دكتور أحمد أبو رحيل يكتب: "كلنا فاسدون"

ركن القراء



الحقيقة أن القارئ لعبارة "كلنا فاسدون" سريعا سيجد فيها إجحاف وظلم، ولكن عندما ندقق النظر فى هذه العبارة وندققه بتمعن، بل ونعمل عقولنا ،سنجد إنها عبارة منطقية وإنها حقيقة النفس البشرية.

هذه العبارة يجب علينا أن نذكرها دائما؛ لأن فيها مصارحة قوية مع النفس نحن نحتاج إليها اليوم فى ظل هذه الأوضاع وتلك الظروف، ونحن بحاجة إلى إعادة نشرها؛ لأننا نسعى من خلالها إلى التطهر من الذنوب والتخلص منها، فمن شروط التوبة الصحيحة الإعتراف بالذنب والوقوف على الحقيقة.

فهى عبارة تهز ضمير كل إنسان يسعى إلى مواجهة نفسه والتغلب عليها .

وأثرت أن أضعها عنواناً لمقالتي لا لكى نأخذها مبرراً او عزراً عن افعالنا  او أقولنا ،بل من اجل الوقوف على طبيعة حقيقة النفس البشرية ، ومحاولة تقويمها وإصلاحها وتهذيبها.

وأن الفساد فى مجتمعنا ليس فساد مسئول عنه فئة معينة او جهة واحدة او شخص وحيد ،ولكنه فساد مسئول عنه فئات مختلفة وجهات متعددة وأشخاص كثر، ففساد باسم الدين، وفساد باسم الوطنية، وفساد حتى باسم الإصلاح، وفساد وفساد وفساد.

فقد ظهر علينا فى الفترات الأخيرة بعض الأشخاص الذين يدعون الملائكية والمثالية ونصبوا انفسهم متحدثين بأسم الدين ومفوضون من قبل الله سبحانه وتعالى فى أرضه.

وظهر علينا ايضاّ متحدثين بأسم الوطنية يدعون الشجاعة والشرف ونصبوا أنفسهم إنهم اصحاب الوطنية ومن يقف معهم فهو وطنى ومن يقف ضدهم فهو عميل. 

يالها من مهزلة النفس البشرية!!!  
 أليس كلنا فاسدون؟ّ!!

فبالنسبة للمتحدثين باسم الدين من أصحاب الفكر المتطرف  أصبحوا يقوموا بإصدار الفتاوى وإقامة الحدود وتكفير الناس وانتهاك الاعراض وذبح الشيوخ والشباب حتى فى المساجد وتشريد الأطفال، والغريب أن كل هذا يفعلونه باسم الدين، أى دين هذا يدعون إليه ؟!!، والدين منهم براء براء، فكيف لهؤلاء أن يضعوا انفسهم فى هذه الموقعة ؟!! يقتلون، ويكفرون، ويشردون.

لقد نسى هؤلاء ان الله لطيف بعباده وأن الله عفور رحيم وأن الله يغفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر، كيف لهؤلاء أن يشاركون الله فى صفاته وإنهم الامرين والناهيين بأمر الله ؟!!

لقد نسى هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعوا إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان لا يجبر أحد على دخول الإسلام فلهم دين ولنا دين،بل دعى إلى المعاملة الطيبة مع اصحاب الديانات الاخرى.

لقد نسى هؤلاء أن الدين المعاملة؛ فلايهمنا كم حفظت من القرأن بقدر الى أى مستوى تأثرت به وفعلته فى حياتك، فليس المطلوب أن يكون فى جيبك مصحف ولكن المطلوب أن يكون فى أخلاقك أية. 

لقد نسى هؤلاء إننا بشر نفرح ونحزن، نثور ونهدأ، نخطأ ونصيب، ولدينا رغبات وشهوات نتغلب عليها مرات وتتغلب علينا هى مرات اخرى.

لقد نسى المتحدثين باسم الدين انهم بشراًمثلنا وليس ملائكة، لهم نفس صفات النفس البشرية، وهى العجز وعدم الكمال، ولكن الله ستار بعباده  فلوكانت الذنوب لها رائحة لاتضحت الأمور واكتشفت الحقائق، فلا أحد يزايد على أحد باسم الدين الا بعمله، فلا تلفت نظرى ولاتجذب انتباهى إلى صوتك الشجى القوى، بل الفت  نظرى  واجذب انتباهى بفعلك الرشيد وعقلك الحكيم.

