد تكهنات تطرح في وسائل الاعلام  علي مختلف أشكالها ، وأضحت شظايا متناثرة ومتطايرة في سماء المنطقة ، ولم يعد يعرف المواطن الفلسطيني ولا حتي العربي في ضوء ما يتردد من أحاديث كثيرة وتفسيرات ولغط حول هذه الصفقة ، ما هي أوجهها ولا بنودها وإلي أي منهج تسوية تنتمي أو تستند صفقة القرن تلك , هل هو المنهج الأمريكي أم الإسرائيلي أم العربي ؟ حيث من المستبعد تماما أن يكون المنهج الفلسطيني هو مصدر تلك الصفقة المثيرة للجدل.

لكن اللافت للانتباه أن بدء الحديث عن هذه الصفقة جاء علي لسان الرئيس المصري عندما التقي الرئيس الامريكي ترامب في البيت الابيض في ابريل من العام الماضي ، حيث قال الرئيس المصري مُوجهاً كلامه للرئيس الأمريكي وللإعلام قائلاً “ستجدنى بكل قوة ووضوح داعماً لأى مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية فى (صفقة القرن) ، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها ” ، فرد الرئيس الامريكي قائلاً: ” سنفعل ذلك سوياً ، سنحارب الإرهاب سوياً وستمتد صداقتنا طويلاً ” . 

يعني ذلك أن هذه هي صفقة Deal وليست خطة Plan , وهذا يعني أن أساسها المنهجي تجاري يأخذ أسلوب المقايضة أو المقاصة أو له صلة ما بذلك , كما أنها قُدمت كما لو كانت القضية وقد أصبحت سلعة تامة الصنع ، بمعني أنها معروضة للبيع وليس للتفاوض بشأن جودتها أو وفاءها بإحتياجات المُشتري النهائي الذي عليه إما أن يشتريها هكذا أو يرفضها .

لقد بات من الواضح أن لمصر دور رئيسي في صفقة القرن المزعومة, لكن طريق هذه الصفقة أصبح مُتعرجاً ومليئ بالمنعطفات الخطيرة التي قد تعصف بمستقبل من سيتجاوب معها , لو افترضنا أن هذه الصفقة تتضمن تنازل مصري عن قطعة من أراضيها , وهذا مستبعد جداً من مصر وقيادتها وشعبها ، اللذين لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يفرطوا بأرضهم علي حساب حل القضية الفلسطينية أو يقدموا علي هذه الخطوة بإعطاء جزءاً من أرضهم لمغتصب أرض فلسطين من الصهاينة .

خلاصة القول أن وهن وهشاشة الوضع السياسي العربي وخوف القادة المُروع من هبوب رياح الديموقراطية مرة ثانية بعد الربيع العربي يجعل من قدرتهم علي إحتمال ثورة جماهيرية قادمة أمر غير متوقع , وهو الوضع الذي إستغلته الادارة الامريكية المتضعضعة بحثاً عن طوق نجاة وبدعم يهودي يوطد أركان هذه الادارة بالداخل الأمريكي ، ومن هنا إنبثقت الفكرة الرئيسية لصفقة القرن والقائمة علي تصفية قضية فلسطين بتصفية قضية اللاجئين وبناء روابط من العلاقات الإقتصادية بين الكيان الصهيوني وهؤلاء القادة الذين يمارسون الحكم وهم ضعفاء وبدون مؤسسات حقيقية , وذلك كله علي أنقاض القضية الفلسطينية .

لقد بات جلياً وواضحاً أن صفقة القرن تلك لا مبرر لها سوي توجيه الإهانة للقادة العرب .. فهل سيطول زمن الهوان والقادة مسلوبي الارادة؟