أحمد سيد يكتب: أنا وأمي

مقالات الرأي

أحمد سيد
أحمد سيد


أصعب اللحظات حين تتحول الذكريات السعيدة نفسها إلى مصدر للآلم، نعم.. تلك هي الصدمة الأولى التي تفقدك كل شئ ثم تعيطك كل شئ، وهل للحرمان أن يعطيك كل شئ؟.. سيظل بني البشر تائهين بين الذكرى والنسيان، مهما بلغوا من القوة...

أمي.. رحلتي دون أن أكمل حديثي، رحلتي قبل أن أقول لكِ إنكِ أجمل نساء الدنيا.. رحلتي ورحل معك الحنان، بل رحل الدفئ وكل الألوان.. رحلتي وتركتيني وسط بحر من "الجنان".

أريد فقط أن أتذكر، ذكريات "مشوار" العمر السعيدة من أول الطفولة إلى البلوغ والرشد.. أتذكر كلماتك حين يضيق قلبي وتبكي عيني وتقولي لي: "سيبها على الله"، وكم من "مصائب صغيرة وكبيرة" فعلتها وأخفيتيها عن أبي، فقط لأنك لا تريدي أن تريني مكسور أو مهزوم، ثم تنصحيني بكل الدفئ، ثم أقتنع، وأصلح حالي، وفرحتك بنجاحي في مشواري الدراسي وعملي، وذكريات آخرى ليس لها نهاية، لكن كل هذه الذكريات تؤلمني، لأنها لن تتكرر مجددًا.

وأعجز أن أنسى ذكريات "الدموع"، تلك هي آخر لحظاتك في حياة الدنيا، حين أمسكت يديك الدافئة بيدي، وهمستي في أذني بفطرة الأمومة، وسألتيني عن الوقت، وعندما علمتي بأنه متأخرًا، قلقتي وسألتيني "هل نقودك تكفي العودة للبيت؟"، حينها عجزت عن الحديث، واهتزت رأسي بنعم اطمئني معي نقود، "شايلة" همي حتى على فراش الموت.. مسكنات النسيان مؤلمة، لأنها مؤقته فقط حتى يحين وقتي لآراك في "عالم البرزخ".

قيل لي كل الكلام المعروف عن تلك المواقف، لكنني عرفته فقط عند فراقك، عرفت ما هو الموت.. وما هو الفراق.. عرفت القدر وسنة الحياة، ولكنني مؤمن بذلك فأنا مسلم.. ولم اعترض حتى لو لبضع ثواني على أمر الله بالفراق.. لكن فقدان جزء من القلب، يتسبب في عجز العقل عن تكملة السباق.. نعم، سباق الدنيا للآخرة.

الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.. حتى كلماتي تعجز عن وصف كل ما بداخلي.. لكنني سأحقك النجاح، بل كل النجاح حتى تطمأني علي.. ولا تقلقي بشأن أخواتي وأبي، انتِ أعطيتيني "المفتاح" في منامي سأحررهم من آلامهم بمشيئة الله.. سأكون بمقدار المسؤولية دائمًا، هذا وعد.. لكنني أريد منك فقط أنا تزوريني دائمًا في منامي.. أشعريني بلمسة يديك الدافئة.. أغمريني في حضنك الدافئ.

نصيحة لكل من أمه على قيد الحياة.. لا تتسبب في بكاء أمك.. ولا تحملها الهم حتى لو كنت غرقان في بحر الهموم.. لا تبخل أو تبخلي على أمك بالكلمات الرقيقة، ولا تقل انها تعلم مكانتها في قلبي فقط.. بل ارسم الضحكة على وجهها حى لو بأبسط الكلمات.. قل لها أنك أجمل أم في الوجود.. واحذر من عدم إرضاؤها حتى في أبسط الأمور.. انت تملك كنز فحافظ عليه للأبد.

وفي نهاية حديث قلبي، أشكر كل من ساندني ووقف بجانبي.. وأشكر هؤلاء المنافقين أصحاب الدموع المزيفة، الذين أنقذوني من نفاقهم وأدعو لهم بالهداية.. وأولًا وأخيرًا أشكر الله سبحانه وتعالى كل الشكر على تنوير بصري وبصيرتي.. وسأتذكر دائمًا الآية القرآنية، في قول الله سبحانه وتعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق]، لأطمئن بها على حالي، واطمئني يا أمي أنا أدعو لكِ في كل سجدة من صلاتي، شكرًا لكِ، انتِ علمتيني الصلاة، بل المحافظة عليها منذ طفولتي، ولكِ الأجر والثواب.. أحبك يا أجمل أم في الوجود.. ستظلين دائمًا في قلبي وسأظل ابتسم لأجلك.. رحمك الله يا أمي...