ويجب عليكم ايها المتحدثين المتطرفين باسم الدين أن تتوقفوا عن افكاركم الهدامة والمتطرفة التى لم ينال منها الاسلام وبلاده إلا التخريب والدمار، فاستمراركم فى هذا جعل الدين عرضة لحملات التشويه على الصعيد العالمى، ويؤسفنى أن أقول أن صعود الإسلام السياسي على مسرح العمليات فى الشرق الأوسط  قد أضر الإسلام أكثر مما أفاده بكثير، وصدر الدين الإسلامي إلى العالم على أنه دين قتل ودمار، على الرغم أن الإسلام دين المحبة والتسامح والسلام، والغريب أننا المسلمين أنفسنا الذين قمنا بنشر هذا عن ديننا الحنيف. 

أليس كلنا فاسدون؟!!     

حيث يقول أحد الفلاسفة الحمد لله الذى عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين، فيجب علينا قبل أن نهتم بتهذيب الناس باسم الدين أن نقوم بتهذيب أنفسنا به أولاً، ويجب أن يعرف هؤلاء الذين يدعون بأنهم أصحاب الدين وحراس العقيدة أن الله لم يضع بينهوبين عباده حجاب ولا وساطة، وأنه يجب علينا إنهاء هذه المزايدات والجدل الواهى الذى لايقود إلا إلى اللا شئ، فلكل قديس ماضى ولكل عاص مستقبل، والله غافر الذنب وقابل التوبة.

وأما بالنسبة للمتحدثين باسم الوطنية فالكل يعمل لمصلحته والكل يعمل على شاكلته، فالنفس البشرية واحدة فالمثقف والبلطجى يدافع عن مصلحته، ولكن قد يختلف الأسلوب، فالمثقف يدافع عن مصلحته بالعبارات الرنانة المتحزلقة، أما البلطجى يدافع عن مصلحته  باستخدام السكين ولكن كلاهما يدافع عن مصلحته هو وفقط، فقد تختلف الوسيلة ولكن الغاية واحدة، لقد نسى هؤلاء أن الظلم يضعف الأمة أكثر مما يضعفها الجدال والتنازع البناء من اجل الإصلاح.

لقد نسى هؤلاء أن التعبير السلمى عن الرأى وسيلة شرعية وتفاعل بناء من أجل نهضة الدولة وإصلاحها، فلن نستطيع أن نصلح إلا إذا أدركنا أخطائنا  هذه حقيقة منطقية ولن نتعرف على أخطائنا الا إذا تحدثنا وعبرنا عنها وقمنا بنقدها على ان يكون النقد مشوفعا بتقديم حل مشروع.

لقد نسى هؤلاء أن عندما تكون الدولة فى يد جماعة من الناس فإن نتائج ذلك مدمرة فإن الجوع كافر وحقد المحرومين قاتل.

أليس كلنا فاسدون ؟!! 

فكلها قوى ومصالح  والكل يدافع  عنها بأى وسيلة سواء باسم الدين أو باسم الوطنية  فلم يترك المسلمين المتطرفين للمسلمين سوى القتل والدمار ولم يترك المتحدثين باسم الوطنية للمواطنين سوى الوطنية  اما مقدرات وثروات الوطن فجعلوها لهم وفقط.

وفى نهاية مقالتى، أود أن أؤكد حقيقة فساد النفس البشرية فكلنا فاسدون ولا نستطيع أن نستثنى أحدا ولو حتى بالصمت العاجز، وإنه يجب علينا أن نقر بحقيقة الإنسان وهى الاتصاف بالعجز وعدم الكمال وأن النفس البشرية أمارة بالسوء والله سبحانه وتعالى أعلم  بذلك ولهذا سمى نفسه سبحانه وتعالى الغفور الرحيم، ولكن فى نفس الوقت دعانا الى مقاومة النفس  ومحاولة تقويمها كلًا فى مجاله، فكيف ندعو الناس الى البر وننسى انفسنا،فالكل يجب ان يبدأ بنفسه والكل يجب أن يبدأ من نفسه.

فيجب علينا أن نفيق من غفلتنا قبل فوات الأوان، فنحن لسنا بحاجة إلى مزايدة بعضنا البعض إلا بالعمل والجد والإخلاص، ويجب علينا أن نعلم أجيالنا أن التفكير أفضل من التلقين، وأن التربية قبل التعليم وأن الثقافة خير الوقاية، وأن الضمير خير مراقب، وأن الدين المعاملة، وأن الوطنية أفعال وليست أقوال، فقد انتهى عصر القول وبدا عصر العمل.

حفظ الله الدين، حفظ الله الوطن، حفظ الله العقلاء.