نادية صالح تكتب: من عظيمات مصر.. نبوية موسى ونبوية الجابرى

مقالات الرأي



هذه سلسلة استأذنكم بالبدء فيها متذكرين بعضاً ممن أطلق عليهم الرئيس السيسى «عظيمات مصر» تقديراً لنشاطهن وريادتهن، وربما كان اختيار سيدتين فى التعديل الوزارى الأخير سبباً فى قرارى هذا بالبدء فى هذه السلسلة لنوفى العظيمات بعضاً من حقهن علينا ونحن نتأمل مشوارهن..

وقد رأيت أن أبدأ بالمجاهدة «نبوية موسي»، وأظنها تستحق هذا اللقب «المجاهدة» فقد جاهدت لتتعلم القراءة والكتابة حيث كانت ممنوعة على بنات العائلات المحترمة، جاهدت لتخرج على عادة ارتداء اليشمك والحجاب اللذين كانا مفروضين على المرأة وغيرها من التقاليد التى قامت بتغييرها ونجحت فى ذلك، فالمرأه العظيمة تستطيع كما هى «مصر تستطيع» دائماً.. وهناك نبوية أخرى بعد «نبوية موسى» بسنوات طوال، هى «نبوية الجابرى» أول ناظرة لمدرسة إعدادية فى بورسعيد وقد كرمتها المحافظة مؤخراً بإطلاق اسمها على مدرسة إعدادى ببورفؤاد فصارت مدرسة «نبوية الجابرى» الإعدادى للبنات..

وإليكم بعضا من تفاصيل مشوار «نبوية موسى» و«نبوية الجابري» نبوية موسى فتاة مصرية حصلت على البكالوريا بعد أن كانت قاصرة على الرجال، فبعد أن جاهدت وهى بنت محافظة الشرقية وابنة أحد كبار الضباط الذى سافر إلى السودان ولم يعد، علمت نفسها القراءة والكتابة وساعدها أخوها فى ذلك فالبنات لم يكن مسموحاً لهن بالذهاب للمدرسة، ثم حصلت على الابتدائية بصعوبة وجهاد، ووجدت نفسها تقبض بشهادة الابتدائية 6 جنيهات بينما زميلها فى المدرسة يقبض اثنى عشرة جنيها، وعرفت أن السبب هو حصوله على البكالوريا وليس الابتدائية، فما كان من نبوية موسى إلا أن ذاكرت وحصلت على البكالوريا وتساوت مع زملائها من الرجال..، وقد ولدت نبوية فى الزقازيق عام 1886 ورحلت فى 30 إبريل 1951، وقد عاشت فى القاهرة حيث كان يتعلم أخوها «محمد» الذى ساعدها كما قلت لحضراتكم على تعلم القراءة والكتابة، وذهبت سراً إلى مدرسة السنية بعد أن قدمت لنفسها بهذه المدرسة دون ولى أمر، وهذا ما ذكرته فى كتابها الذى أعطته عنوان «تاريخى بقلمي»، وفى هذا الكتاب تقول: إنها باعت أسورتها لتدفع مصروفات المدرسة، وحصلت على دبلوم المعلمات عام 1908، ومن زملائها فى هذه الفترة النقراشى باشا رئيس وزراء مصر الأسبق وعباس العقاد الأديب الكبير، وبالمناسبة تفوقت عليهما فى الدراسة فى اللغة العربية، حيث حصلت على 27 درجة بينما حصل النقراشى على 21.5 درجة والعقاد 26 درجة.. ولم تقتصر على التدريس فى المدرسة بل كانت لها كتابات صحفية وأشعار كتبتها ونقلتها الجرائد والمجلات.. ولها قصيدة بعنوان «أبطال مصر» فى رثاء الإمام محمد عبده، هذه بعض ملامح جهاد نبوية موسى الطالبة والفتاة والمعلمة والناظرة والشاعرة والكاتبة.. ومنها انتقل إلى عظيمة أخرى أو ثانية واسمها «نبوية الجابري» من محافظة بورسعيد وكانت من اوائل السيدات اللاتى حصلن وتخرجن فى جامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة»، وأول سيدة بورسعيدية تتولى نظارة مدرسة للبنات هناك..

كانت نبوية الجابرى رئيسة لجمعية المرشدات والهلال الأحمر وجمعية الأطفال المعاقين ببورسعيد لمدة عشرين عاماً.. وقد تعرفت «أنا» على أحد أبنائها المعروفين وهو اللواء دكتور سمير فرج رئيس الشئون المعنوية الأسبق ومحافظ الأقصر الأسبق وعرفت منه خلال تسجيلى وزيارتى لمكتبه ضمن برنامجى «مكتبة فلان» بأنها كانت وراء حبه للقراءة والمعرفة حتى أنها طلبت منه وقت أن كان طالبا صغيراً أن يلخص أحد الكتب بعد قراءته شرطاً لتدفع له 40 جنيهاً ثمناً للرحلة التى طلبها منها فى سنواته الأولى.. فكان كتاب «تاريخ سكسونيا» الإنجليزية وكان ملخص الكتاب الذى قام به الطالب وقتها- سمير فرج سببا فى سفره للرحلة، وتصادف أن سافر بعد ذلك إلى انجلترا ضابطاً مصرياً دارساً ووجد نسخة من «تاريخ سكسونيا» هناك فى انجلترا هذه الأيام كانت وراء بحثه الدءوب عن المعرفة وتحصيل العلم والعلوم.

وقد سعدت كثيرا عندما قرأت أخيراً عن تكريم بورسعيد للسيدة «نبوية الجابرى» ولاسمها الذى أطلقته على مدرسة هناك فصار اسمها «نبوية الجابرى الإعدادية للبنات» ببورفؤاد.. وقد نظمت وحدة التدريب فى هذه المدرسة ورش عمل لطالبات المدرسة عن كيفية الاستفادة من بنك المعرفة المصرى الذى استحدثناه مؤخراً..

لقد استمر الكفاح من عظيمات زمان إلى عظيمات أخريات فى زماننا هذا.. فكما قلت لحضراتكم مصر دائماً تستطيع، ونلتقى بإذن الله فى وقت آخر مع عظيمات جدد نحكى عنهن ونستعرض كفاحهن.