فريدة فهمى: ملوك وقعوا فى غرام "فرقة رضا"

العدد الأسبوعي

الفنانة فريدة فهمي
الفنانة فريدة فهمي


فى منزلها الأنيق بحى الزمالك استقبلتنا «فريدة فهمى» أشهر راقصة فى تاريخ فرقة رضا، ومازالت تحتفظ فى منزلها بصور لزوجها المخرج الشهير «على رضا» ووالدها الأستاذ بجامعة القاهرة قدوتها الأولى فى حياتها، لأنه كان رجلاً منفتحًا على حد تعبيرها، قبل أن نبدأ الحوار معها قالت «هاتقلّبوا علىّ المواجع وتمشوا وتسيبونى لوحدى مع الذكريات ومع صور الناس العظيمة اللى بحبهم وراحوا منى»..


■ فى البداية سألناها هل فريدة فهمى «قدرية»؟

- طبعاً وليس لدى أى حسابات، أقصد أننى عشت حياة سعيدة والحمد لله، تخللها العديد من النجاحات، والإنجازات وبها انكسارات، وكفرقة قدمنا عروضًا كثيرة فى كل دول العالم تقريبًا، ولم نفكر أبدًا فى أحوالنا بعد المعاش فكان كل همنا وقتها أن نسعد لحظات حياتنا، وأعتقد أننا تركنا بصمتنا فى الفن المصرى بصفة عامة.


■ هل يحال المبدع إلى المعاش؟

- “نعم” لأننا بالأساس كنا مجرد موظفين فى الحكومة، أنا موافقة إنى أحال إلى المعاش لأننى كبرت ولم أعد أستطيع الرقص، لكن كيف يُحال مبدع مثل “محمود رضا” إلى المعاش بعد كل هذا العطاء والتاريخ الفنى الكبير.


■ ألم يتم اختياره فيما بعد مستشارا للفرقة وهو مؤسسها؟

- للأسف “لا” والمستشار وظيفة من لا عمل له فى مصر، فهى وظائف للترضية لأنه بالفعل لا تتم استشارته، لا أقصد “محمود رضا” إنما أقصد المستشار بصفة عامة، كما أن هذه الوظيفة ليس لها قوة تنفيذية وهى مجرد “ركنة” ومسمى وظيفى ليس له فائدة، على العموم تمت إحالتنا إلى المعاش سواء رضينا أم لم نرض.


■ لو عدنا بك إلى الوراء هل الأديب “يحيى حقى” هو صاحب الفضل الأول على الفرقة وكان صاحب فكرة إنشائها؟

- لا أظن ذلك، نحن تقابلنا معه وبدأنا التحضير للفرقة بمجهودنا الخاص، بين عامى 1960-1961 وبدأت قصة كفاح حينما شاهد إحدى عروضنا الرئيس الراحل “جمال عبدالناصر”، وبعد انتهاء العرض قال بالضبط لمساعديه “خدوا بالكوا من الشباب دول وشوفوا طلباتهم إيه”، وهنا تابع معنا الوزير عبدالقادر حاتم وكان وقتها وزيرًا للإعلام وتم تعييننا فى التليفزيون وبقينا جزءا من هذا الكيان والصرح العظيم، لذا لا أظن أن يحيى حقى كما تقول كان صاحب فضل علينا.


■ نسبة الرضا عن رحلتك الطويلة فى الفن؟

- طبعا راضية جدًا، ولو خيرونى أن أعيد حكايتى مع الفن سأعيدها كما عشتها دون تغيير فأنا نشأت مع العمالقة فى الفن والإبداع، وطبعا سأعيد قصتى بنفس المناخ الذى نشأت وتربيت عليه، لأن هذا المناخ الذى كان يسمح بوجود إبداع، وأنا نشأت مع عمالقة الفن والإبداع فى مصر.


■ ما رأيك فى المناخ الحالى الذى يسود الوسط الفني؟

- التعب والمجهود لم يعد له وجود والجميع عايز يختصر الطريق هذا الموضوع بدأ ينتشر جدًا فى الوسط الفنى من وجهة نظرى وما زال مستمرًا حتى الآن، وليس فى الفن فقط إنما فى كل المجالات، لكن جيلنا ليس كذلك، وكل الأجيال التى سبقت جيلنا كانت مختلفة فى التفكير وطريقة نظرتها للحياة بعكس جيل الثمانينيات والتسعينيات وما بعدهما، نظرتهم للحياة أصبحت مختلفة جدًا، “أقصد طريقة الوصول للهدف” طبعا هذا الكلام لا أقصد به الكل إنما البعض منهم لكن طبعا هناك فنانون وصلوا لأماكن لا يستحقونها دون وجود موهبة لديهم، ليس فى الفن فقط إنما فى الغالب بكل المجالات.


