من لهجة عدائية إلى علاقات أخوية.. سر تحول إثيوبيا اتجاه مصر

أخبار مصر

الرئيس السيسي ورئيس
الرئيس السيسي ورئيس وزرء إثيوبيا


تحولت لهجة إثيوبيا اتجاه مصر، منذ 28 نوفمبر الماضي، بشكل مفاجئ من الهجوم على القاهرة  بخصوص الموقف من سد النهضة، إلى الإشادة والترحيب بها.

المتابعون لهذا التغير، رصدوا ذلك في عدة تقارير وأخبار نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية (إينا)، على مدى شهر ونصف.

بدأ التحول في الموقف الإثيوبي عقب إعلان القاهرة، تعثر مفاوضات سد النهضة في 12 نوفمبر، على المسار الفنّيّ مع إثيوبيا والسودان، من أجل الوصول إلى اتّفاق في شأن تنفيذ دراسات اختبار تأثيرات سدّ النهضة الإثيوبيّ. 

ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية السفير سامح شكري إلى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، الثلاثاء، للقاء عدد من المسؤولين لمتابعة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي؛ في محاولة لكسر الجمود الحالي في المفاوضات حول السد بعد تعثّرها الشهر الماضي. واجتمع مندوبون من مصر والسودان وإثيوبيا في القاهرة، 12 نوفمبر الماضي، للموافقة على دراسة أعدتها شركة فرنسية لتقيم الآثار البيئية والاقتصادية للسد.

 لكن المحادثات تعثرت بعد فشلهم في الاتفاق على تقرير أولي وألقى كل طرف باللوم على الآخرين في تعطيل إحراز تقدم، حسبما أعلن وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي. 

وبالرغم من الإعلان عن نبأ زيارة الوزير إلى أديس أبابا قبل يومين، ومع ترقّب وصوله، إلا أن الوكالة الإثيوبية لم تنشر خبرا واحدا عن زيارة شُكري. 

وبتحليل مضمون الوكالة الإثيوبية على مدى شهريّ نوفمبر وديسمبر، لوحِظ تغيّر اللهجة الرسمية التي تتحدّث بها الوكالة عن مصر، فيما تبثّ من أخبار وتقارير، لا سيما فيما يتعلق بسد النهضة، لتتحوّل من الطابع "الهجومي الحاد" إلى الطابع "الوِدّي الأخوي"، والتشديد على قوة العلاقات بين البلدين. 

مرحلة الهجوم

على مدى الشهر الماضي، وبعد تعثّر المفاوضات، لم تتوانَ الوكالة الرسمية عن بثّ تقارير هجومية، تُعدّد فوائد السد وتُشدد على عدم تأثيره سلبًا على دول المصبّ، وتهدد في الوقت نفسه بأنها "لا تحتاج لإذن من أحد للاستفادة من مواردها الطبيعية"، ومضت تؤكّد قدرتها على استكمال بناء السدّ على طول نهر النيل دون مساعدة خارجية. 

وفي إطار ذلك نشرت الوكالة تقريرًا في 13 نوفمبر، قالت فيه إن "إثيوبيا تعارض الاتفاقيات التي توصلت لها مصر والسودان لكونها لا تعتمد على أسس قانونية، وتتمسك بمبدأ المنفعة المتبادلة خلال مفاوضاتها". 

الوكالة اعتبرت أن التزام إثيوبيا بالنيل، وتحديدًا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مصر والسودان، "أمر غير مقبول". 

ليس هذا وفقط بل استمرت في نشر تقارير، تؤكّد فيها أن "سد النهضة ليس مشروعًا وطنيًا فحسب، بل هو مشروع إقليمي وقاري وعالمي من حيث الفوائد، وسيكون جسرًا للسلام والتنمية والتعاون والتكامل بين دول حوض النيل ودولتي المصب والكل سيكون المستفيد تحت مظلة"، بحسب مدير المشروع المهندس سمينو بقل. 

