كهنة شيكاغو: من يسمون أنفسهم "حماة الإيمان" يشوهون الكنيسة ويضللون أبناءها بأفكار مغلوطة

أقباط وكنائس



 -           الغضب يجتاح الكنائس بسبب حملات تشويه الأساقفة والرهبان.. والبيان يستنكر احتضان "أسقفية الشباب" لتلك المجموعات الهدّامة

 

في بيان شديد اللهجة عبر كهنة منطقة الوسط الأمريكي (شيكاغو وما حولها) عن عميق أسفهم بسبب استمرار قلّة من الشباب في الهجوم والتطاول على بعض آباء الكنيسة واتهامهم بالهرطقة.

 

وقال البيان أن أولئك الفئة من الشباب أصبحوا يحترفون أسلوب الاصطياد والاجتزاء لبعض الكلمات وإخراجها من سياقها.. ومحاولة إظهار أنفسهم كأبطال يحمون الإيمان ويدافعون عن العقيدة الأرثوذكسيّة، وليس لديهم أي مؤهِّل لاهوتي أو أي تكليف رسمي من الكنسية للقيام بهذا العمل الهدّام الذي لا يخدم سلام الكنيسة أو بنيانها.

 

وأضاف البيان: أنه بسبب غياب التوجيه الروحي والإرشاد الأمين لفترة طويلة صار انتماؤهم لكيانات مثل "رابطة حمّاة الإيمان" وغيرها أهمّ من انتمائهم لأمّهم الكنيسة التي ولدتهم في المسيح، وبالتالي لا مانع من التجريح والتشويش على سلام الكنيسة، واستخدام أساليب غير أخلاقيّة في تشويه صورة بعض الآباء والخدّام المباركين بالكنيسة، مِمّا يتسبّب في عثرة الكثيرين بلا أي رادع، وقد تسبّب هذا الوضع غير الصحِّي في خلق مناخ من الإرهاب الفكري، وتكوين حالة من الاستقطاب داخل الكنيسة تتزايد يومًا فيومًا، وتحتاج إلى علاج حاسم من قداسة البابا وآباء المجمع المقدّس للكنيسة.

 

وتناول الكهنة في بيانهم الموقف الحالي بأكثر تفصيل، في رسالة مُباشرة للبابا الأنبا تواضروس وأعضاء المجمع المقدس للكنيستنة القبطيّة الأرثوذكسيّة بعد أن تزايد في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر الجدَل حول المواضيع اللاهوتية والكنسية على مواقع التواصل الاجتماعي. –وبحسب ما جاء في البيان- فقد تَلاحَظَ في هذا الجدل ما يلي:

 

1-         صارت بعض المجموعات تَدّعي حماية الإيمان الأرثوذكسي، بل ونَصَّبَ أعضاؤها أنفسهم أوصياء على الكنيسة دون أن تكون لهم أي دراسة لاهوتية أو حتى خدمة أو رتبة كنسية.

 

2-         تقوم هذه المجموعات الصغيرة بتوزيع الاتهامات الخطيرة بالهرطقة على كلّ مَنْ يقررونه هدفًا لهجومهم. مع العلم بأن الهرطقة هي الانحراف عن الإيمان الثابت والمستقر في الكنيسة، وهو أمر خطير لا يمكن اتهام شخص به إلا من خلال الكنيسة ممثَّلةً في مجمعها.

 

3- بخصوص الأفكار اللاهوتية فإنّ مجال مناقشتها يكون من خلال علماء الكنيسة برعاية آباء المجمع المقدّس في مناقشات دراسية على ضوء من تعاليم الكتاب المقدس بحسب ما استقر في الكنيسة من شرح وفهم وتفسير بواسطة آباء الكنيسة الأوائل. وإن وُجِدَ بإجماع الكنيسة أن هناك أفكارًا تحيد عن هذه الثوابت، يتمّ مناقشة أصحابها في إطارٍ من الحبّ الرعوي والأبوّة الكنسية، وفي حالة ثبوت انحراف أفكارهم عن الإيمان الصحيح، وإصرارهم عليها رغم محاولات إثنائهم عنها؛ حينئذٍ فقط تحكُم الكنيسة بسقوطِهِم في الهرطقة. أَمَّا أن يقوم البعض برمي آخرين باتهامات الهرطقة بهذه البساطة التي تحدث على وسائل التواصل الاجتماعي، مع استخدام ألفاظ مشحونة بروح الإدانة البغيضة مثل "الموسوم عقائديّا" أو "المُهرطِق".. فهذا يتنافى تمامًا مع التقاليد الكنسيّة الأصيلة.

