عبدالحفيظ سعد يكتب: ثورة أحباء "الإمام على" ضد "آيات الله" فى إيران

مقالات الرأي



المظاهرات الحالية ضد الأوضاع الاقتصادية وشعارات "الموت لخامنئى" و"يسقط المرشد"


عادت إليها الهتافات الاحتجاجية التى تنادى بـ"الخبز والحرية" مرة ثانية، وذلك منذ ما يزيد على 40 عاما من تفجرت الثورة الأولى ضد الشاه فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، والتى كانت فى بدايتها ثورة اقتصادية اجتماعية، ضد الفساد فى بلاط الشاه، وتهميش الفقراء وعدم وجود عدالة فى توزيع الثورات.

وقادت تنظيمات يسارية وليبرالية الثورة الأولى فى بدايتها، وانضم إليها فيما بعد التنظيمات الدينية، بقيادة آية الله الخمينى، الذى كان فى المنفى مع اشتعال الثورة فى أكتوبر 1977.

لكن فى النهاية ومع عام 1979، انفرد نظام الفقيه وولاية المرشد الروحى، بالحكم لصالح رجال الدين فى البلد الذى غلب عليه المذهب الشيعى، منذ "الدولة الصفوية" التى ظهرت فى القرن الخامس عشر الميلاد لحكم بلاد فارس، معتمدة على المذهب الشيعى "الاثنى عشرى" مذهبا لها، بادعاء نسبهم إلى "آل البيت" والإمام على.

ولذلك عندما قامت الثورة فى إيران فى أواخر السبعينيات من القرن العشرين، ضد الحكم الملكى الوراثى للشاه محمد رضا بهلوى، كانت إرهاصاتها الأولى، لا تختلف كثيرا عن أسباب الاحتجاجات التى انطلق فى إيران منذ الأسبوع الماضى وراح ضحيتها حتى الآن ما يزيد على 15 قتيلا وعشرات المصابين من المحتجين، طبقا للأرقام الرسمية حتى الآن بينما تشير مصادر من المجموعات المحتجة إلى أن عدد القتلى وصل إلى ما يزيد على مائة شخص، وسط تكتك حكومى على الأرقام الحقيقة لضحايا الاحتجاجات.

ونجد أن أحداث الاحتجاجات الأخيرة فى إيران تختلف عما حدث فى الانتفاضة التى حدث قبل ثمانى سنوات، والتى أعقبت انتخاب الرئيس الإيرانى الأسبق أحمدى نجاد لولاية ثانية عام 2009 بعد اتهامات أن هناك تزويرًا حدث من الجناح المتشدد فى السلطة الإيرانية، لصالح نجاد لمنع وصول حسين موسوى للحكم، مما دعا موسوى لتأسيس حركة أطلق عليها وقتها "الخضراء"، وهى التى قادت المواجهات مع الجناح المتشدد فى ولاية الفقيه، قبل 8 سنوات.

واعتبر انتفاضة عام 2009، جزءًا من الصراع الداخلى بين قطبى الحكم فى إيران "المتشددين" و"المعتدلين"، وليس حركة شعبية، ودل على ذلك أنه بمجرد تدخل آية الله خامنئى المرشد الأعلى الإيرانى لصالح نجاد، حسم المعركة للجناح المتشدد فى إيران، ولذلك لا تعد انتفاضة 2009 ثورة، أو حركة ضد نظام ولاية الفقيه، بل هى صراع جناحى السلطة فقط.

وطبقا للعبة التى يجيدها النظام الإيرانى فى تقديم واجهة متشددة للحكم، كأحمدى نجاد، مع عام 2012 ، صعد للحكم حسن روحانى باعتباره ممثلا لتيار المعتدل، وهو ما مكن إيران من توقيع الاتفاق النووى مع الدول الأوروبية وأمريكا فى ظل حكم أوباما. وكان بمقتضى هذا الاتفاق الذى تتعهد فيه إيران بالحد من أنشطتها النووية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية، والإفراج عن أرصدتها المجمدة فى البنوك الأوربية والأمريكية، منذ تفجر الثورة الأولى فى نهاية السبعينيات والتى تصل إلى 120 مليار دولار، كان من المقرر أن تحصل عليها طهران فى المرحلة الأولى من الاتفاق النووى.