ووجّهت رسالة إلى ما وصفته بـ"الإعلام الكاذب" بضرورة توخّي الحذر، في تقرير نشرته 14 نوفمبر، جاء فيها "العالم اليوم أصبح قرية صغيرة يستطيع أن نجمع ما يحلو لنا من المعلومات، ولكن التدقيق وقدسية الحقائق يجب أن تكون من أساسيات العمل الصحفي ويجب أن تستمر مثل هذه الزيارات للدول الثلاثة ونشر المعلومات أولًا بأول.. فلا نامت أعين الصحفيين الذين يعتمدون على المعلومات الخاطئة والمفبركة". 

وفي 19 نوفمبر، أوردت نفي رئيس الوزراء الإثيوبي، هيل ماريام دسالين، لما تتناقله تقارير إعلامية بشأن حصول إثيوبيا على "تمويل قطري" لبناء السد، تزامنًا مع زيارة أجراها الوزير إلى الدوحة، وتأكيده أن "بلاده لديها القدرة على استكمال بناء السدّ على طول نهر النيل دون مساعدة خارجية". 

أما في 22 نوفمبر، فنقلت تصريح لوزير الخارجية السوداني، زعم فيه أن "سد النهضة يُخيف مصر لأنه سيمكن السودان من استخدام كامل حصته في مياه نهر النيل التي كانت تمضي لمصر على سبيل (الدين) منذ عام 1959".


ثم خرجت في 23 نوفمبر بتقرير حمل عنوانًا شديد اللهجة، (إثيوبيا لا تحتاج لإذن من أحد للاستفادة من مواردها الطبيعية)، أوردت خلاله تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية "ملس ألم" التي أشار خلالها إلى "اتجاه البعض في مصر إلى التمسك بالاتفاقيات الاستعمارية التي لا يمكن أن تخدم المساعي التنموية لدول حوض النيل في القرن الحادي والعشرين، وحثّت وسائل الإعلام على توخي الحذر والأخلاق في استخدام المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام المصرية، وشدد على ضرورة تحقق الوسائل المحلية من المعلومات بدلًا من مجرد نقل ما تجده في وسائل الإعلام المصرية أو أي وسيلة إعلامية أخرى، حسبما نقلت الوكالة الإثيوبية.

وأضاف أن "ما تقوم به وسائل الإعلام المصرية وبعض المؤسسات بنشر المعلومات حول أن إثيوبيا تحصل على التمويل من دولة قطر لدعم سد النهضة، لا قبول له من الجانب الاثيوبي، فالسد يُبنى من حر مال الإثيوبيين".

وفي 25 نوفمبر، أكّدت الوكالة أنه "لن يتم وقف بناء السد بشكل أساسي بسبب معارضة مصر، وأن السد أنجز بنسبة 63 بالمئة ويجري تشييده على قدم وساق"، بحسب تصريحات وزير المياه والري والكهرباء الدكتور سيليشي بيكيلي، الذي أكّد أنه ليس له تأثير كبير على دول المصب. 

مرحلة التغير في العلاقات

بدأت تتغيّر تلك النغمة تدريجيًا، لتتلاشى حِدة اللهجة الهجومية في 28 نوفمبر؛ فتكتفي بنشر أخبار عن لقاءات بين مسؤولين في مصر وإثيوبيا تتركّز على سبل تعزيز العلاقات، وبناء الثقة وروح التعاون بين البلدين، بما في ذلك لقاء المبعوث الدائم لدى إثيوبيا في مصر تايى أسقسلاس، ورئيس اللجنة الدائمة للشؤون الإفريقية في البرلمان المصري، السيد فليفل، على هامش منتدى افريقيا 2017. 