■ والدك أستاذ جامعى كيف اقتنع أن ترقص ابنته فى فرقة؟

- أولا والدى لم يكن أستاذا عاديًا فى الجامعة، بل هو دكتور مهندس وهو الذى أنشأ قسم هندسة الإنتاج بجامعة القاهرة وكان مشهورًا فى الوسط التعليمى فى مصر، أتذكر فى عهد عبدالناصر كانت هناك واقعة شهيرة وهى أنه بداية من رئيس الوزراء وبعض الوزراء كانوا قد تتلمذوا على يديه فى الجامعة، كان رجلا منفتحا إلى أبعد الحدود ومثقفًا ومحبًا للفنون بكل أشكالها وأنواعها ومنزله كان دائمًا يمتلئ بأشهر مبدعى الستينيات وكان عميدا للمعهد العالى للسينما لعدة سنوات، وأقصد من كلامى أنه عاشق للفنون، لذا لم أعان أبدا لدخولى الوسط الفنى، بل على العكس والدى أعطى فرقة رضا دفعة معنوية ووقف بجوارها لأنه كان يثق فى “محمود رضا” وموهبته لذا لم يبخل بنصحه ولا بدعمه لتكوين الفرقة، ومهما قلت عن والدى لن أستطيع أن أصف لك مدى عبقريته وانفتاحه على العالم، فقد كان سابقا لعصره.


■ إذن كيف كان يرى عملك كراقصة؟

- نحن كفرقة كنا نسمو بذوق الناس ونظرتهم للرقص ترتقى، ولا تكون نظرة دونية أو احتقارا إن جاز التعبير، وأعتقد أننا نجحنا فى ذلك وساهمنا فى أن ينظر الناس إلى إبداعنا ورقصنا بشكل مختلف تمامًا عن كل أنواع الرقص الأخرى، فضلًا عن أن عروضنا كان بها كل أنواع الإبهار من موسيقى وديكور وملابس واستعراضات وحركة وأشعار أقصد كل الفنون الجميلة كانت موجودة فى استعراضات الفرقة، فموسيقى الموسيقار الكبير الراحل على إسماعيل كانت مبهرة واستعراضات “محمود رضا” كانت فى محلها وكانت تجمل الموسيقى ولا تشوهها لأن المسرح وإبهاره يحتاج إلى قدرات إبداعية خاصة، كما أن “محمود رضا” كان متذوقا للثقافة المصرية فتحويل الواقع إلى إبداع يحتاج إلى فهم تام للذات ولثقافتك وكان هذا موجودا فى “رضا” ومعاونيه لذا قدم واقعًا مميزًا، واستطاع أن يبهر الجمهور وهو يقدم تراثهم على خشبة المسرح دون تشويه، وعن إبداع “محمود رضا” لن أستطيع وصفه فهو موهوب من أخمص قدميه إلى شعر رأسه “عبقرى بجد” لذا والدى كان يثق فى إبداعه وموهبته إلى أقصى الحدود.


■ هل تمت محاربة الفرقة فى البداية؟

- طبعا فعملية الإبداع فى مصر عبارة عن صراع مستمر مع البيروقراطية والروتين الذى دائما ما يكون ضد الإبداع والفن، فمن المؤكد لم نصل إلى ما وصلنا إليه إلا بعد مشوار طويل من الصراعات والمعارك خاصة أننا كنا فى الوظيفة كما قلت لك فى البداية، وأقصد المسألة لم تكن مريحة بالمرة، والمشوار كان طويلاً لذا كانت العملية الإبداعية بصفة عامة مرهقة ومتعبة، فالفنان حينما يكون موظفاً، دائما يحارب الروتين والبيروقراطية، خاصة أننا كنا فرقة كبيرة فى العدد وأحيانا نصعد على خشبة المسرح وعددنا 150 فردًا تقريبًا، من راقصين وموسيقيين، وسافرنا أغلب دول العالم وذاع صيتنا خارج الحدود، وكنا معروفين حتى خارج مصر ومطلوبين بالاسم، وهذا كان يثير حفيظة بعض الموظفين فى التليفزيون وكانوا يضعون العراقيل أمام سفرياتنا وكانوا يقولون “إيه شوية العيال دول اللى بيلفوا العالم وإحنا قاعدين مكاننا” أقصد دائما البنى آدم يجد من يحاربه، وليس فى التليفزيون فقط فنحن سافرنا كثيرًا، وحققنا نجاحات كثيرة خارج مصر، وحصدنا العديد من الجوائز الدولية وأصبحنا نقدم استعراضات لكل ضيوف «عبدالناصر» من الرؤساء والملوك والأمراء وكذلك ضيوف السادات ثم بعض ضيوف مبارك.


■ لماذا بعض ضيوف مبارك؟

- لأننى أعلنت اعتزالى عام 1983 وكان عمرى وقتها 43 سنة لذا قلت بعض ضيوف مبارك لأننى لم أرقص سوى سنتين تقريبًا فى حكمه، فأنا أقول عنى “أنا” كعضو فى الفرقة.


■ كيف جاء قرار الاعتزال؟

- مما لا شك فيه أنه كان قرارًا صعبًا جدًا عليّ فالقرار بدأ يراودنى حينما قال لى والدى قبل وفاته بقليل “يا ابنتى لا الرقص ولا الجسم ولا الصحة بتدوم، لكن الفكر هو الوحيد اللى بيدوم”، ولم أنتبه إلى هذا الكلام إلا مؤخرًا.

وطبعا لم يكن قرارًا سهلاً عليّ خاصة أن مسرح البالون كان قريبًا جدا من بيتى فقررت ابتعد تمامًا وأهاجر خارج مصر، وكانت هناك زيارة إلى أمريكا مع وزجى «على رضا» وهنا قررت الالتحاق بإحدى الجامعات هناك ورجعت تلميذة من أول وجديد وكان عمرى وقتها 43 سنة وزوجى وقف بجوارى وشجعنى، وأنا أقرر الاعتزال شعرت بأن روحى تنسحب منى.