ربيع جودة يكتب:هناك ذئب في القصب

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


ما كان أجمل حين نزلت من فوق ظهر دابتنا الصبورة..  أهرول الي حيث مزارع القصب..  وقد حان اليوم موعده..  واستوي علي سوقه..  وتطاول علينا بشواشيه..  وتباهي بعقلاته وعسله المصفي..  كان كل ما بالحقل يضحك ويمرح .. حتي غنماتي الصغيرة كانت تلهو بالخضرة..  وتجري خلفنا..  تعرفنا ونعرفها..  وقبل أن تفترش الشمس بساحتها .. حضر الرجال والفتيان والعربات الكبيرة..  وأقبل كبراء القرية المشاركون في الحصاد يحضرون ذاك العرس..

وانطلق الفتيان يقصمون أعواد القصب..  وانطلقنا نرتوي من حلاوة ماءه..  فلا بأس اليوم إن أكلنا ما طاب لنا..  متجاهلين نصائح الكبار..  احترسوا لأسنانكم يا صغار..  حتي امتلأت خدودنا حمرة ونضرة بماءه المسكر..  وعلي اطراف الحقل..  حضر رجل عجوز ينشد ويغني ككل عام.. ويحفز الفتيان وقد ابتدأ العمل بنشاط..  ولم يمض وقت..  حتي سمعنا منادٍ .. هناك ذئب في القصب..  اصاب الجميع الهلع.. بينما يرد والدي..  وما يضرنا من الذئب..  حين يظهر نقتله.. وردف الي حيث كرمة العنب..  ومد يده الي طاولة يعرفها..  واحضر بندقيته..  وهرع جارنا حماد..  وهو أحد الشركاء..  فأحضر سلاحه..  وآخر..  وآخر..  وعاد الفتيان للعمل..  لكن العجوز .. تغير وجهه..  وتبدل لحنه..  وانشد بحزن يقول..  لا أخاف الذئب إني خائفٌ ... من طيش مفتونٍ تملكه الغضب..  يحارب وهمه بسلاحه..  فلا قتل الذئاب..  ولا حفظ القصب..

استمر الفتيان يجزرون القصب جزراً..  بينما أفسدت قصة الذئب فرحتنا..  وأجلسونا بعيداً تحوطنا الأمهات..  حتي تسللت ابنة جارنا حماد.. خلف الغنمات فرفستها الدابة.. فأسقطتها أرضاً تنزف. لم تكن قد ماتت ..  لكن والدها حمل سلاحه..  وأطلق النار علي الدابة..  ولا تزال نيران غضبه تستعر .. فانقض عليه احد الرجال..  يمسك سلاحه.. حتي لا يرتكب جرماً اخر..  لكن زناده كان أقرب فأصابته طلقة فمات في الحال..  وهاج الكل وماج.. يطلقون النار علي بعضهم البعض.. يهرولون داخل القصب ..لا يري أيهم من يقتل..  ومن يحمي..  مات الكثير..  وتبدد القصب .. وامتزجت حلاوته بالدماء .  وانطفأت الفرحة فينا .. وتبدلت بالخوف..  وهرولنا الي الدار..  وطلقات النيران تدوي من حولنا..  حتي داهمتنا ظلمة الليل..  ونحن نصرخ لا نعرف من مات من ذوينا..  تسللت الي سطح الدار..  وكان قريباً من الحقل..  بعد أن هدأت الطلقات.. واشتد الظلام..  ولم يعد بالحقل سوي أصوات الذئاب تعوي..  وقد حظيت بوجبة دسمة من أجساد الرجال..كنت ابكي بشده.. بينما يطن في أذني غناء العجوز.. أنا لا أخاف الذئب إني خائفٌ..  من طيش مفتونٍ تملكه الغضب..  يحارب وهمه بسلاحه..  فلا قتل الذئاب..  ولا حفظ القصب.