واعتقد الإيرانيون أن هذه الأرصدة سوف تتوجه لدعم الاقتصاد الداخلى، وتحسين أحوال المعيشة، خاصة للفقيرة والمهمشة من الإيرانيين، بعد تفشى البطالة بينهم بنسبة تصل إلى 60% خاصة فى المدن التى يعيش فيها السنة العرب والآشوريون والأكراد، لكن ما حدث العكس، اتجه الأموال الإيرانية إلى جيوب قادة الحرس الثورى، وإلى دعم الأطماع الإيرانية فى البلاد العربية، خاصة سوريا واليمن والعراق.

لذلك تختلف الحركة الاحتجاجية المشتعلة الآن فى إيران، عن الحركة السابقة، وهو ما ظهر من خلال الهتافات التى خرجت من الاحتجاجات "الموت لخامنئى" "يسقط المرشد".

ونجد أن القطاعات التى خرجت للاحتجاجات التى خرجت من مدينة "مشهد"، وتحولت لمدن أخرى سواء فى "أصفهان" ومدن الأقلية العربية الأحوازية فى شرق البلاد، ووجهت الاحتجاجات ضد الأوضاع الاقتصادية لغالبية الإيرانيين، رغم أن البلد يعد ثالث الدول المصدر للنفط عالميا.

لكن الثورة بدأت تتحول إلى مطالب سياسية، وذلك بعد أن ربط المحتجون الإيرانيون، تدهور أوضاعهم الاقتصادية لنقد السياسية الإيرانية الخارجية وتدخلها فى الدول العربية، سواء فى سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتورط الحكومة الإيرانية فى صرف مليارات الدولار لدعم المجموعات لها فى هذه الدول خاصة سوريا التى تدعم طهران نظام بشار، بما يزيد على 7 مليارات دولار سنويا.

وزاد فاتورة صرف حكومة "الملالى" على أنشطة إيران العسكرية وتدخلها فى البلاد العربية بعد دعمها للحوثيين فى اليمن سواء بالدعم المالى أو المقاتلين أو الأسلحة. كما رفع المحتجون الإيرانيون شعارات ضد سيطرة الحرس الثورى الإيرانى على غالبية الأنشطة الاقتصادية فى إيران، ويوجه غالبية دخل البلاد للتدخلات والحروب الخارجية التى يقودها فى البلاد العربية، بينما تزاد الأحوال الاقتصادية للإيرانيين سوءا وانتشار العشوائيات لتصل إلى 2700 منطقة سكنية فى مناطق مشهد والأحواز والبلوش والأكراد، ويضاف إليها قمع الحريات، وحرمان المرأة الإيرانية من أبسط حقوقها، وتعرض المجموعات العرقية للاضطهاد والتهميش من قبل الغالبية الشيعية الفارسية التى تسيطر على الحكم والثورة فى البلد الغنى، لكن أمواله تتوجه إلى نخبة "الملالى" وأطماعهم التوسعية فى البلاد العربية، للعمل على تمكين ولاية الفقيه فيها.

ولذلك يتوقع أن يقمع الحرس الثورى هذه الاحتجاجات بشكل عنيف لأنها موجهة فى الأساس ضد مصالحة ونفوذه الاقتصادى، ولكن ربما يزيد ذلك من عزلة إيران العالمية، وعدم السكوت المجتمع الدولى والعمل على إلغاء الاتفاق النووى فى ظل تغيير الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية التى كانت تميل فى السابق لعدم التصعيد مع إيران، لكن لا أحد يعرف كيف ستتعامل إيران مع التصعيد الغربى المتوقع، ومدى تأثير ذلك على تدخلها فى العواصم العربية، ودعمها بعض الجماعات المسلحة كحزب الله والحوثيين والحشد الشعبى فى العراق، وهو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.