وفي 3 ديسمبر الجاري، نشرت الوكالة تقريرًا بعنوان (جمهورية مصر العربية ترغب في تعزيز الشراكة مع إثيوبيا)، خلال استقبال الأمين العام لغرفة التجارة والجمعيات القطاعية الإثيوبية، المهندس ملاكو اززو، وفدًا مصريًا برئاسة أبوبكر حفني محمود، سفير مصر لدى إثيوبيا، والممثل الدائم لدى الاتحاد الإفريقي. 

وأكّدت في تقريرها أن "إثيوبيا ومصر تتمتعان بالعلاقات التاريخية التي تمتد إلى آلاف السنين، وأن هذه الزيارة تساهم في توطيد هذه العلاقة القديمة إلى مستوى التعاون الاقتصادي". 

وفي تحوّل لافت، نشرت الوكالة الإثيوبية في 5 ديسمبر الجاري مقالًا بعنوان (دور وسائل الإعلام في البناء والهدم)، وأرفقته بصورة رئيسية ظهرت عليها عبارة (إن العلاقات الأخوية بين إثيوبيا ومصر تتعدّى مجرد قضية سد النهضة)، ومن ورائها يظهر مشروع سد النهضة. 
وقالت الوكالة في مقالها، إن "إثيوبيا عكفت في مختلف وسائل الإعلام الرسمية الإثيوبية على إظهار توجهات إيجابية مسالمة وبناءة تدعو إلى تعزيز التعاون وبناء روح أخوية مع الدول المجاورة أو الدول الأخرى بهدف تقوية من علاقاتها نحو تحقيق المصالح المشتركة وضمان سلامة النوايا مع التأكيد على أن السياسة الإثيوبية تجاه العالم الخارجي تتسم بالعقلانية".

وأوضحت أن هذا الأمر "ينعكس جليًا في شتى وسائل الإعلام الرسمية سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة خاصه في تناولها للقضايا الحساسة المتعلقة بالتعاون المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك كقضية سد النهضة الأثيوبي العظيم". 

وأضافت أن "بعض وسائل الإعلام العربية لا تكل ولا تمل من توجيه لهجة الإعلام الهدام تجاه العلاقات الطبية والتاريخية التي تنعم بها إثيوبيا مع مختلف الدول العربية". وذيّلت مقالها قائلة "ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن علينا إعادة النظر في طريقه استخدام وسائل الإعلام وجعلها أداة للبناء من خلال صياغة السياسات والاستراتيجيات التي تأخذ الوقائع الخاصة بعين الاعتبار". 

وعرجت الوكالة في تقرير نشرته يوم 11 ديسمبر الجاري، إلى تأكيد الجانبين الإثيوبي والمصري على ضرورة تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين من خلال تنويع مجالات التعاون من جهة، وحل بعض القضايا المتعلقة باستخدام نهر النيل، حسبما جاء في اجتماع نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، دمقى مكونن، مع القائم بأعمال رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، على هامش منتدى أفريقيا 2017. 

وشدّدت، بحسب نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، على أن "إثيوبيا تفهم احتياجات المياه في مصر"، وأن السد لن يسبب ضررًا كبيرًا لدول المصب، وأن "نهر النيل كاف لجميع الدول طالما أنها تدار بشكل جيد". 

ولم تنشر الوكالة أي خبر يتعلّق بمصر أو سد النهضة منذ 22 ديسمبر، الذي بثّت فيه خبرا عن لقاء وزير الخارجية سامح شكري مع نظيره الإثيوبي ورقنه جبيهو في نيويورك، وبحثهما للقضايا الثنائية والإقليمية، والاتفاق على العمل بشكل وثيق لتعزيز العلاقات بين البلدين. 

وأوردت تأكيد "شكري" على أن "مصر لن تتصرف على نحو يخالف مصالح إثيوبيا بأي شكل من الأشكال"، في الوقت الذي قال فيه نظيره الإثيوبي إن "المستثمرين المصريين يمكنهم الانخراط في قطاع الاستثمار في إثيوبيا".