 

4- يجب الوضع في الاعتبار أنّ ليس كلّ اختلاف في الرأي هو هرطقة أو ضدّ الايمان. فالكنيسة تؤمن بالتناغُم في الآراء وليس أحاديّة الرأي، وآباؤنا القديسون كانت لهم آراء متباينة في تفسير الكتاب وفي بعض الألفاظ اللاهوتية في بعض الأحيان، ولكن كان كلّ ذلك داخل الإيمان الواحِد المُجمَع عليه والمُصاغ في المجامع المسكونية. كما يوجَد فرق بين الهرطقة والرأي اللاهوتي، ففي الأساس إنّ الهرطقة هي ما يخالف ثوابت الإيمان الذي صاغَهُ الآباء في المجامع مثل: الثالوث، التجسد، الخلاص، الكنيسة، الأسرار، المجيء الثاني.. أمّا الرأي اللاهوتي فهو يتعلّق بأمور لاهوتيّة تحتمل أكثر من طريقة للفهم أو التفسير في مساحة أوسع دون الخروج عن ثوابت الإيمان. ويبقى دائمًا الاحتياج أن يجتمع آباء الكنيسة من أساقفة وكهنة وعلماء لاهوت في جوّ من المحبّة والوحدانية، للمناقشة والتفاهُم والاستيضاح بكلّ هدوء واحترام، من أجل الوصول لتَفَهُّم أفضل بإرشاد الروح القدس قائد الكنيسة.

 

5- هذه المجادلات الدائرة من مجموعات دأبت وكرَّستْ كلّ وقتها تقريبًا للتربُّص بآباء كهنة ورهبان وأساقفة للاعتراض على بعضٍ من أقوالهم المُقتطَعة أو المُجتزأة من سياقها، أو التي يُصوُّرونها على إنّها تعاليم خاطئة، صارت سببًا في عثرة العامّة من شعب الكنيسة في كلّ مكان سواء في مصر أو المهجر. نرى بحسب ما تُمليه علينا ضمائرنا كرعاةٍ في الكنيسة ألاَّ نقبل أن يتمّ تجاهُل سبب هذه العثرة بدون رادع.

 

6- الأسلوب الذي تستخدمه هذه المجموعات في تعبيرِها عن رأيها يحمل الكثير من السخرية والاستهزاء بل والابتذال التي لا تليق بمَنْ يدّعي أنّه يدافع عن حقّ الإنجيل. فأيّ حديث يخلو من الاتضاع والوداعة واحترام الآخرين لا يمكن أن يكون من أجل الإيمان بالمسيح الوديع والمتواضع القلب، ولا يمكن أن يكون لمجد اسمه القدوس. وبالطبع لا يمكن أن يكون سببًا في كسب نفوس للمسيح، بل على العكس يكون سببًا في العثرة والشقاقات. لقد ضرب لنا آباء الكنيسة أمثلة رائعة في أسلوبهم الروحي في تعاملهم حتى مع الهراطقة، فنجد مثلاً القديس كيرلس الكبير في ردوده على نسطور كان قاطعًا في دفاعه عن الإيمان، ولكن بأسلوب يعكس روح المسيح في الاتضاع والاحترام، وليس بالاستهزاء والاستخفاف اللذَيْن يعكسان روح العالم.

 

7- قد لا نملك السيطرة على ما يتمّ كتابته على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أن تتبنَّى أسقفية الشباب بكلّ ما لها من خدمة واسعة ومساهمات بنَّاءة في خدمة شباب الكرازة بعضًا من هؤلاء الذين يستخدمون أساليب الاستخفاف والاستهزاء بآباء رهبان وكهنة وأساقفة وخدام علمانيين، فيجدون تشجيعًا ومديحًا من بعض الخدّام والخادمات المسئولين في أسقفيّة الشباب، بل وتُنشَر لهم كُتُبٌ ومنشورات بأسمائهم كخُدّام في أسقفية الشباب هو في الحقيقة أمرٌ يدعو إلى الأسف، بل هو مؤشِّر خطير..! فإن اتّجه أحد الخُدّام في أي كنيسة إلى كتابة ما لا يليق على صفحاته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن الرجوع إلى رعاة كنيسته لتوجيهه، فإمَّا أن يتراجع عن هذا أو أن تتبرّأ الكنيسة مِمَّا يكتبه إذا أصرّ على أسلوبه، لكن بالطبع لا يمكن أن تتبناه الكنيسة على هذا الحال وتؤيِّد كتاباته في إصدارات تحمل اسم الكنيسة! فكم يكون الحال إن كان هذا يحدث باسم أسقفية بحجم أسقفية الشباب؟!

8- ما يحدث الآن من المجموعات سالفة الذكر يسيء إلى المناخ الكنسي بشكلٍ عام، ويُحبِط رغبات ومحاولات الكثيرين من أولاد الكنيسة المُحبِّين للدراسة والبحث، فيما يمكن أن يُطلَق عليه إرهابًا فكريًّا أو حَجرًا على الفِكر. وبالفعل للأسف ترك بعض الشباب الكنيسة بسبب ما خلقته هذه المجموعات من مناخٍ أقلّ ما يُقال عليه إنّه غير مُشَجِّع وغير صِحّي، وفي هذا خسارة كبيرة للكنيسة.

 

9- تمادَى أعضاء هذه المجموعات في تطاولهم على أي شخص مَهما كانت مكانته ورتبته، بل وعلى أيّ كنيسة مَهما كانت مكانتها بلا أيّ ضوابط، في أساليب تخلو من أبسط أساسيات المحبة المسيحيّة.. فالإنجيل يعلّمنا أن يكون إيماننا عاملاً بالمحبّة (غل5: 6)، فكيف ندّعي أنّ لنا إيمانًا سليمًا وهو يفتقر إلى المحبّة؟! ويعلّمنا أيضًا أن نكون "صادقين في المحبّة Speaking the truth in love" (أف4: 15)، فكيف يتّفق هذا مع أسلوب الهجوم والتطاول والتشهير؟!

 

10- يتمّ تقديمُ بعضٍ من أعضاء هذه المجموعات على أنّهم علماء بالكنيسة، ويتمّ دعوتهم لتعليم الكهنة والخدّام في مؤتمرات العقيدة، رغم أنّ سيرتهم تخلو من أيّ خبرات خدمية أو مؤهلات دراسية، وليس لهم أي وزن حتّى في خدمة مدارس الأحد بكنائسهم.

 

11- معظم أعضاء هذه المجموعات هم أصلاً من الشباب الغيور المتحمّس لخدمة الكنيسة، ولكنّهم للأسف مُغرّرٌ بهم، ويتمّ استخدامهم كمِعوَل هدم وأداة تشويش في الكنيسة تحت ستار الدفاع عن الإيمان المستقيم، ويتمّ تشجيعهم بوسائل ماديّة ومعنويّة والزجّ بهم للدخول في حروب مُختَلَقة لا طائل من وراءها إلاّ نزيف المحبّة وإهدار طاقة الكنيسة في صراعات وهميّة يُجرَح ويُعثَر فيها كثيرون، ويفرح بها عدو الخير.

 

واختتم البيان، من أجل هذا، وبدافع من محبتنا للمسيح ولكنيسته التي اقتناها بدمه، نصلي إلى الله أبي ربنا يسوع المسيح أن يُرشِد قيادات الكنيسة بروحه القدوس للتعامل مع هذا الموقف، والذي صار يستلزم تدخُّلاً عاجلاً بحِكمةٍ وحسمٍ، لئلا يتّسع الشِقاق ويزداد التشويش وكلّ أمر رديء. مؤكِّدين أنّ ولاءنا ليس لأشخاصٍ مهما كانوا، بل للمسيح وكنيسته المقدّسة، وهدفنا هو فقط تمجيد اسم الله وخلاص نفوس أولاده.

  

جدير بالذكر أن بيان كهنة شيكاغو سبقه بيان آخر لكهنة منطقة فرجينيا، تضمن استنكارًا للحملة الموجهة ضد النائب البابوي لكندا وشمال أمريكا الأنبا أنجيلوس، فضلًا عن أجواء الغضب التي سادت مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تلك الحملات التي اعتبر رجال الكنيسة أنها تستهدف وحدتها ويقف خلفها بعض أصحاب المصالح الخاصة والأغراض المشبوهة.